المصحات الخاصة: لوبيات أقوى من الدولة ؟
هل مؤسسات الدولة رهينة وحبيسة لوبيات الطب القطاع الحر؟ لقد كشف الاصطدام بين زهير الشرفي، كاتب الدولة بوزارة الاقتصاد والمالية وحسن أفيلال، نائب رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة خلال ملتقى الجبايات، عن مدى قوة هذا اللوبي وعزمه على الدفاع والمحافظة على امتيازاته معتمدا على عدم شفافية الأرقام وعدم قدرة مديرية الضرائب على إجباره على الانصياع. هو تحد للسلطات العمومية تم تشجيعه بحصولهم على إعفاء ضريبي أقل ما يقال عنه أنه غير عادل وجد متساهل.
منذ اصطدام ملتقى الجبايات الذي حدث بين زهير الشرفي، كاتب الدولة بوزارة الاقتصاد والمالية وحسن أفيلال، نائب رئيس الجمعية الوطنية للمستشفيات الخاصة ، تصاعدت الأمور ولم يتأخر رد فعل اللوبي القوي لطب القطاع الخاص.
وهكذا وجه الشرفي أصابع الاتهام للممارسات غير القانونية لبعض المصحات الخاصة، والتي تتجلى في فرض تقديم شيكات كضمانات من قبل المرضى. ثم تطرق الى القطاع غير النظامي الذي يغطي 90 % من أنشطة القطاع والرشوة التي تتآكله والتواطؤ المنظم داخل الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة للتهرب من واجباتها الضريبية.
وهكذا تفاعل بشكل علني مع تدخل أفيلال خلال ندوة، طالب خلالها بتخفيف ضريبي خاص بمحترفي طب القطاع الخاص بعد قرار أطباء القطاع بتقديم بعض الخدمات الصحية المجانية.
ومنذ ذلك الحين، أخذ هذا النقاش بُعْداً غير متوقع، ووضع في صلب النقاش الاتفاق المعقود بين المديرية العامة للضرائب والمصحات الخاصة في منتصف شهر ديسمبر2018، الذي تم تطبيقه عبر شبكة جبائية تصحيحية لتنظيم وضعية الأطباء الذين تتوفر فيهم ثلاث معايير : التخصص ودفع مبلغ يعادل الضريبة على الدخل للسنة المالية 2017، ومبلغ للأداء .
تصفية حسابات بين الشرفي وفراج؟
هذا الاتفاق الذي تم عقده بعد 8 أشهر من المفاوضات، كان من المفروض أن يضع حدا لشد الحبل بين محترفي مهن الصحة الخاصة وإدارة الضرائب. وكان تدخل الشرفي الذي كان حانقا، منبثقا من واقع أن مطالب هؤلاء لا تتوقف وهوما يدل على أن الاتفاق المعقود بين الأطراف المعنية ليس كافيا.
وفي تصريحات لهسبريس، عارض رضوان السملالي، رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة أقوال الرجل الثاني في مديرية الضرائب بمطالبته " بمراجعة أرقامه". إذ الاتفاق المعقود مع إدارة الضرائب لا يأخذ بعين الاعتبار سوى التصريحات التصحيحية التي لا تتجاوز 1,5 % من قيمة الأرباح المصرح بها.
وفي نونبر 2018، تداولت الصحافة بشكل مكثف مذكرة داخلية تضم وتبين توافق تقنين الآلية الضريبية للمهن الحرة انطلاقا من البرمجة إلى الاتفاق الودي الذي تم التوصل اليه في حالة تدقيق ضريبي. إن الاشتراء الحكومي الإلكتروني للتصريحات الضريبية وأداء المستحقات وطلبات شهادات إبراء الذمة الجبائية التي تم وضعها منذ سنوات، سمحت برصد الاختلالات الضريبية خاصة في المهن الحرة.
ولقد أعلن عمر فراج مدير مديرية الضرائب لتيل كيل أنه " ليس هناك ترصد ضريبي للمهن الحرة والأطباء "وأكد أن "طرق الأداء البنكي عبر وسائل تقريب الخدمات الرقمية وإمكانية التصحيح الضريبي أصبحت تطبق على الجميع بفضل رقمنة الموارد التي وضعت في مديرية الضرائب".
لكن حسب نفس المصدر، فقد أعلن فراج لمجلة "اقتصاد وشركات" أنه بفضل الاشتراء الحكومي الإلكتروني، 62 % من بين 16.000 طبيب بالمغرب، يؤدون أقل من 10.000 درهم كضريبة على الدخل. كما أكد أن النظام الجديد الذي تم تبنيه من قبل المديرية يسمح برصد الثغرات.
