S'abonner
Se connecter
logo du site ledesk
بالعربية
مختارات لوديسك بالعربية

Connectez-vous

Mot de passe oublié ?

Abonnez-vous !

Découvrez l'offre de lancement du Desk

60 DH
1 mois
Découvrir les offres
18.08.2019 à 18 H 40 • Mis à jour le 18.08.2019 à 18 H 40 • Temps de lecture : 1 minutes
Par

اقتصادٌ، أسواقٌ وعُملات: شبحُ أزمة عالميةٍ جديدةٍ يَلوحُ في الأفق

Le trader Mario Picone sur le floor de la Bourse de New York, le mercredi 14 août 2019. L’indice Dow Jones Industrial Average a chuté ce jour de 800 points après que le marché obligataire eut annoncé un risque d’une récession pour la première fois depuis 2007. RICHARD DREW/AP
تحليل: منذ بداية هذا الشهر صار صدى أنين الضربات الاقتصادية يتردد في جميع أرجاء العالم، بسبب تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين وتباطؤ الاقتصادي العالمي وتذبذب العملات والأسواق المالية... هذه الأحداث المتتالية يمكن أن تؤدي إلى أزمة جديدة. استرجاع لما جرى خلال الأيام الماضية التي أخذ معها النظام العالمي القديم يتفكك بشكل متسارع.

هناك علامات لا تجعل المحلل يخطئ في تكهناته. فعندما يكتشف العاملون في القطاع المالي من جديد وفجأة جاذبية الذهب، أو عندما يكونون مستعدين لخسارة المال لوضعه في استثمارات تعتبر آمنة، أو عندما يبدون القلق بشأن السيولة المالية في الأسواق، فإن ذلك يدل على أن ماكينة القطاع المالي تشهد خللا، وأن الخوف والهلع قد انتشرا.


منذ بداية شهر غشت، عاد شبح أزمة مالية جديدة ليخيم في الأفق. هزات ذات قوة متزايدة، وأكثر تواترا تضرب الأسواق العالمية. فيوم الأربعاء 14 غشت، شهدت بورصة وول ستريت أكبر انخفاض لها منذ بداية العام : -3٪ خلال جلسة تداول واحدة. وقبل ذلك بعشرة أيام، شهد السوق المالية الأمريكية انخفاضا مماثلا تقريبا قبل أن تعود إلى التعافي قليلاً.


Wall Street le 14 août. © Reuters


من أكثر مؤشرات وعلامات الخلل وضوحًا هو ما يحدث في أسواق السندات. منطق وعالم هذه الأسواق هو معدلات الفائدة السلبية، حيث لا قيمة للمال، وحيث تدفع البنوكُ المالَ للمُودِعِين، فقط من أجل الاحتفاظ بأصولهم لديها. لكن يوم الأربعاء الماضي، انهارت آخر قلاع المقاومة : صارت منحنيات ومؤشرات السندات الأمريكية والبريطانية معكوسة، حيث صار اقتراض الأموال على مدى عشر سنوات أرخص وأقل كلفة من اقتراضه على مدى عامين. وينظر القطاع المالي إلى هذا الانعكاس في المنحنيات والمؤشرات، والذي لم يحدث منذ سنة 2007، نظرة الخائف من قطة سوداء لا يرى في سوادها سوى سوء الحظ. يرى الكثيرون أنها علامة تحذير تؤشر على اقتراب حدوث ركود كبير.


فجأة، ومنذ أشهر طويلة، يأخذ العاملون في القطاع المالي في الاعتبار معلومات قللوا أو أهملوا أو تجاهلوا أهميتها لمدة طويلة. الركود الذي يهدد ألمانيا ومنطقة اليورو بأكملها، وتباطؤ النمو في الولايات المتحدة، وتصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، والصراع في هونج كونج، وبريكسيت، والأرجنتين...


