انقطاع دواء لوفوتيروكس يعكس غياب سياسة استباقية لوزارة الصحة

أصيب مجموعة من المرضى المغاربة المصابين بقصور الغدة الدرقية بالذعر، بعد انقطاع دواء لوفوتيروكس الذي ينتجه المختبر الألماني ميرك، ويسوقه بالمغرب مختبر كوبرفارما، من الصيدليات منذ عدة أسابيع.
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، دق العديد من الأشخاص ناقوس الخطر بتوجيه أصابع الاتهام الى وزارة الصحة التي ظلت صامتة حول هذا الوضع الكارثي وبدون أي بديل لهذا العلاج.
على غرار الموزع المحلي، أوعز مكتب أنس الدكالي انعدام الدواء الى الطلب العالمي المتزايد على هذا الدواء. وأضاف أن "هذه المادة الحيوية المستوردة والتي لا تتوفر على بديل علاجي حاليا، عرفت انقطاعا مرحليا في المخزون، حيث توصلت مديرية الادوية والصيدلة التابعة لوزارة الصحة بإشعار انذاري من طرف المؤسسة الصيدلانية المسوقة لهذا الدواء مفاده أن بعض جرعات الدواء تعرف صعوبات في التموين على الصعيد العالمي نظرا لارتفاع الطلب عليها خلال هذه السنة".
وفي بيانه المقتضب لا يدلي مكتب أنس الدكالي بأية معلومات حول كمية الدواء المتوفرة ولا حول مدى تغطيتهم للطلب المستعجل. بل يقتصر على تحديد أن الوزارة " بادرت منذ اللحظات الأولى الى التنسيق مع المؤسسة الصيدلانية المسوقة لهذا الدواء قصد احتواء هذه الحالة العابرة، وذلك بتسيير المخزون الاحتياطي لباقي الجرعات من نفس الدواء".
صعوبات في تموين المخزون الاحتياطي الوطني
ليست حالة دواء لوفوتيروكس الوحيدة المسجلة، اذ أن عدم توفر الأدوية بالمغرب يتراوح في الواقع بين 15 % في المستشفيات المحلية و32%في المراكز الطبية الجامعية، حسب دراسة حديثة حول توفر الأدوية في القطاع العام. ويطالب محترفوا القطاع، الوزارة الوصية الى تفعيل شرط توفر مخزون يكفي مدة ثلاثة اشهر الذي من المفروض تحقيقه من قبل مصنعي قطاع الدواء، حسب
مرسوم لوزارة الصحة بتاريخ 2002 .
وهنا يتبادر سؤال حول دواء لوفوتيروكس، لم تتطرق اليه وزارة الصحة وهو تساؤل حول استبدال تركيبة الدواء التي لجأ اليها مختبر ميرك، وهو ما خلق جدلا كبيرا ومتابعات قانونية بالخارج.
ان تركيبة دواء لوفوتيروكس، المعالج لقصور الغدة الدرقية والمصنع من لدن المختبر الألماني ميرك، تم استبدالها بفرنسا في مارس 2007. والحال أن دراسة تم نشرها في أبريل الماضي، شككت في الاختبار الذي سمح بإثبات امكانية استبدال التركيبة القديمة بالتركيبة الجديدة من الدواء، وهو ما شكل موضوع عدة متابعات قانونية.
أن الالاف من الاشخاص الذين تم علاجهم بهذا الدواء بفرنسا، اشتكوا من أعراض ثانوية وفي بعض الأحيان خطيرة بعد استعمالهم للتركيبة الجديدة (عياء وصداع رأس وأرق ودوار وألم بالمفاصل والعضلات وكذا تساقط الشعر...). وابتداء من يوليوز وغشت 2017، بدأ ما يقارب 31.000 مريض فرنسي، حسب الأرقام الرسمية، بالإبلاغ عن الأعراض الجانبية للدواء.
ويشير كاتبوا الدراسة الفرنسية - البريطانية التي تم نشرها في مجلة "كلينيكال فرماكوكينتيك"، أن ميرك، منتج لوفوتيروكس، واجه قوانين أوروبية تستلزم استعمال اختبار يعتمد على حساب معدل التكافؤ الحيوي للدواء.
غير أن تحليل المعطيات يوضح أن "أكثر من 50 % من المتطوعين، بصحة جيدة، الذين شاركوا في هذه الدراسة، كان متوسط التكافؤ الحيوي لديهم خارج نطاق معدله".
