بعد « سهام »، سعد بنديدي يعود إلى جناته الضريبية.
.بنفس الدقة الملمترية التي يسيّر بها سعد بنديدي أعماله، جاء بيان مغادرته من إدارة مجموعة سهام، التي يُعَدّ مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة المساهم الرئيسي فيها
.وكانت ميديا24 أول من أشار إلى الخبر و"تأويلاته"، ليتم التأكيد بعد ذلك من طرف سهام، عبر بيان صيغ بدقة تدعو للارتياب
كما أكد سعد بنديدي نفسه في اتصال أجرته معه تيلكيل بأن "المواد التي نُشرت [من طرف ميديا24] صحيحة واحدة واحدة" من دون إعطاء أية تفاصيل "بحجة سفره إلى الخارج
بعد إقالته المدوية سنة 2008 من الهولدينغ الملكي "أونا" (التي أدرجت تحت SNI منذ ذاك الحين)، انضم المدير المُقال إلى مجموعة سهام للتأمين في نهاية 2013 بطلب من العلمي عندما تم تعيين هذا الأخير وزيرا. آنذاك أكدت ميديا24 بحماس على "جديته" وأنه "ولد الناس".
كان عليه البقاء على رأس سهام خلال فترة إدارته.. "كعقد محدود الأمد" كما قال موقع تيلكيل، و"مُستخدم مؤقت" كما قالت ميديا24 مذكرة بالمصطلح المستعمل في بيان سهام حين تعيينه.
"لقد كان مولاي حفيظ العلمي ملتزما للغاية بنشاطات المجموعة، وقبل مغادرته لمنصبه كان عليه أن يجد شخصا بنفس العيار والثقل لكي يستلم زمام القيادة ولمتابعة استراتيجية النمو والتوسع التي تسير عليها سهام. شخصية بهذه المقومات لا تملأ جنبات الشوارع" حسب ما أشار إليه مصدر داخلي آنذاك لمجلة جون أفريك التي رسمت له صورة جذابة. في حين ذكرت لو360 عن مصادر أخرى بأن مدير أكبر مجموعة مالية مغربية قد أنيطت به مهمة "تأطير ابن العلمي" لكي يكون جاهزا لخلافة والده على رأس مجموعة العائلة.
هذه الفرضية يؤكدها السياق الآتي : كان أحمد مهدي التازي قد غادر منصبه مديرا ورئيسا تنفيذيا لسهام للتأمين في بداية العام. وفي الثاني من يناير أبلغت هذه الأخيرة عن تعديل ضريبي بقيمة 130 مليون درهم يتعلق بالفترة ما بين 2012 و2015 حيث تأثرت نتائج الشركة. في خضم كل هذا قام مجلس الإدارة بتعيين نادية فتاح علوي رئيسة لمجلس الإدارة، بينما تم تعيين مولاي امحمد العلمي، نجل مولاي حفيظ العلمي مؤسس مجموعة سهام، في منصب المدير العام.
h
التجاذبات التي عرفتها عملية تشكيل الحكومة الجديدة فيما صار يعرف بالبلوكاج الحكومي منذ خريف 2016 جعلت بنديدي يستمر على مضض رغم رغبته في الرحيل حسب مصادر من محيطه. وكان عليه الانتظار بعض الوقت بعد إعادة مولاي حفيظ العلمي إلى وزارة الصناعة.
في بيانها، عبرت مجموعة سهام عن امتنانها لبنديدي "لمساهمته في إشعاع المجموعة وتوطيد موقعها كرائد أفريقي في مجال الخدمات الأساسية للفرد". "وقد أسهم في ترسيخ القيم القوية للمجموعة، ألا وهي الروح الاستثمارية، الاستقامة والتميز"، يضيف نفس المصدر.