كل شيء صار مصدرا للقلق والخطر

عندما يتردد صدى أنين الضربات الاقتصادية في جميع أرجاء العالم، فإن رؤوس الأموال الكبيرة تلجأ إلى الاختباء في أماكن من المفترض أنها ستكون أكثر أمانًا. وهكذا عادت أونصة الذهب لتستقر فوق مستوى 1500 دولار لأول مرة منذ سنة 2013. أيضا صارت التوقيعات الآمنة، مثل التوقيعات الألمانية والسويسرية والسويدية والفرنسية، مطلوبة مهما كان الثمن، مع العلم أن فوائد جميع السندات الحكومية الألمانية والسويسرية، حتى بعد 30 سنة، هي فوائد سلبية. بمعنى آخر، فإن المستثمرين، وحفاظا على أصولهم في أماكن آمنة، صاروا موافقين على خسارة المال. ويقدر الحجم المالي للسندات السلبية في العالم اليوم بنحو 15 تريليون دولار (15 ألف مليار دولار).


قبل أيام، قال كاتب عمود في صحيفة فايننشال تايمز، ملخصا المزاج السائد "في الوقت الراهن، لا يزال بعض المستثمرين يرقصون على أرضية قاعة الرقص، لأن الأوركسترا ما زالت تعزف، لكنهم في الحقيقة يقفون بالقرب من مخرج الطوارئ، في حال توقف الموسيقى فجأة".


قد تتوقف الموسيقى فجأة. متى؟ كيف؟ لماذا؟ يقدم المحللون والاقتصاديون فرضيات. لكل تفسيراته أو هواجسه اللحظية : الصين، بريكسيت، دونالد ترامب، الدين الخاص. لكنهم جميعا يَبْسِطُون في نهاية المطاف الملاحظة نفسها : النظام الحالي يلفظ آخر أنفاسه.


Donald Trump et Xi Jinping à Pékin en novembre 2017. © Reuters


فإضافة إلى الأزمة المالية لسنة 2008، والتي لم يتم حلها، بسبب الرغبة في استخلاص الدروس من الإخفاقات التي تسببت فيها، وما رافقها من حلول لمعالجتها، خاصة الانحرافات المتعلقة بضخ الأموال المجانية من قبل البنوك المركزية في النظام المالي، ما ساهم في خلق عدم استقرار، وتسبب في تشوهات اقتصادية ومستويات من اللامساواة التي لا يمكن تدبيرها، ناهيك عن المشاكل البيئية. لقد صارت أصغر حبة رمل قادرة على التسبب في خلل للماكينة المالية، وأصغر شرارة قادرة على إشعال الفتيل. والمقصود هناك خصوصا بعض التغريدات.


ما يحصل اليوم من عصبية في السوق المالي العالمي، تسببت فيها تغريدة من تغريدات دونالد ترامب أوائل غشت. لقد أعلن الرئيس الأمريكي، الغاضب من قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، الذي لم يتماشى مع هواه وذوقه، زيادة بنسبة 10٪ في الرسوم الجمركية على جميع الواردات الصينية التي لم تخضع للضريبة بعد.


لقد أخذ هذا الإعلان الجميع على حين غرة، بدءاً من بكين. لكن إعلان دونالد ترامب، حسب تحليل نشرته شبكة بلومبورغ حينها، كان في الغالب للاستخدام "في مواجه الاحتياطي الفيدرالي وليس لاستهداف الصين". مع تصاعد التوترات مع بكين، سيحاول الرئيس الأمريكي لَيَّ ذراع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي كان في صراع معه منذ الخريف الماضي، وأجبره على خفض معدلات الفائدة الرئيسية الأمريكية، والرجوع إلى سياسة شراء السندات (التيسير الكمي) التي كان قد تخلى عنها البنك من سنة 2015.


ولكن دونالد ترامب في خضم حملته لإعادة انتخابه، في حاجة إلى تقديم حصيلته، ليثبت أن سياسته جيدة، وأن "أمريكا عادت" معه. لكن النتائج المحققة ليست في الموعد. التخفيضات الضريبية الهائلة (خفض الضريبة على الشركات من 35٪ إلى 21٪، وإلغاء الحقوق على رؤوس الموالالمعادة إلى الوطن) التي منحتها إدارة ترامب للمجموعات الكبيرة، لتشجيعها على إعادة رؤوس الأموال المخفية في الملاذات الضريبية، لم تحقق الآثار المرجوة.


وتشير التقديرات إلى أن 400 مليار دولار فقط هي التي عاد إلى الولايات المتحدة. وغالبا ما استخدمت المجموعات هذه الأموال لزيادة أرباحها وإعادة شراء أسهمها، وليس من أجل للاستثمار وخلق فرص العمل. هذا يثبت مرة أخرى زيف وعبث نظرية الاقتصادي الجمهوري آرثر بيتز لافار، التي تربط علاقة بين الضغط الضريبي ومداخيل ميزانية الدولة، وأثرهما في تحفيز الاستثمار.