وبعرضه لنظامه الجديد المبني على أدوات الرصد الرقمية وكشف المحتالين، شَبَّهَ فراج مبادرته "بالمواجهة الحربية"، تضطر إدارته إلى "تطوير فعالية آلياتها لقطع الطريق عن المناورات التي يخلقها المحتالون على الضرائب باستمرار"
وهذا يعني أن زهير الشرفي وعمر فراج لم يتفقا حول الأرقام المفروض التعامل بها؟
لوبي يتوعد بالتصعيد رغم أنه كان مدللا
أين هي الحقيقة إذن؟ إن آخر الحسابات الوطنية حول قطاع الصحة المتوفرة والتي تم اعتمادها من قبل الحسين الوردي في 2015، تشير أن المداخيل الإجمالية للقطاع تناهز 52 مليار درهم في السنة وتحتكر المصحات والعيادات الخاصة 19,24 مليار درهم من المداخيل، أي ما يعادل 37 % من المبلغ الاجمالي. والحال أن، رقم المعاملات المصرح بها من لدن المصحات الخاصة لا يتعدى3,5 مليار درهم، أي تراكم 5 مليارات. مما يخلق فارقا يصل الى14,24 مليار، وهذا يعني تخفيضا لرقم المعاملات بنسبة تقارب75 %...
وفي الواقع لا يمكن تحديد هذه الأرقام التي تغذي هذا الجدل، إلا من قبل المجلس الأعلى للحسابات أو لجان الاستقصاء البرلمانية.
إن واقع أن ممثلين عن جمعية المصحات الخاصة، تمكنوا من فتح نقاش يخص قطاع الصحة خلال منتدى الضرائب يطرح تساؤلات عديدة. إذ من المفروض أن يكون المنتدى مناسبة لوضع أسس مشروع ـ إطار شامل وأن الوضعية الخاصة بالطب الليبرالي قد تم البث فيها والتوصل لحل مع مديرية الضرائب.
وهكذا أعلن بدر داسولي، رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر خلال المنتدى أن "الأمور ستتصاعد" كرد على تدخل شرفي. ثم تلاه بعد ذلك بلاغ 15 ماي، الذي يرد عليه قائلا " إن ما تفوه به الكاتب العام لوزارة الاقتصاد والمالية في حق أطباء القطاع الخاص غداة تأديتهم لضرائبهم كما تشهد على ذلك كشوفات ودفاتر المديرية العامة للضرائب، لا يمكن وصفه الا بالتنكر الشنيع للخدمات الاجتماعية والاقتصادية والطبية التي يقدمها الجسم الطبي الخاص بالمغرب". وأضاف أن هذا هدف الهجوم " إلهاء الرأي العام الوطني عن ما تعرفه الساحة الوطنية العمومية من فشل ذريع في التسيير".
والأكثر من هذا أن هيئة المصحات الخاصة كانت عازمة على رفع قضية على الشرفي وضاعفت تهديداتها الى حد التلويح بتنظيم إضراب وطني للقطاع لمدة 7أيام... إذا لم تدعمهم القوى السياسية للبلاد. وتم تنظيم حملات للتنديد بهذا الهجوم على القطاع عبر شبكات التواصل الاجتماعي ضد كل من سَوَّلَتْ له نفسه مساءلة لوبي قطاع الصحة الذي لا يتردد أمام شيء.
اتفاق مع المديرية العامة للضرائب على هامش القانون
لقد نص الاتفاق مع مديرية الضرائب على اقتطاع مبالغ يتعين على الأطباء أداءها مقابل تصريح ضريبي صالح للسنوات الأربع الماضية من 2014 الى2017.
وعندما ننظر عن كثب الى شبكة التصحيح الضريبي تُطْرَحُ عدة تساؤلات...
وهكذا يتساءل عدد من المختصين حول واقع أن مديرية الضرائب تفاوضت للوصول الى اتفاق بمبالغ أقل من التي تم الإعلان عنها والمطالبة بها في البداية. بالإضافة الى أنها أدت الى تنازل جماعي وآلي عن مداخيل ضريبية كبيرة تطرح تساؤلات عن سندها القانوني : إذ تعد من صلاحيات المؤسسات الكبرى للدولة (البرلمان وغرفتيه). وهي تتعلق بالبند 71 من القانون ـ الإطار للدستور.
وبهذا فإن اللجوء الى البند221 مكرر، من القانون العام للضرائب غير ملاءم حتى لا نقول عنه أنه غير دستوري، لأن القانون لم يضع باعتباره إمكانية الاتفاق إلا في حالات فردية وليس في حالة تعديل جماعي شامل.
