أول « تاريخ افتراضي » للمغرب لمحمد نبيل ملين 5/1: « يقال إنَّ »: الحراك الآخر 1958 – 1959

يقول نبيل مُلين : "هدفنا ليس فرض سردية كبرى على الجمهور، والتي ستكون بالضرورة سطحية وخطية وإقصائية بل تزويده بتاريخ علمي يظهر بطريقة غير مُقيّدة تنوع المشارب وتعدد المسارات وتعقيدات الوقائع ".
هكذا ينشر د. محمد نبيل ملين أول "تاريخ افتراضي" للمغرب يجمع بين الرسوم والوثائق والسرد ولائحة من المصادر والمراجع تهدف الى فهم أشمل للأحداث والمؤسسات والرموز التي شكلت تاريخ المغرب ومازالت تؤثر على حاضره.
وخُصِّصَتْ الحلقة الأولى من هذه السلسة التي ستضم ثلاثين حلقة، لحدثٍ من أهمّ أحداث تاريخ المغرب المعاصر وأكثرِها غموضا : انتفاضة الريف التي دارت رحاها بين نهاية 1958 وبداية 1959، خصوصا وأنّ هذه الفترة تصادف الذكرى السّتين لاندلاعها. حلقة مدتها زهاء 10 دقائق وحصلت على أكثر من 160.000 مشاهدة على يوتيوب.
صراع الأجنحة والوصفة السحرية
يعود بنا المؤرخ الى فترة ما بعد الحصول على الاستقلال في 2 من مارس 1965، حيث احتدم الصراع بين المؤسسة الملكية وحزب الاستقلال. إلا أن الكلمة الأخيرة كانت للقصر بعد توصله الى وصفة سحرية تمكنه من إضعافه : إشعال تمرد في المناطق القروية لإعلان حالة الطوارئ وفرض قانون الأحكام العرفية وإرسال الجيش ليحل ضباطه محل موظفي الحزب.
وهكذا بدأت عملية إزاحة حزب الاستقلال من مراكز القرار خلال النصف الثاني من سنة 1956. ناهيك عن الصراعات الداخلية التي كانت تعتمل فيه.
الحركة الشعبية للحد من هيمنة حزب الاستقلال
ولتضييق الخناق على حزب الاستقلال، يقول ملين، أسس كل من عبد الكريم الخطيب والمحجوب أحرضان، أول حزب إداري، الحركة الشعبية، كأول حزب ينافس حزب الاستقلال والذي يضم كل الذين يتخوفون من طموحات الاستقلال وخاصة أعيان البوادي.
وفي أكتوبر 1958، قامت الحركة الشعبية يإيعاز من الأمير الحسن بتنظيم جنازة جماهرية لبعض شهداء جيش التحرير في مقدمتهم عباس المساعدي بقرية أجدير بالريف. وسرعان ما تحولت هذه الجنازة الى مظاهرة تندد بحزب الاستقلال.
وبعد أيام اندلعت انتفاضات مصطنعة أخرى في ثلاث مناطق وهي ولماسو يوراين ومثلث الموت. ليعلن القصر بعد ذلك عمالة تازة والرباط منطقتين عسكريتين مما سهل إزاحة رجال حزب الاستقلال لصلح ضباط الجيش.
انقلاب السحر على الساحر
وينتقل المؤرخ ليحدثنا عن عدوى الاحتجاجات إلى منطقة الريف وهو حدث لم يكن في الحسبان. فظهرت هذه المرة انتفاضة حقيقية في قلب الريف نتيجة عوامل جهوية ومحلية زادت حدتها بعد الاستقلال ومنها سوء التدبير والفساد وإغلاق الحدود مع الجزائر وتسريح الجنود من الجيش الإسباني والجفاف.
وهي عوامل اجتمعت لتؤجج فتيل احتجاجات سلمية في عدة مناطق بالريف. بعد ذلك صدر ظهير أمست على إثره الحسيمة منطقة عسكرية للتحكم في الاحتجاجات التي سرعان ما تحولت إلى حركة مسلحة انطلقت من بني ورياغل بقيادة خريج القرويين ، محمد سلاَّم أمزيان.
وحسب ملين، لجأ القصر الى مقاربة أمنية بدعم من القوى الاستعمارية، وذلك بتنظيم حملة تأديبية أو ما يسمى ب"الحركة" بقيادة الأمير الحسن ومحمد أوفقير. حملة استمرت لأسبوعين لدحر الحركة المسلحة التي ضمت عناصر خدموا تحت إمرة الأمير الخطابي وفي جيش التحرير وكذا الجيش الاسباني.
وفي يونيو 1959،يقول المؤرخ، قام الملك محمد الخامس بجولة في المنطقة معلنا نهاية آخر "حركة"، وكإشارة الى إخماد الاحتجاجات وإحكام قبضة القصر على منطقة الريف.
د. محمّد نبيل مُـلين، المشرف على الحاضنة "إنشاء" وهي حاضنة للأفكار المبتكرة في المجالين السياسي والثقافي، أسست سنة 2018، بفضل جهود فريق متعدد التخصصات. وهو أستاذ باحث في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي. وقد حصل على دكتوراه في التّاريخ من جامعة السوربون وعلى دكتوراه في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية في باريس. له العديد من المؤلفات من بينها علماء الإسلام : تاريخ وبنية المؤسسة الدينية في السعودية بين القرنين الثامن عشر والحادي والعشرين (بيروت، 2011) والسلطان الشريف : الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب (الرباط، 2013) والخلافة : التاريخ السياسي للإسلام (بيروت، 2017) وفكرة الدستور في المغرب : وثائق ونصوص (1901-2011) (الدار البيضاء، 2017) وأطياف الإسلام السياسي : التيارات والعقائد والإيديولوجيات، (بيروت،2019).
ويقول الباحث، يسعى هذا المشروع الطّموح، الذي يحمل عنوان "يُـقال إنّ" إلى تقديم مختلف جوانب تاريخ المغرب وذلك بطريقة علمية وسلسة. فهو يجمع بين الرسوم والوثائق والسرد ولائحة من المصادر والمراجع من أجل تفكيك أمثل وفهم أشمل للأحداث والمؤسسات والرّموز التي شكّلت تاريخ البلاد وما زالت تُؤثّر على حاضرها".
الجزء الثاني : مولاي إدريس الأول مؤسس الدولة المغربية؟
الجزء الثالث : المخزن، معناه ومبناه
الجزء الرابع : هوس الخلافة : طموحات المغرب التوسعية في عصر الامبراطوريات
الجزء الخامس : مغاربة ضد الاستبداد : جذور المطالب الديموقراطية في الإيالة الشريفة