في خضم ذلك، استمرت فَقْرُ الولايات المتحدة في النمو أكثر. ففي سنة 2018، انخفضت إيرادات ضرائب الشركات بنسبة 22٪ لتصل إلى 263 مليار دولار، في حين زاد العجز في الميزانية الأمريكية بنسبة 17٪ ليصل إلى 779 مليار دولار. خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الضريبية الحالية (تنتهي السنة الضريبية في الولايات المتحدة في شتنبر)، ارتفع العجز مرة أخرى بنسبة 27٪ إلى 866.8 مليار دولار. ومن المحتمل أن يتجاوز حجمه 1 تريليون يورو على مدار العام.


عندما تُصعد الصين من لهجتها

لكن نتائج دونالد ترامب أكثر إثارة للشفقة على مستوى استعادة التوازن التجاري لأمريكا، والذي جعله منه ترامب مبرره الأساسي لشن حربه التجارية على الصين. في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز، سرد الاقتصادي بول كروغمان جميع أرقام هذه الحرب التجارية التي شنت ضد بكين لمدة عام. استنتاجاته محيرة : "الحرب التجارية غير مجدية. إنها لم تؤد إلى النتائج المتوقعة من قبل ترامب".


وتدعيماً لاستنتاجاته، يقدم بول كروغمان الأرقام : العجز التجاري مع الصين يزداد بدلاً من خفض ركود المنتجات الأمريكية، خاصة بالنسبة للمنتجات الزراعية، حيث قلصت الشركات من أنشطتها في الولايات المتحدة ونقلتها إلى دول أخرى مثل فيتنام، والمستهلكون الأمريكيون هم الذين يتعين عليهم دفع سعر الزيادات الجمركية المفروضة على الواردات الصينية. كل سنة، سيتم استخلاص 100 مليار دولار جديدة من ميزانية الأسر الأمريكية، حسب تقديرات كروغمان.


من هنا تنبع الضغوطات على البنك المركزي الأمريكي للعودة إلى السياسة النقدية غير التقليدية. إن تخفيض معدلات الفائدة في اقتصاد تستدين فيه الأسر بمعدل فائدة متغير، يعد دفعة فورية للمستهلكين، مما يمنحهم الشعور بأنهم يستعيدون القوة الشرائية. إن صب المزيد من المليارات من جديد، هو بمثابة دعم لنظام مالي وأسواق مُتْخَمَة بالأموال المجانية، وهو أيضا خلقٌ لِرَفَاه مزيف يُفترض أنه سيدعم الاقتصاد.


لا يوجد ما يدل على أن الحلول والعلاجات المستخدمة سابقا من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي عدة مرات سيكون لها التأثيرات نفسها هذه المرة. لأن تلك الحلول صارت جزءًا من أسباب الاضطرابات والتوترات الحالية. لكن هذا الإشكال ليس مصدر قلق بالنسبة لدونالد ترامب : الشيء المهم هو ضخ وهم النجاح في سياسته، وفي اقتصاد "مزدهر". على الأقل خلال فترة الحملة الانتخابية.


منذ أن بدأت فترته الرئاسية، وضع دونالد ترامب مؤشر داو جونز كمقياس لسياساته، لكنه شعر بناقوس الخطر يدق بسبب الانخفاض المهم لهذا المؤشر في الأيام الأخيرة. واستيعابا منه لكونه قد بالغ كثيرا، أعلن ترامب في 13 غشت أن الزيادة الجديدة في التعريفة الجمركية على الوارداتالصينية، والمقرر دخولها حيز التنفيذ في أوائل شتنبر، سيتم تأجيلها إلى دجنبر. وأوضح الرئيس الأمريكي أن هذه الخطوة هي بادرة حسن نية على أمل التوصل إلى اتفاق تجاري واسع النطاق مع بكين. في الواقع، يبدو أن إدارة ترامب قد أدركت أن الارتفاع المفاجئ في التعريفات الجمركية، بما في ذلك على جميع المكونات والمنتجات الإلكترونية التي كانت معفية إلى اليوم، يمكن أن يتسبب في أزمة مفاجئة لشركات التكنولوجيا الكبرى، خاصة الأمريكية.


