الصحة: « مناظرات دوائية » لتضليل النقاش (ج.4)

نظمت وزارة الصحة يومي 23 و24 فبراير المنصرم بالصخيرات النسخة الثانية من "المناظرة الوطنية للدواء والمنتجات الصحية"، مناظرة ناقشت موضوعا وحيدا هو تزييف الأدوية في إفريقيا، الذي لا يشكل تحديا للمغرب الذي تعرف صناعته الدوائية اكراهات وعراقيل تجعله قاسيا على صادراته الوطنية، في ذات الوقت الذي لازالت توصيات المناظرة الأولى لسنة 2015 حبرا على ورق وبلا آدان صاغية.
خلافا لكل التوقعات وبعد عقد المناظرة الوطنية للدواء والمنتجات الطبية في دجنبر 2015، ستنظم مديرية الأدوية والصيدلة التابعة لوزارة الصحة، الدورة الثانية للمناظرة يومي 23 و24 فبراير الجاري بالصخيرات، حول موضوع يتعارض مع المصاعب التي تعرفها حاليا الصناعة الصيدلية المحلية : ألا وهو موضوع الأدوية المزورة.
حسب رأي أحد المهنيين ف"الموضوع الوحيد للمناظرة هو تزوير الأدوية، موضوع لا يهم المغرب، بل قد يثير شكوكا حول صناعتنا"، رأي يشاطره فيه أحد أطر وزارة الصحة الذي يؤكد أن تنظيم الفعالية تم "على عجلة في خضم تصاعد الجدل حول مديرية الدواء والصيدلة، خصوصا فيما يتعلق بالإنتهاكات الممنهجة للقانون والمتمثلة في منح رخص لمختبرات وهمية أو فيما يتعلق بالمعايير الغامضة التي يتم بموجبها استصدار تراخيص لتسويق بعض الأدوية".
حسب معلوماتنا، فإن الدورة الثانية من المناظرة ظلت حبيسة الادراج خلال المرحلة الانتقالية التي أدارها عبد القادر اعمارة في وزارة الصحة، لكن كما يعلق أحد صناعيي القطاع بشكل غاضب أنه "مباشرة بعد تعيينه، أطلق الوزير الجديد أنس الدكالي العنان لهذه المهزلة !" مردفا أن المختبرات طُلب منها المشاركة في تمويل الحدث دون أن تتم استشارتهم حول برمجة المناظرة.
والسبب، هو أن العديد من توصيات المناظرة الأولى سنة 2015 ظلت حبيسة الورق، إذ تم توقيع 8 اتفاقيات تعاون ثنائي مع بلدان افريقية، ولم يتم وضع أي أسس لتنفيذها إلى يومنا هذا، إضافة إلى ذلك، فقد أصدرت وزارة الصحة 9 توصيات رسمية دون إجراء أي تقييم محدد للأهداف المتوخاة، وبدورها بقيت هذه التوصيات بلا تنفيذ على أرض الواقع.
تأثيرات سلبية على الصناعة الدوائية المغربية
حسب عضو من الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية فإنه "قبل النظر في تنظيم دورة ثانية للمناظرة، يبدو أنه من المناسب لمصداقية الوزارة وخصوصا مصداقية صناعتنا المحلية، أن ننكب على كل هذه النقاط بدراسة مستوى انجاز الإلتزامات المتخدة والترتيبات الواجب اتخادها من أجل الإعلان عنها"، مذكرا بأن " الملك محمد السادس أعطى أوامره بإنشاء وزارة للشؤون الإفريقية خصيصا لتفادي بقاء الإلتزامات التي تتعهد بها المملكة مع شركائها القاريين حبرا على ورق".
غير أنه تبين أن واحدا فقط من التوصيات التسعة للمناظرة اختير للنقاش في نسختها الثانية، وهو موضوع التزوير، الذي لا يهم المغرب الذي لم يواجه مشاكل من هذا النوع لعدة عقود بفضل الموثوقية الراسخة للتصنيع المحلي" الشيء الذي من شأنه إعطاء صورة جد سيئة عن الأدوية المغربية في الأسواق الأفريقية التي تمثل نسبة 90 % من الصادرات، وما سيكون لذلك من تأثير كارثي"، حسب مدير أحد المختبرات. ومما يزيد الطين بلة، أن مواضيعا أخرى مستعجلة مثل تشجيع الصناعة المحلية والترويج للأدوية الجنيسة والاستفادة من الخبرات الصناعية المغربية، وإنشاء وكالة وطنية للدواء وتعزيز الأبحاث البيو-طبية والتماهي مع السياسات الصيدلية الإفريقية، وغير ذلك من المواضيع تم تجاهلها بالكامل.