وهذا يعني أن الدراسة أبانت عن وجود المادة الحيوية بالجسم وكان تركيزها في الدم وسرعة انتشارها وتركيزها مختلفا، بشكل ملموس، بين التركيبة الجديدة والقديمة، لدى أكثر من نصف المشاركين.
ويضيف هؤلاء" نحن نتساءل حول قدرة هذا الاختبار وقابلية استبدال المريض، للتركيبة القديمة بالجديدة من لوفوتيروكسين".
وتابع أصحاب الدراسة أن التركيبة الجديدة للوفوتيروكس، تحتوي على المانيتول، وهو مادة يمكن أن تكون سبب تباين قابلية امتصاص الدواء وبالتالي تفاوت تفاعل المتطوعين مع الدواء قيد الاختبار. ولقد أعلن ميرك، أن هذا الاختبار يقوم بتحليل التغيرات الفردية للمرضى، "وهو ما لا يتوافق مع الطرق المرجعية المفروضة من السلطات الصحية والتي تنص عليها 23 سلطة صحية".
وكرد فعل، أضاف ميرك، " أن الهدف من الدراسات الحيوية المتكافئة ليس تقييم قابلية تحمل الدواء ولكن اتباث أن التركيبتين تتفاعلان بشكل متطابق في الجسم".
أما فيما يتعلق بشكايات المتضررين، فقد أعلنت المجموعة عن "ثلاث دراسات حول قابلية تحمل الدواء والتي حللت بالتفصيل الالاف من الأعراض الجانبية النوعية والناتجة عن التركيبة الجديدة".
أما الملاحظات حول المانيتول، فان ميرك نعتها ب"فرضيات يمكن ضحدها علميا".
ميرك تعطي الأولية لتموين الطلب الفرنسي
وهكذا رفضت محكمة فرنسية في مارس، طلب 4113 متضرر من الدواء، الذين تابعوا ميرك عبر مقاضاة جماعية بسبب "عدم توفر المعلومات الكافية حول الدواء" بعد تغيير تركيبته. وقام 3000 شخص منهم باستئناف المقاضاة من بين قضايا أخرى قيد النظر فيها بالمحاكم الفرنسية.
وفي غضون ذلك، وبطلب من الوكالة الوطنية الفرنسية لسلامة الأدوية قام مختبر ميرك بتسويق الدواء بتركيبته القديمة في بداية 2019 .
"سنتابع توفير تركيبة الدواء القديمة للوفوتيروكس، على مدى سنة 2019"، حسب تصريح في نونبر2018، لفاليري ليتو، الصيدلانية المسؤولة عن ميرك بفرنسا.
أن علب الدواء القديمة من تركيبة لوفوتيروكس تحت المسمى "لوفوتيروكسين"، يتم استيرادها من ألمانيا الى فرنسا لأن ميرك، لا يتوفر على حق تسويقه بفرنسا بل على حق استيراد التركيبة القديمة فقط.
أنس الدكالي لا يبوح بالأهم....
وخارج فرنسا، كان من المفروض أن تعوض التركيبة القديمة منذ بداية 2019. وهكذا كان مختبر ميرك قد أعلن، في يوليوز 2018، نيته تسويق الدواء الجديد الى 21 دولة من الاتحاد الأوروبي انطلاقا من 2019، بعد تقرير إيجابي من المؤسسات المعنية.
أما في المغرب، فإن الوزارة الوصية لم تدل بأي تصريحات حول الموضوع. إذ لم تفسر أصل شح تموين الدواء الذي كان من استباقه أخذا بعين الاعتبار الوضع بأوروبا. ولم تبد الأسباب الحقيقية وراء انقطاع دواء انتهى عمره الافتراضي، كما لم تمنح المرضى المغاربة أي بديل.
وفي بيانها المقتضب، لا تدلي الوزارة بأي معلومات حول كميات الدواء المتوفرة، ولا حول مدى كفايتها لتغطية الطلب الاستعجالي عليها. كما لم يذكر بأي تركيبة، الجديدة أم القديمة، سيتم تزويد الصيدليات بها؟ وهل حصل ميرك على تصريح بتسويق التركيبة الجديدة؟ وإن كان المختبر قد حصل على هذا التصريح، ففي أية ظروف وبأي شروط؟... أسئلة عدة لم يجب عليها بيان وزارة الصحة...