صدق دونالد ترامب لمدة نصف يوم، أنه سيد العالم فتبخر أداء مؤشر داو جونز. في اليوم التالي، انتهى الحفل : تراجعت الأسواق المالية العالمية، مع تصدر مؤشر وول ستريت الرائد. وتوازيا مع سوء نيته المعتاد، تجاهل دونالد ترامب كل المسؤولية، واتهم مرة أخرى في تغريدة انتقامية رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي بالمسؤولية عن كل ما جرى. ثم توالت تصريحاته لـ"صديقه" شي جين بينغ، واقترح عليه عقد اجتماع لتسوية النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتحدث عن مصير هونج كونج.


قبل بضعة أشهر، كان يمكن أن يكون لهذه الدعوة فرصة للنجاح. لكنها اليوم قد تبقى حبرا على ورق. لأن الحكومة الصينية قد غيرت موقفها. لم تعد بكين تسعى إلى التهدئة أو الالتزام بالمعاهدات الدولية والنظام الدولي، كما كانت تفعل قبل عام عندما فرض دونالد ترامب أول العقوبات الجمركية عليها. لقد قررت بكين التحول إلى مرحلة الدفاع عما تعتبره حقوقا وطموحات، حتى لو تطلب الأمر منها دفع ثمنٍ باهظ.


أخذ العالم علما بهذا التصلب في المواقف في الخامس من غشت الجاري. في ذلك اليوم، أعلن الرئيس شي جين بينغ رده على الزيادات الجمركية الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة. إضافة إلى قراره بعدم استئناف مشتريات الصين من فول الصويا الأمريكي، سمحت بكين بتجاوز عملتها اليوان لأول مرة عتبة الحد الرمزي البالغ 7 دولارات.


Évolution du dollar par rapport au yuan sur un an. © boursorama


على عكس معظم الدول، تحتفظ الصين بسيطرة مشددة على عملتها : فهي تتحكم في تقلبات سعر الصرف المركزي لليوان في نطاق لا تتعدى نسبته 2٪. على الرغم من تباطؤ الاقتصاد الصيني لأكثر من عام والعقوبات الأمريكية، كانت سلطات بكين حريصة طوال الوقت على عدم الخفض من قيمة العملة، حتى لا تتهم بالتلاعب بعملتها لدعم صادراتها ومحو العقوبات الجمركية الأمريكية. خسر اليوان 10٪ من قيمته مقابل الدولار في العام الماضي. بالنسبة لبعض الاقتصاديين وحتى صندوق النقد الدولي، كان يمكن أن يهبط أكثر من ذلك بكثير، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي في الصين.


وحينما تنظر الأسواق إلى السلطات الصينية وهي تسمح لعملتها بتجاوز سقف 7 دولارات، فإن ذلك يعد بالنسبة لها بمثابة خط سحري يجب استغلاله، ومن المفارقات الساخرة أن تحدد حكومة بكين سعر الصرف المركزي الجديد لليوان في 7,0001 دولار، حيث لا يمكن قراءة ذلك إلا كإشارة سياسية لواشنطن. وبكين لا تخفي هذا الأمر على أية حال، ففي بيان له، أوضح البنك المركزي الصيني أن انخفاض قيمة اليوان كان "بسبب آثار التدابير الأحادية والحمائية [الأمريكية] والتوقعات عقب الإعلانات الجمركية ضد الصين".


دونالد ترامب قال "إن ذلك يسمى تلاعبا ماليا"، قبل أن يهاجم مجلس الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى. في الوقت الحالي، بدأت جميع الأسواق في الانهيار، مرتعبة من التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة. يقول كريس كروجر، المسؤول في معهد "كوين" للبحث "إن انتقام بكين سيكون شاسعا على مقياس يتراوح من 1 إلى 10، وقد يبلغ 11. [...] إجراءات بكين تستهدف البيت الأبيض مباشرة ويبدو أنها مصممة على تحقيق أقصى تأثير سياسي".


التفكك بدأ

بدأ الاقتصاديون في الحديث عن مخاطر حرب عملة جديدة، حيث تحاول كل دولة دعم نشاطها من خلال ممارسة تخفيضات تنافسية على حساب دول أخرى. هنا يستعيد الجميع ذكريات الآثار المدمرة للسياسات المتبعة خلال ثلاثينيات القرن العشرين. مع ذلك فإن المقارنة مع أحداث "الكساد العظيم"، ليست دقيقة تماما، لأن هناك بعدا جديدا بالمقارنة مع سنوات الثلاثينيات، وهو الحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال.