هذا الإصرار المفاجئ على تنظيم مناظرات فارغة بأخطار استراتيجية بغرض تسويقي بحت، لا يأتي من الصدفة، فقبل بضعة أشهر، تعرض عمر بوعزة مدير مديرية الدواء والصيدلة بوزارة الصحة إلى وابل من الإنتقادات سواء في القطاع أو في إدارته، إذ حسب عبد المجيد بلعيش الخبير المحلل لسوق الصيدلة و مؤلف دراسة مثيرة للقلق حول القضية فإن تسيير بوعزة "يعتبر كارثيا و له عواقب وخيمة تتجاوز بكثير القطاع الصحي".
تتزايد الحقائق بالظهور في هذا السياق، فمثلا محمد هوباشي رئيس الجمعية المغربية للأدوية الجنيسة (وهي مجموعة لا تتضمن إلا ثلاث مختبرات بعد انسحاب كوبر فارما وبالكاد حققت 750 مليون درهم كرقم معاملات)، أجرى لقاء صحفيا يوم 15 فبراير مع "ليزانسبيراسيون إيكو" ليداري الفضيحة داعيا إلى "عدم بعث رسائل سلبية"، مدافعا عن بوعزة دون ذكر اسمه، وملقيا باللوم على منافسيه الصناعيين الذين هم حسب قوله المسؤولون الوحيدون عن ارتفاع الواردات الدوائية على حساب التصنيع المحلي.
تكفي نظرة متمعنة لرؤية كل ما يجري داخل الجمعية المغربية للأدوية الجنيسة بوضوح أكبر، فشركة أفريك فار هي أحد الأعضاء، وهي التي تؤوي المختبر الهندي صن فارما رانباكسي السيء السمعة عالميا، والذي يعيت فسادا في السوق المغربية بلا محاسبة، من ناحية أخرى، فإن الدكتور هوباشي، قبل أن يصبح رئيس جمعية الادوية الجنيسة، كان رئيسا تنفيذيا لـ "بوليميديك"، و أصدر بنفسه إذنا تسويقيا لأحد الأدوية المهدئة المنتجة من طرف مختبر "سينثميديك" قبل أن يتم كسر العقد بسبب قضية منافسة غير عادلة، غير أن الدواء المذكور لا زال يُنتج و يُسوّق بالمغرب في خرق صارخ للقانون.
في مقالة نشرتها هافتون بوست يوم 19 فبراير، طرح الدكتور عبد اللطيف الوهابي (مؤسس مكتب الدراسات "آر أند دي فارماستيكلز" الذي مقره في بروكسيل ويتخصص في دراسة السوق المغربية) إشكالية تجزيء القطاع الخاص المغربي الذي يميل إلى العمل على شكل تكتلات غير منظمة، في حين أن تحليل الدكتور الوهابي للنقص الكبير في التنسيق بين الفاعلين الخواص ولغياب الرؤية الاستراتيجية الإدارية يوضح مكامن الخلل العميقة داخل الصناعة الصيدلية الوطنية التي لا زالت تبحث عن الأفضلية محليا، فإن هذا التحليل يتجنب الحديث عن وجود خرق للقانون رقم 17.04 الذي يلزم أي مختبر أجنبي بأن يكون محتكما على موقع إنتاج بالمغرب قبل حصوله على أي إذن تسويقي لأحد منتوجاته، قائلا أنه "من أجل تجنب استنتاجات غير دقيقة و غير واضحة".
في ظل عدم احترام هذا القانون في الظروف الحالية للسوق كما تفعل مديرية الدواء والصيدلة حاليا بشكل صارخ، فإنه من المؤكد أن التبعية والإعتماد على الإستيراد لن يزدادا إلا قوة. إذ وكما يقول أحد الصناعيين فإنه "لم تقم أي سوق صيدلة نامية في المنطقة بمنح امتيازات أو رعاية مماثلة للفاعلين الأجانب على حساب صناعتها الداخلية"، منبها إلى خطر منهجي طالما أن وزارة الصحة تغض الطرف عن خرق القوانين التي تسنها، وتنظم فعاليات تضليلية للتعتيم على النقاش الحقيقي الذي هو الفساد التنظيمي الذي ينخر القطاع.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.