الاحتضار البطيء لقطاع الصحة المغربي (ج.3)

فيما يخص الصحة العمومية، انخرطت السلطات ضمن منطق العولمة الجامح، غير واضح المعالم، رغم الوعود الكثيرة والمغرية بخصوص سياسة الدولة في قطاع الأدوية التي يفترض منها أن تشجع الإنتاج المحلي.
إضافة إلى الفوضى السائدة في القطاع بسبب عدم تطبيق القانون الشهير رقم 17.04 على الوافدين الجدد، نجد أن من بين نتائج هذا القصور في الرؤية، الوضع الذي يعرفه المختبر الوطني لمراقبة الأدوية والذي أصبح في عنق الزجاجة.
بصفته مسؤولا عن تقييم الملفات التقنية لطلبات ترخيص تسويق المنتجات الدوائية، فإن المختبر يعيش مأزقا يثبط الصناعيين الذين يقولون أنهم "رهائن"، فوفقا للجمعية المغربية للصناعات الدوائية "متوسط مدة إصدار ترخيص تسويقي تصل إلى ثلاث سنوات و نصف"، ما جلعها تدعو إلى نظام أكثر مرونة (ومسالك عرض أكثر لمنتوجاتها) والملاءمة بين الحصول على مفاتيح النجاح المؤكد خاصة المتعلق بالنشاط التصديري، يقول أحد الصناعيين "تخيل أن صادراتنا غالبا ما تجمد رغم أنها تروج في المغرب".
لا يتعلق الأمر فقط بالبطء الإداري الذي يشير إليه جل المهنيين فحسب، بل أيضا بضعف منظومة الموارد البشرية بأسرها، فمنذ ثلاث سنوات تم تسجيل ما لا يقل عن 15 حالة مغادرة طوعية على مستوى مديرية الأدوية والصيدلة، وفي أقل من سنة استقال اثنان من رؤساء أقسام مختبر التحاليل الفيزيوكيماوية، ناهيك عن بعض دعائم القطاع الصحي، مثل مدير المختبر الوطني لمراقبة الأدوية الدكتور عبد المومن ماهلي، ورئيس شعبة الصيدلة الدكتور عبد الحكيم زاليم الذين تم فصلهما بحسب ما يوضح مصدر مقرب من الملف "لقد كانا بمثابة كبش الفداء بعد تقرير اللجنة البرلمانية التي ظلت توصياتها الرئيسية حبرا على ورق".
نتيجة لذلك، وفي حين أن مرسوم تراخيص التسويق يفرض شروطا أكثر صرامة، فإن فقدان المختبر الوطني للعديد من الكفاءات يفاقم وضع السوق المحلي، في وقت يتم فيه تشجيع الإستيراد و"المختبرات الوهمية".
ردا على ما ذكرته صحيفة "الأخبار" بعبارات مقلقة من كون المختبر الوطني فقد تصنيفه الممنوح من طرف منظمة الصحة العالمية، ردت وزارة الصحة في فبراير 2017 لتؤكد أن "المختبر الوطني لمراقبة الأدوية يتوفر على كفاءات بشرية مؤهلة على أعلى مستوى ومعدات حديثة ومتطورة، مما جعله يستوفي جميع المعايير التي تشترطها المنظمات الدولية ذات الصلة بمراقبة جودة الأدوية"، مضيفة أن الخبر غير دقيق، زادت في بيانها أن المختبر الوطني مدرج ضمن آخر لوائح المختبرات المؤهلة الصادرة في 22 دجنبر 2016، و أضاف البيان أن "اعتماد المختبر قد تم تجديده في 2011 و 2014 وأنه سيظل ساري المفعول إلى غاية يونيو 2018".
اسطورة شهادة إيزو
ولزيادة الطين بلة أكدت الوزارة أن "المختبر حاصل على شهادة الجودة إيزو 17025 من طرف المديرية الأوروبية لجودة الأدوية التابعة للإتحاد الأوروبي سنة 2007".