كل تغيير في الفوائد، وكل حركة للعملة تتسبب في الساعات الموالية لها في تحركات لرؤوس الأموال بسرعة الضوء، لتجد لها أماكن أكثر ربحية أو لتُضَارب في الفروقات بين عملات هذا أو ذاك. إن حجم رؤوس الأموال المتطايرة هذه، والتي نمت بنسب هائلة مع تخفيف القيود النقدية منذ أزمة 2008، أصبحت الآن عاملاً من عوامل عدم الاستقرار المالي والاقتصادي والسياسي، كما يتضح من الأحداث الأخيرة في الأرجنتين. الصين ليست محصنة ضد هذا التهديد. يجب عليها أيضًا إدارة مخاطر هروب رؤوس الأموال قدر الإمكان. لا سيما وأن ميزان مدفوعاتها مستمر في التدهور وقد يصبح سلبياً هذا العام، على الرغم من فوائضها التجارية الضخمة.


لكن هناك عاملا آخر يقلق العالم المالي بخصوص موقف الصين الأخير. تشير النبرة المتصلبة للغاية التي تبنتها بكين، مصحوبة بحملات قوية ذات بعد وطني/قومي، إلى أن الصين عازمة الآن على لعب دورها، والدفاع عما تعتبره مصالحها، وإعداد شعبها لقبول تضحيات شديدة إذا كان ذلك ضروريا. يبدو أن النهج التعاوني الذي تبنته بكين لمدة 30 عامًا الماضية لم يعد مناسبًا لها.


كان دور الصين حاسما في السنوات الأخيرة. طوال الأزمة المالية لسنة 2008، وافقت بكين على اتخاذ تدابير استثنائية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وضخت مئات المليارات لتجنب انهيار بنوكها، وأعطت دفعة جديدة للماكينة الاقتصادية العالمية ودعمت الطلب الدولي. يذكرنا المؤرخ آدم تووز في كتابه "هذه السنوات العشر التي غيرت العالم" بأنه نادراً ما وضعت حكومة ما هذا القدر الكبير من الوسائل على الطاولة في زمن السلم لدعم التوازنات الهشة عبر العالم. هذا الإفراط في الاستثمار والاستدانة، هو اليوم واحد من أسباب تباطؤ الاقتصاد الصيني ومشاكله.


Affiche en soutien à Xi Jinping à Hong Kong. © Reuters


ماذا سيحدث إذا في حالة حدوث أزمة، خاصة إذا لم تعد الحكومة الصينية راغبة في المساعدة على استقرار النظام الاقتصادي والمالي العالمي؟ يقول الاقتصاديون إنه على الرغم من كل شيء، فإن شي جين بينغ ليس مستعدًا للتخلي تماما عن سياسة القوة الناعمة التي تم تنفيذها بعد مذبحة تيانانمن، والتي كانت مربحة بالنسبة له. إن الطريقة التي سيتعامل بها شي جين بينغ مع قضية هونج كونج في الأيام بل الساعات المقبلة، سوف تخبرنا وتكشف لنا كيف ستكون الأمور.


أوربا من الضحايا المباشرين لهذا التوتر المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة. ومن المحتمل أن تكون واحدة من ساحات القتال المفضلة بين القوتين العظميين في المستقبل.


ألمانيا، القوة الاقتصادية الأولى في القارة العجوز، ستكون أول من يتعرض لضربات هذا النزاع. لقد تَأثر نموذجها التجاري (الميركنتيلي)، القائم على الفوائض التجارية الاستثنائية وإعادة تدويرها المالي في وول ستريت، وأصيب بعمق منذ تصاعد التوترات التجارية العالمية. لقد صارت ألمانيا تشاهد أسواقا وهي تغلق في وجهها أو تختفي دون أن يكون لها يد في ذلك. تستعد الصين، التي كانت أول عميل لها، لتصبح أول منافس لها. علاوة على ذلك، فإن اقتصادها المتخصص، المبني على صناعة السيارات، يتعرض للتحدي حيث أصبحت القضايا البيئية أكثر إثارة للقلق.