تفاصيل تدعو الى التساؤل...
إن التفاوض في كل حالة على حدة بوجود 16.000 مُمَارِس في هذا القطاع، كان من شأنه أن يشكل مهمة صعبة ومكلفة لمديرية الضرائب. لهذا لجأ فراج إلى استراتيجية عملية لكنها قابلة للمساءلة من قبل السلطات القضائية المختصة.
إن شبكة التصحيح الضريبي لا تضم سوى 30 تخصص طبي، بينما العمليات الجراحية الكبرى (عمليات القلب والشرايين والصدر)، التي تتطلب تكاليف مرتفعة تصل إلى 300.000 درهم للعملية الواحدة، غير مدرجة في اللائحة.
كما أن أطباء الأسنان بتخصصاتهم المختلفة ( طب الأسنان أو تقويم الاسنان) يجتمعون في نفس الخانة. كما أن أطباء الأسنان المستقرين في المدن الكبرى كالدار البيضاء يؤدون نفس المبالغ التي يلزم بها زملاءهم في المناطق البعيدة وكيفما كانت التسعيرات المفروضة بعض التخصصات. والأمر الأكثر غرابة هنا، التمييز بين أطباء الأمراض النسائية حسب جنسهم : خانة خاصة بالإناث وأخرى بالذكور. وبالتالي نجد أن الطبيات المتخصصات في أمراض النساء ملزمات بتأدية واجبات جبائية أكثر من زملاءهن من الذكور...
قرار آخر يطرح عدة تساؤلات، يتجلى في تقليص الضريبة على الدخل لأطباء الرياضة من40.000 درهم الى 30.000 درهم في 2018، دون أي تبريرات.
والأدهى هو الإجحاف الذي طال ممارسي المهنة الذين كانوا يصرحون بعائداتهم الحقيقة بشكل دوري. إذ تم فرض ضرائب أكبر عليهم مقارنة بأولاءك الذين يقلصون من الدخل المصرح به : إن شبكة التصحيح الضريبي تدفع الاطباء المتعاقدين مع مؤسسات (تأمينات أو شركات أو أندية...) والذين يتلقون أجورهم عبر تحويلات بنكية، الى دفع واجبات ضريبية أكبر من زملاءهم الذين يدفع لهم نقدا. هؤلاء لم يكن عليهم دفع سوى مبلغ 10.000 درهم برسم السنة الجبائية 2017.
ولتبرير هذا الاختلال، تتحجج مديرية الضرائب لتبرير هذا الاتفاق بكونه خطوة أولى إيجابية لترويض مهني هذا القطاع.
شريعة الغاب في قطاع الصحة
بينما تعتبر المنظمة الدولية للصحة أن القوانين والتشريعات هي عوامل أساسية لتغطية صحية شاملة لأجل حماية حقوق المرضى والأطباء وضمان حكامة ناجعة وعادلة، نجد في المغرب أن قطاع الصحة ينظمه ظهير الالتزامات والعقود يرجع تاريخه الى 1913، ظهير لا تذكر فيه كلمة "طبيب" سوى مرة واحدة في البند388، بينما لا ترد كلمة "مصحة" إطلاقا.
ويُذَكِّرُ سعد تاوجني، رجل قانون متخصص في القانون العام الخاص بالصحة والضمان الاجتماعي في مقال بجريدة ليكونوميست، أن البند 1248 يضع في المرتبة الثانية المبالغ المستحقة عن تكاليف المرض.
وهو" فراغ قانوني ومؤسساتي شاسع" يدخل في إطار انحرافات متعددة تفتح المجال أمام "ممارسات مسيئة في ما يخص التسعيرات المفروضة وتحديدها والفاتورات المحتسبة من قبل بعض الممارسين".
إن عدم تنظيم التعريفات المفروضة هو أحد نتائج هذا الوضع. إن التعريفة الوطنية المرجعية ليست مفروضة الا على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. كل مؤسسة للتأمين الصحي التي يقارب عددها الثلاثون، لها تعريفتها الخاصة وممارساتها المختلفة. وكل مريض يغطي 100 % من نفقاته يفاوض السعر الخاص به. هذا الاطار يخلق انطباعا تجاريا لممارسة انسانية سامية، انطباعا يناقض المبادئ الأساسية لمهنة الطب، التي "لا يمكن اعتبارها تجارة" حسب البند 2 من القانون المنظم للقطاع.
إن فوضى التسعيرات المتباينة في هذا القطاع، تبعد المغرب كل يوم أكثر عن الممارسة الطبية الاجتماعية التي كانت المصحات المتعددة التخصصات الخاصة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نموذجا يحتذى به لهذه الممارسة.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.