ألا من عاقل في هذا الوطن

كأننا كنا في انتظار المشهد/الصاعقة لنستفيق على هول الصدمة : الوطن كمفهوم جامع ملخص لقيم العيش المشترك والأمل على وشك الإنهيار..
فتية لم يبلغوا الحلم أو جاوزوه قليلا يهينون العلم الوطني، يحرقونه ليدوسوه بالأقدام ...أمام مبنى البرلمان برمزيته .. مشهد رعب لم يتخيله أشد الحاقدين في عز التوترات الاجتماعية التي عرفها المغرب منذ الإستقلال وإلى الآن..
المشهد مرعب ..لكنه سيقض مضاجع العديدين ..
سيقض مضاجع من تركوا التعليم فريسة للمصالح الضيقة لرأس المال والريع النقابي..
وسيقض مضاجع من أفرغوا المدرسة من وظيفتها الأصلية كجامعة لفئات المجتمع، وفرقوا أبناء هذا الجيل على جيتوهات حسب قدرة الآباء الشرائية..
سيقض مضاجع من أحالوا الإستهلاك قيمة القيم ...وأعدموا إمكانيات تكافؤ الفرص..
وسيقض مضاجع من سوفوا كل رغبة في الإصلاح إلى أجل غير مسمى وإغتنوا من برامج إصلاحات ترقيع لم تكن أكثر من ذر للرماد في العيون..
سيقض مضاجع سياسيين قتلوا المدرسة بحساباتهم السياسوية، وأمنوا مستقبل أبنائهم في مدارس البعثات..
سيقض مضاجع آباء وأمهات استقالوا من وظيفة التأطير بفعل عمى النموذج ...الذي جعل الخبز قبل القيم..
سيقض مضاجع مشايخ المجالس العاجية العليا التي تستهلك السنين في نقاشات لم تؤتي الا فشلا..
سيقض مضجعي ومضجعك أنت وأنت وأنت ...من ظللنا بجبننا نتفرج على هول ما يجري في حق هاته المدرسة التي كونتنا ونهرب الآن بأبنائنا إلى أقرب جيتو لمن يشبهنا ...كأن المدرسة سيارة دفع رباعية أو قميص مزركش نتباهى بإمكاننا دفع ثمنه..
فضح الفتية مغربا يسير بسرعتين ...قطار فائق السرعة في ظل قطار بخاري عتيق ...تفاوتات قد تعصف بالمستقبل كما سممت الحاضر..
يعيش المغرب الآن على ضوء حالة اكتئاب جمعي غير مسبوق سمته عدم وضوح الرؤية حتى من طرف صانعي القرار وإنعدام إقتراح البدائل حتى من طرف أعتى المعارضين..
بين انعدام الرؤية وغياب البدائل، يأتي جيل كامل ليفاجئنا بسيناريو مرعب .. ويرمي علينا دلو ماء بارد...كأني به يقول : يا سياسي إستفق ..فلا حزبك ولا نقاباتك ولا إطاراتك السياسية التقليدية الجوفاء كفيلة بحماية التوازن الهش إذا قامت قائمتي..
ويأتي جيل آخر بأنانيته ورغبته في ترك الوطن حبيس شرعيات ماضوية، يجهض كل إمكانية حلم جديد..
وبينهما جيل دينه الهروب نحو المجهول ...أنا وبعدي الطوفان..
ألا من عاقل يعيد الثقة في هذا الوطن قبل فوات الأوان..
عثمان بومعليف
رئيس حركة أنفاس الديموقراطية