في الربع الثاني من هذا العام، سجلت ألمانيا انخفاضًا بنسبة 0.2٪ في نشاطها الاقتصادي. وبالنسبة للعديد من المراقبين، لن تسلم برلين من الركود هذا العام. لقد أدى انكماش الاقتصاد الألماني بالفعل إلى تباطؤ في الدول الرئيسية المتعاقدة (المناولة) (المجر، بولندا، جمهورية التشيك). لكن من المحتمل أيضًا أن تجر برلين معها منطقة اليورو بأكملها، والتي لم تنتعش بعد منذ أزمة 2008.


في سياق هذا الوضع لا شيء يتحرك. لكن ألمانيا، وكما كررت خلال الأيام القليلة الماضية، ترفض التخلي عن القاعدة الذهبية لضبط توازن ميزانيها حسبما اقترح عليها العديد من الاقتصاديين مرارًا، وذلك من أجل اعتماد تدابير مضادة للتقلبات الاقتصادية، قادرة على دعم اقتصادها واقتصاد أوروبا.


لذلك، عاد البنك المركزي الأوروبي إلى الواجهة بقوة. ففي سياق القلق من المخاطر المتزايدة في النظام المالي العالمي، أعلن البنك بشكل غير معتاد في 15 غشت أنه مستعدة لاتخاذ تدابير دعم غير عادية لمساعدة الاقتصاد الأوروبي بحلول أوائل شتنبر. وقال أولي رين، عضو مجلس البنك المركزي الأوروبي بصفته محافظا للبنك المركزي لفنلندا إنه "من المهم أن نطور حزمة إجراءات مهمة وذات أثر في سبتمبر. مضيفا أنه "عند تعمل مع الأسواق المالية، من الأفضل غالبًا أن تكون أكثر قوة ولا تنجذب إلى الأسفل،  وأن تتوفر لديك مجموعة تدابير سياسة قوية وصلبة، بدلاً من الترقيع".


وفي الوقت الذي صارت فيه أسعار الفائدة الرئيسية للبنك المركزي الأوروبي سلبية، أقدمت هذه المؤسسة المالية الأوروبية خلال السنوات الأخيرة على شراء سندات غير مربحة مقابل 2600 مليار يورو، حيث يتساءل الكثيرون اليوم عن الأسلحة التي لا تزال متوفرة لدى البنك المركزي الأوروبي لاستئناف سياسة الدعم النقدي. في هذا السياق يقترح الصندوق الاستثماري "بلاك روك" (BlackRock)، المتنفذ بشكل كبير في أكبر العواصم الأوروبية، أن يجرؤ البنك المركزي الأوروبي على اتخاذ خطوة أخيرة على غرار البنك المركزي الياباني : أي شراء الأسهم مباشرةً. وهو ما سيؤدي طبيعيا ومباشرة إلى تأميم الأسواق ويخلص المستثمرين من أي مخاطر...


إذن قوس العولمة كما عرفناها منذ 30 عامًا، أي منذ سقوط حائط برلين قد انتهى. لقد بدأ تطبيق بعض خطوات اللاعولمة بالفعل، دون أن نتمكن في الوقت الراهن من معرفة الشكل الذي ستتخذه فيما بعد. ولمواجهة هذا التفكك المتسارع للنظام القديم، سيجتمع قادة مجموعة السبع (الولايات المتحدة، ألمانيا، اليابان، كندا، فرنسا، إيطاليا، المملكة المتحدة) في منطقة بياريتز الساحلية جنوب غرب فرنسا في الفترة من 24 إلى 26 غشت الجاري.


هذا الاجتماع، مثل كثير من الاجتماعات الأخرى التي سبقته، من المرجح أن يؤدي فقط إلى إعلان نوايا، فجريا على عادتهم، سَيَغْتر السياسيونَ، غير القادرين على تعلم أي شيء من إخفاقاتهم السابقة، بالقول إنه من الضروري الانتظار وعدم التسرع. كعادتهم، لن يتخيلوا تبني مقاربة أخرى، لأن مُعَاهداتهم وسياساتهم ومبادئهم الإيديولوجية التي تشكل محركهم الأساسي، تبدو بالنسبة لهم روائع متكاملة لا يمكن تجاوزها، وسيعرضون العالم من جديد للخطر...

©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.