التسييس من أجل التحرك في أفريقيا: واجب وتحدي جيلنا الراهن
افريقيا قارة المستقبل، أفريقيا التي تشهد النهضة، إنها كما تعلمون، وكما هو شائع إفريقيا الأمل.
تعددت المشاهد في قاعات المؤتمرات في الفنادق الكبرى في عواصمنا، كما على شبكات التواصل الاجتماعي، فالجميع يهنئ ويرحب بأفريقيا الناشئة، وحيثما لاحظنا ذلك، فإننا نقوله، ونعلق عليه ...
فبينما نحن نستمتع بالمناقشات الموضوعاتية ... ما هو المكان الذي يجب إعطاءه للدين داخل المنظومة الحداثة وفي سياق التحرر الفكري؟ ما هو نظام التعليم والتدريب المهني الذي ينبغي وضعه في البلدان التي تطغى فيها البعثة الفرنسية والمدرسة الأمريكية على المدارس الحكومية، أو ما تبقى منها؟ وما هي كيفية الاستفادة من روح مبادرة الأفارقة من أجل التحرر من المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة وإنشاء طبقة وسطى وتوزيع أفضل للثروة؟ كيف نحافظ على البيئة في البلدان التي تبقى فيها الموارد مستحوذا عليها من طرف فئات معينة، وحيث لا يحظى هذا الموضوع بالأهمية اللازمة؟ كيف يمكن تحسين ظروف معيشة 72٪ من الشباب الأفارقة الذين يعيشون على دولارين في اليوم؟
باختصار، نحن الجيل الأفريقي الجديد، الساعي إلى تحديد الاتجاه والحرص على تقديم حلول لجميع هذه التحديات، لكن ما هي الإجابات الملموسة التي نعطيها لهذه الأسئلة في بلداننا بعد مناقشتها؟ إذ أنه لا تكفي المناقشة فقط من أجل تطوير الأمور : بل علينا أن نعمل، ومن أجل ذلك، إعادة تجديد الالتزام مقدما وفي نهاية المطاف، إعادة إحياء العمل السياسي.
بيد أن الحزب السياسي في شكله التقليدي لم يعد بإمكانه استيعاب هذه الإمكانية، وأصبحت هذه القاطرة متجاوزة عفا عنها الزمن تماما؛ مما يدفع ربما حزب شابا إلى امتناع عن التصويت، هؤلاء الشباب الأفارقة، الذين ينصرفون عن النخب السياسية، كونها منفصلة عنهم بشكل تام. علاوة على ذلك، يجب أن نعيد التفكير في طريقة تكوين النخب، لأنها لا تترك مجالا لأولئك الذين لا ينحدرون من نفس تكوينهم، أو أصبحوا متجاوزين عفا عنهم الزمن، غير أنهم يريدون أن يكون لهم تأثير على المجتمع.
ومع ذلك،فإن الجيل الحالي -جيلي- يعرف كيفية الالتزام : الذي يتكون في غالبيته من رجال الأعمال، وجمعيات الناشطين الذين يرغبون في الخروج من حالة الجمود، عن طريق تأسيس الشركات الناشئة، و الدخول في المشاريع، وأخذ الكلمة... لكن كل هذا لا يكفي ! أعتقد جازماً أن الخطوة التالية يجب أن تكون عملا سياسيا، أرى ذلك، و أشعر به في كل مرة أتحدث مع الشباب في أبيدجان، داكار، واغادوغو، باماكو، الجزائر العاصمة ... الدار البيضاء.
ننشط على الشبكات الاجتماعية والمنتديات، كما لو كان التعليق يحل مكان التصرف،
وما فتئنا نختبئ منذ فترة طويلة وراء إرث الحكم السيئ، وراء الإرهاب وكل "شرور أفريقيا" لتجنب الاستجابة الملموسة لتحديات مجتمعاتنا الأفريقية، واليوم، في الوقت الذي نشعر فيه بأن نماذجنا المجتمعية، الموروثة من الاستعمار والأنظمة المشكوك فيها في كثير من الأحيان، أصبحت محدودة ، ننشط على الشبكات الاجتماعية والمنتديات، كما لو كان التعليق يحل مكان التصرف.. بعد كل هذا، هل يجب القول بأن الأفارقة لا يحبون المناقشة، وأنهم يحبون فن الثرثرة ؟ غير أن هذه "الثرثرة" من شأنها أخيرا الرفع من هذه السياسة. ولكن ما هي السياسة دون عمل؟ واليوم، حان الوقت لجيلنا القيام بهذا العمل.
دعونا نجتمع حول قاعدة قوية بما فيه الكفاية، من القيم التقدمية والإصلاحية من أجل بناء النخب السياسية الجديدة، وبلورة شكل جديد من الالتزام الذي يمكن لنا من خلاله أن ندرك أنفسنا. دعونا نتخذ الإجراءات التي من شأنها تعزيز ظهور المجتمعات الأفريقية المستنيرة والمتقدمة ! دعونا نتوقف عن التفكير في الماضي دونما الاستيلاء على مصيرنا ومسؤولياتنا ! ويصف، صديق سنغالي ينشط في بلده، الوضع جيدا : "تسييس شبابنا هو وسيلة للخلاص. وعلينا أن نقف، بل ونواجه، جميع أولئك الذين ينشطون، تحت غطاء من أشكال حسن النية، ليبعدوا الشباب عن السياسة لصالح المتربصين، الدين ينشطون سواء في مجال ريادة الأعمال أو المجال الرقمي، حيث يكونون في كثير من الأحيان محاطين بنوع من العبثية الفارغة والمخادعة، كما أن الأفارقة يعانون معاناة فظيعة في أجسادهم.
و من أجل فهم رهانات القارة يجب أن يكون العمل جادا ومتزنا يكسر سذاجة الحنق الذي غالبا ما يطبع العلاقة بين الأشخاص المؤثرين، قبل الاستمرار : "للشباب الأفريقي مكانته في مجال صنع القرار في بلداننا، يجب أن توفر له الوسائل الضرورية من أجل الوصول إلى هذا المبتغى بمشروع القطيعة و رفضه أن يتم إزاحته عن مسار السلطة."
يجب ألا ننتظر من الآخرين أن يقدموا لنا الحلول، ولأن مشاكل أفريقيا سياسية، ومستقبلها لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، فلنكن نحن أنفسنا كأفارقة قادة اليوم والمستقبل بغية استعادة الحيز السياسي في بلداننا !
سيرة ذاتية موجزة : حمزة هراوي :
بعيدا عن المجموعة الزراعية المنتشرة في عموم أفريقيا، التي ينشط داخلها حمزة هراوي، مكلف بالتواصل، ينحدر من مدينة الدار البيضاء، يتبنى تصورا مواطنا بشأن البناء الذي يتوجب على المغرب أن يشاركه مع جميع شركائه الأفارقة والعرب.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.