لكن حسب مصادر داخلية متعددة داخل وزارة الصحة تواصل معها لوديسك، فإن وضع مديرية الأدوية والصيدلة والمختبر الوطني ليس جيدا، إذ وحسب المصادر ذاتها "فسنة 2014 عبرت منظمة الصحة العالمية عن تحفظاتها حول عدة جوانب نوعية، من معايرة الآليات إلى دقة الاختبارات" مؤكدة أن التحذير الذي أصدرته المنظمة الأممية عاد ليكون "موضوعا ساخنا"، خاصة وأن الاختبار المقبل سيتم بعد أشهر،"التصنيف التأهيلي الذي تمنحه منظمة الصحة العالمية في خطر" تؤكد المصادر في حين أن الوزارة الوصية تلتزم الصمت.
كما أن شهادة ايزو التي يلوح بها الدكتور عمر بوعزة مدير مديرية الأدوية والصيدلة، فهي لا تعدو كونها "طُعما" حسب خبراء يشيرون أنه لم يتم تسليمها من طرف المديرية الأوروبية لمراقبة الأدوية، لكن من طرف هيئة مصادقة خاصة هي "مودي سيرتيفيكاسيون ماروك"، "لقد كانت مهمة مودي متمثلة في مرافقة المختبر الوطني لإجراء مراجعة له، كونها بذلك طرفا وحكما". ولا يعد هذا المعيار بأي حال من الأحوال مرجعا لتقييم المختبرات واعتمادها، لأنه يحدد فقط الشروط العامة للكفاءة من أجل اجراء الإختبارات أو المعاينات، بما في ذلك أخد العينات.
حسب أحد فنيي المختبر الذي طلب عدم الكشف عن هويته "نحن في مواجهة مشكل يمس أسس أخلاقياتنا وأمننا الصحي"، ويؤكد المصدر"قمنا مرارا و تكرارا بالإحتجاج للتنديد بمنح رخص تسويقية للبعض بكل أريحية بينما يتم ببساطة رفض أدوية أخرى صالحة" مشيرا إلى "ضغوطات تؤدي إلى الرفض غير المبرر".
كما أن صناعيين كثر يقولون بأن قطاع المراقبة الصحية بالمغرب لا يدعم الصناعة المحلية بشكل كاف في مواجهة طفرة المنتجات المستوردة في ظروف منتهكة للقانون، يصرح مصدر من داخل الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية للوديسك "إن مقبولية ملفات حصولنا على تراخيص التسويق تعتبر مشكلة مركزية، حيث يعاد النظر في بعضها عشية الأجل النهائي"، ويشدد ذات المصدر "القطاع مهيكل ومنظم بشكل كبير وكل عملية تكون مرتبطة بالإدارة، ولكن الأمر لا يتعلق بزيادة القوانين والمراسيم إنما بمنح وسائل للمراقبة الصحية تكفل لها العمل بكل صلاحياتها، وهو أمر أبعد ما يكون عن الواقع حاليا" مشيرا إلى الحاجة الملحة لإعادة هيكلة السلطات الصحية بخلق وكالة أدوية "من شأنها توفير متطلبات القطاع، ألا وهي فرض الجودة و دعم الصناعة".
يشرح عضو في الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية، "إن كون المختبر الوطني لمراقبة الأدوية مختبرا معترفا به دوليا خصوصا في إفريقيا لهو ضمان لجودة منتجاتنا، ولكن منشآتنا تخضع لمراقبة منتظمة من طرف سلطات الدول التي يتم التصدير إليها كمدغشقر والسودان وجزر موريس وسييراليون وحتى بوركينا فاصو، وهي دول ترسل إلينا مفتشيها، بينما لا يراقب المغرب المصانع الأجنبية التي تصدر إلينا منتجاتها".
و في هذا السياق فإن المهنيين محبطون أيضا من استضافة المغرب نهاية فبراير للمؤتمر الاقليمي لرابطة معلومات الادوية، الذي ناقش بصفة خاصة موضوع تزييف الأدوية، "الأمر لا يعني المغرب من قريب أو بعيد، ورغم ذلك فإن مديرية الأدوية والصيدلة مرتبطة بهذه الفعالية التي أعطت الكلمة فيها إلى المختبرات الأجنبية فقط"، حسب مدير أحد أكبر المختبرات المغربية الذي ينتقد حقيقة أن "المواضيع التي تمس بشكل حقيقي قطاع المراقبة الصحية ومستقبل الصناعة المحلية، يتم تجاهلها لصالح المواضيع التي تصب في صالح الأطراف الأجنبية".