أول « تاريخ افتراضي » للمغرب للمؤرخ محمد نبيل ملين 5/3: المخزن، معناه ومبناه

يقول نبيل مُلين : "هدفنا ليس فرض سردية كبرى على الجمهور، والتي ستكون بالضرورة سطحية وخطية وإقصائية بل تزويده بتاريخ علمي يظهر بطريقة غير مُقيّدة تنوع المشارب وتعدد المسارات وتعقيدات الوقائع ".
ويعود ملين في حلقة ثالثة يخصصها للمخزن ويحاول الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي تهم أصل تسمية المخزن وزمن ظهورها وكيف تطور معناه ومبناه عبر العصور. مدة الحلقة زهاء العشر دقائق، وبلغ عدد المشاهدات على يوتيوب أكثر من 74.000مشاهدة.
الصورة الافتراسية للمخزن
تبدأ هذه الحلقة بأمثلة شعبية تبين تصورات المغاربة حول إحدى أهم المؤسسات السياسية المغربية "المخزن" وكذا مفهوم السلطة المركزية بكل تعقيداتها وتناقضاتها في مخيلة معظم المغاربة. وهكذا يستشهد ملين بأمثلة على غرار :" اللهم مخزن ظالم ولا قبيلة سَايْبَة" أو "ثلاثة ما معاهم ملاغة : البحر والعافية والمخزن".
وما كرس هذه الصورة في المخيال الجماعي، حسب المؤرخ، هو تأرجح المخزن بين القرن 17 و18 بين القوة والضعف، بسبب الاعتباطية والمحسوبية والفساد واقتصاره على حملات تأديبية في بلاد "السيبة" مما كرس صورته الافتراسية .
أصل تسمية المخزن
عنى المخزن في البداية "خزينة الخلافة". أما أول من اعتمد هذا اللفظ، فهم المرابطون. لكن الموحدين هم من وظفوه من بعد كمؤسسة مغربية وظل الحال كذلك في عهد المرينيين والوطاسيين.
وشهد القرن 6 تغييرا جذريا في مفهوم المخزن، حيث أسس أحمد المنصور "منظومة شَرْعَنَة متماسكة وسخر آليات عسكرية وإدارية ناجعة، مما جعل المغرب يصبح قوة إقليمية بعدما كان فضاءً مُشَرْدَمًا ومعرضا لأطماع العثمانيين" كما يذكر ملين في شريطه.
ويضيف الباحث أن "هذا الصرح العقائدي والمؤسساتي الذي شيده المنصور كرس المخزن ببعديه الرمزي والفعلي كآلة سيطرة سياسية تجسد السلطة المركزية بكل تمثلاتها".
المخزن والمنظومة التراسبية...
وينتقل ملين الى عهد العلويين فيقول "بعد وصولهم الى الحكم حاول العلويون الأوائل إحياء منظومة أحمد المنصور، لكن مجموعة من العوائق حالا دون ذلك من أهمها "الطابع المِلْكَوِي" للسلطة والذي جعل هذه التجربة هشة مثل سابقاتها. إذ تعتمد على "العصبية" بالمعنى الخَلْدُونِي وليس على مؤسسات قوية".
وحسب المؤرخ، لم يصبح معنى المخزن واضحا إلا في القرن 19، فهو "يحيل في الكتابات الاجنبية والمحلية على البناء الايديولوجي والاداة العسكرية التي يسخرها التحالف الحاكم بزعامة السلطان للسيطرة على البلاد". الا أنه عانى أيضا من الضعف والوهن بسبب نهج الانغلاق الاقتصادي والانعزال الديبلوماسي والتقوقع الثقافي. مما شجع الدول الاجنبية للتدخل في شؤون الدولة بل وفرض الوصاية عليها عبر استعمارها.
وهكذا نصت معاهدة فاس في 30 مارس 1912،حسب المؤرخ، التي تشرعن الوجود الاجنبي بالمغرب على ضرورة الحفاظ على سيادة السلطان وكل المؤسسات التقليدية. وقرر المقيم العام، خلق سلطة موازية تتحكم فيها. وبذلك تم خلق منظومة تَرَاسُبِيَّة (الدولة على الطراز الأوروبي والمخزن)، نظام استطاع فرض سيطرته على جميع أنحاء المغرب رغم المقاومة المحلية.
وبعد الحصول على الاستقلال، أصبح المخزن يدل على الحكومة أو السلطة المركزية الدولة أو التحالف الحاكم، وهو المعنى الشائع منذ أكثر من نصف قرن.
الجزء الأول : الحراك الآخر 1958 – 1959
الجزء الثاني : مولاي إدريس الأول مؤسس الدولة المغربية؟
الجزء الرابع : هوس الخلافة : طموحات المغرب التوسعية في عصر الامبراطوريات
الجزء الخامس : مغاربة ضد الاستبداد : جذور المطالب الديموقراطية في الإيالة الشريفة