أول « تاريخ افتراضي » للمغرب لمحمد نبيل ملين 5/5: مغاربة ضد الاستبداد: جذور المطالب الديموقراطية في الإيالة الشريفة

يقول نبيل مُلين : "هدفنا ليس فرض سردية كبرى على الجمهور، والتي ستكون بالضرورة سطحية وخطية وإقصائية بل تزويده بتاريخ علمي يظهر بطريقة غير مُقيّدة تنوع المشارب وتعدد المسارات وتعقيدات الوقائع ".
اختار ملين في حلقته الخامسة سبر أغوار جذور المطالب الديموقراطية بالمغرب فانتقل بنا خلال ما يقارب عشر دقائق الى أهم الشخصيات والحركات الوطنية التي طبعت مسار الديموقراطية في المغرب. وحققت هذه الحلقة أكثر من 27.000 مشاهدة على يوتيوب. وهكذا يكون مجموع المشاهدات التي حققتها الحلقات الخمس للتاريخ الافتراضي لملين، ما يقارب 400.000 مشاهدة.
طريق وعرة...
يقال إن النضال من أجل الديموقراطية تكون فيه السيادة للشعب والقانون، بدأ بعد الاستقلال. يزعم البعض أن الاسبقية كانت لحزب الاستقلال وآخرون أن الاسبقية كانت للاتحاد الاشتراكي بل هناك من ينسب بدايتها الى المؤسسة الملكية. لكن الغوص في تاريخ المغرب المعاصر يبين أن النضال نشأ منذ بداية القرن 20، واستمر لعقود قبل أن يتم وأده بعد الاستقلال، حسب المؤرخ.
وهكذا يروي ملين أن عجز القائمين على المخزن عن القيام بالإصلاحات اللازمة دفع مجموعة من الساسة والمثقفين والشخصيات البارزة الى كتابة مذكرات ورسائل الى الملك عبد العزيز على غرار مذكرة عبد الله بن سعيد التي تجاهلها السلطان خوفا على سلطته المطلقة.
وهكذا يروي الباحث أن الأمور تفاقمت بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء، وتزايد الاحتجاج والمطالبة بالقيام بإصلاحات جذرية لانقاد المغرب، فعرضت بعض الشخصيات السياسية البارزة كعلي زنيبر، خارطة طريق للخروج من الأزمة منها إنشاء مجلس تأسيس واعادة تأهيل المجال السياسي بقوانين عصرية ومؤسسات ناجعة لقيام دولة ديموقراطية.
وبعد انقلاب السلطان عبد الحفيظ على أخيه، يقول ملين، فكر بعض أهالي فاس من بينهم محمد بن عبد الكبير الكتاني في الطريقة المثلى لإلزام السلطان بوعوده، وهكذا تضمنت البيعة شروطا من بينها صيغة التعاقد بين الحاكم والمحكوم وتقييد سلطات العاهل وكذا التأكيد على سيادة الشعب ولو بشكل خجول.
خيبة الأمل
وتصاعدت الاصوات المطالبة بالتغيير وهكذا نادت جريدة "لسان المغرب" السلطان إلى تنفيد وعوده وكتبت على صفحاتها "وعليه فلا مناص ولا محيد لجلالته من أن يمنح أمته نعمة الدستور ومجلس النواب". ونشرت ذات الصحيفة في أواخر سنة1908، مشروع دستور تضمن عدة مفاهيم حديثة من بينها "المواطنة والمساواة وتوحيد القوانين وعقلنة الادارة وربط المسؤولية بالمحاسبة"، يقول ملين.
لكن الملك خيب كل الآمال ونهج سياسة استبدادية وتراجع عن وعوده ،يضيف الباحث، وأمر باغتيال الشيخ الكتاني وأمر بإغلاق لسان العرب ودعا فرنسا الى حماية عرشه سنة 1911، وهو ما سمح للاحتلال المغرب وفرض الحماية عليه بعد ذلك.
زمن الارتجال
قاوم المغاربة الاحتلال بكل قوة، ونظرا لضعف تكوين الشخصيات السياسية البارزة آنذاك فإن الحركة الوطنية لم تستطع تقديم مشروع سياسي محدد بما فيه حزب الاستقلال الذي كان أكبر تكتل سياسي في ذلك الوقت. فلم تتضمن عرائض المطالبة بالاستقلال أي مشروع واضح المعالم بل اكتفت بتحديد تشبتها بالملكية والمزج بين الاصالة والمعاصرة وإحداث نظام الشورى.
لم ينحى عن هذه القاعدة سوى حزب الشورى والاستقلال، الذي قدم مشروعا سياسيا واضح المعالم. وهكذا حرر قادته مذكرة سنة 1947، تضمن التخلص من الوصاية الاجنبية وانتخاب مجلس تأسيس يسن الدستور ويضمن سيادة الشعب، تأسيس نظام ليبرالي ديموقراطي يسود فيه الملك ولا يحكم. أغضبت هذه المبادرة القصر وحزب الاستقلال فسعيا الى إفشالها.
وبعد الاستقلال، يقول ملين، احتدم الصراع بين القصر وحزب الاستقلال لتحديد من سيجسد الدولة، وانتهى بانتصار القصر سنة 1958، ليفرض منظومة سلطوية، حيث سَنَّ الملك محمد الخامس "العهد الملكي" الذي منحه السلطة المطلقة. وكرس الملك الحسن الثاني الوضع من بعده بتهميش دور الأحزاب والحكومة وتقييد الحريات الفردية والجماعية.
الجزء الأول : الحراك الآخر 1958 – 1959
الجزء الثاني : مولاي إدريس الأول مؤسس الدولة المغربية؟
الجزء الثالث : المخزن، معناه ومبناه
الجزء الرابع : هوس الخلافة : طموحات المغرب التوسعية في عصر الامبراطوريات