انتصارا للمرأة البدوية

عيون على جبال آيت سدرات ،أو تلك القرى التي قد أسميها "قرى بلا رجال"، جبال آيت سدرات حيث الطبيعة تقف شامخة تخفي وراءها الكثير من المعاناة والقليل من الآمال المؤجلة.
هنا أمضي دون أن ألتفت، أولي ظهري للمدينة بحثا عن قصص أخرى وملامح أخرى، هنا كل ما لا يقال يستشعر فقط، فلا لغة تترجمه ولا حروف ترسمه ولا كلمات تحمله ولا شفاه تنطق به، ترى الحياة هنا تنقسم بين ثنائيات متناقضة ، سعادة وشقاء، دمع وبسمات.
هنا بجبال الأطلس الكبير المغربي حيت القرى بدون رجال، تلتقي نسوة منسيات، كل واحدة وعنوان حياتها : عيشة وعذاب يومي من أجل صغارها ..؟
تودة وسعيدة وألم غياب الزوج، رقية وخديجة والبحث عن الخلاص الجماعي بعد أن عانت كل واحدة منهن أنين العزوبة، هؤلاء النسوة لم تثنيهن قسوة الجغرافيا، ولا شح الزمن عن أن يبقين شامخات بطيبتهن وصبرهن من أجل غدا يلقي بتضحياتهن الجسيمة.
هنا جدة هرمة وامرأة فقيرة بمثابة غصة في الحلق، وجرح في القلب تخفي وراء وجهها الذي نالت منه التجاعيد حزنا يجاوره فرح، هنا لازال الأخ يفكر في أخيه، ومازالت الروابط قوية بين أفراد الأسر، ولازال الناس يلقون التحية وينتظرون رد السلام، في هذه القفار تعلمنا الصبر والتأني وتعلمنا معنى الإيثار والعطاء، في هاته البقع المنسية صيفا وشتاء، أول مكان على وجه الأرض تقاس فيه قيمة الناس بما يعطون وينفقون في سبيل عابر سبيل ..؟
فالشعور الذي ينتابك وأنت تعيش في هاته المناطق، هو حزن بلا لون ولا وطن، هو حزن يمكن أن تكتشفه بالنظر والتمعن في وجه الأمهات والجدات اللواتي تحملن عبء الزمن ومن يتطلع لتلك العيون، سيعلم حين ذاك أنها تروي الكثير، حيت كل واحدة تقتسم مع الأخريات هم البيت ورحلة الحياة، وكل واحدة تكد من أجل نسج تفاهم واتحاد لقهر الزمان، وليست لهن مطالب أخرى باستثناء مطالب بسيطة لكنها أحياننا تبدوا مستحيلة، "مدرسة قريبة للأطفال ... مستوصف للأهالي ... ومشاريع سياحية تنعش المنطقة".
إنهن يقطن مداشر جعلت العالم لا يولي أي إهتمام لهن، وهن نسوة لا شأن لهن بالانتخابات ولا الثورات ولا الأزمات، فأزمتهن يومية دائمة، حياتهن انتظار يومي لزوج غائب وحاضر في الذاكرة، رغم أن المدينة اقتنصته لخدمة رجال آخرين ...؟
هنا الخبز أولا... ونساء تكدحن خارج الزمن من أجل كسرة خبز لهن ولصغارهن، قدرهن الحزن من أجل أن يسعد صغارهن، وحياتهن معاناة مستمرة غير منصفة، وضريبة يفرضها حاضر قاس جعلهن وحيدات دون سند الأزواج ...؟.
وليشهد التاريخ أني أحترم هؤلاء النسوة، أحترم صبرهن، أحترم كدهن وقسوتهن وتعبهن، وأعترف بنضالهن الحقيقي على هامش الوطن بل على حافة الحياة .. !
تلك النسوة اللواتي لا متنفس لهن سوى الأعراس والأفراح والأعياد، لأن أيامهن تشبه بعضها، محكومة بمزاج الليالي الباردة، وقسوة الزمن بمحاذاة مع غياب الأزواج الذين يصارعون في الغربة، كي تظل السعادة تنبض بداخلهن ويتشبثن ببصيص آمل في صراع من أجل البقاء ... !
هن نسوة من صنف يجهل الوطن، وتجهله منظمات حقوق الإنسان، فلا علم لهن باليوم الوطني ولا اليوم العالمي للمرأة، هن فقط نساء مناضلات كادحات شامخات شموخ جبال الأطلس..
نسوة قد يقتسمن معك كل ما يملكن، بداية بالبسمة والزاد القليل والألفة التي لا توصف والدفء الكبير.
نسوة لا تعرفن العطلة ولا نهاية الأسبوع، نساء يعشن انتظارا يوميا لرجال رحلوا بحثا عن العمل بحثا عن الحياة.... !