وأعلنت ميديا24 نقلا عن "مقربين" من بنديدي أنه سيستأنف نشاطاته أساسا ضمن "ميديتيرانيا كابيتال بارتنرز" (MCP)، وهو هيكل اقليمي بأسهم خاصة، سيغلق صفقة صندوقه الاستثماري الثالث (MC III) بقيمة تتراوح بين 250 و 300مليون أورو قبل نهاية 2017. بالنسبة للصندوقين الأولين فقد تم استثمارهما من قبل بشكل كامل بمجموع 182 مليون أورو. نشاطات MCP الحالية تتوزع بين ثلاث دول مغاربية هي المغرب والجزائر وتونس، وتشمل عدة شركات في نطاق واسع من المجالات : ماليا (كاش بلوس)، صيدليا (بيوفارم)، تعليميا (الجامعة الخاصة بمراكش)، في مجال المبيعات (بي إس إنفيست)، النقل واللوجيستيك (سان خوسي ولوبيز) ومجال التكنولوجيات الحديثة (مجموعة ميدتيك) إلخ.. مثلما نرى على كتيّباته.
سعد بنديدي زبون HSBC رقم 5091323784
رغم ذلك فإن بنديدي "لديه سمعة بأنه مجازف كبير" حسب ما صرح به أحد معاونيه السابقين في أونا لمجلة جون أفريك. بعد فترته ضمن الهولدينغ الملكي، قام باستثمار أمواله الخاصة ضمن MCP : خطوة فيها مجازفة كبيرة لكن تبين أنها مفيدة على أكثر من صعيد.
"في 2008 تمت دعوتي للانضمام إلى اللجنة الاستراتيجية لميديتيرانيا بارتنرز وبعد ذلك بقليل تم تعييني عضوا في مجلس إدارة شركتين قابضتين، واستثمرت مالي الخاص وأصبحت بذلك شريكا في هذه المؤسسة العظيمة. أنا فخور جدا بانتمائي لكيان بهذا القدر من الموهبة والاجتهاد. ملحمة ستخلد منقوشة في ذاكرتي إلى الأبد"، يصرح بنديدي بكل افتخار في عمود سيرته الذاتية ضمن موقع المؤسسة.
هل كانت لديه آنذاك أموال في الخارج مكنته من الاستثمار الشخصي على المستوى العالمي؟ وفقا لتسريبات سويسرا (سويس ليكس) التي اطلع عليها لوديسك باعتباره شريكا للاتحاد العالمي للصحفيين المحققين (ICIJ)، فإن بنديدي كان على الأقل إلى حدود نهاية عام 2007 الزبون رقم 5091323784 لدى البنك السويسري HSBC بجنيف.
إلى جانب العائلة الملكية، يظهر 170 مغربيا معظمهم من عالم المال والأعمال في ملفات HSBC بمبلغ إجمالي يقدر بـ451 مليون دولار حسب ما نشرته لوموند في 2015 اعتمادا على ملفات سويس ليكس. هذه الأخيرة التي تظهر وجود أسماء مشهورة ضمنها سيرج بيردوغو، أحد وزراء السياحة السابقين الذي يشغل حاليا منصب السفير المتنقل للمملكة ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب. وأيضا فؤاد الفيلالي، صهر الحسن الثاني السابق والمدير السابق لأونا، بينما لم يرد ذكر اسم سعد بنديدي..
ومع ذلك، تظهر الوثائق فتح حسابين باسمه في يوليوز وغشت من سنة 2001 وقد أغلقت مراسلتاهما البنكية مما يدل على سرية كبيرة. الأول يظهر رصيدا بـ345019 أورو بين خريف 2006 و31 مارس2007، وهي فترة ضمن نطاق التسريب.
من حيث المبدأ، يمنع قانونيا على المغاربة المقيمين بالمغرب امتلاك حسابات بنكية في الخارج، فهل تم تحويل هذه المبالغ بشفافية تامة أمام السلطات النقدية المغربية، وبموافقة رسمية من مكتب الصرف كما تقتضيه القوانين السارية في المغرب؟
تجدر الإشارة إلى أن مكتب الصرف، المكلف بتقنين تداول العملات، كان قد أطلق في 2015 حملة عفو واسعة مقابل إعادة الأرصدة المغربية المودعة بالخارج، مما انتهى بتوطين أرصدة بلغ مجموع قيمتها 2.2 مليار أورو.
وعند سؤاله من طرف لوديسك عن الموضوع، أجاب بنديدي : "حساب في سويسرا؟ لا، لا، غير صحيح..". ومع ذلك ورغم هذا النفي، فإن بطاقة العميل التي أنشأها البنك السويسري والتي حصل لوديسك على نسخة منها، تظهر تفاصيل هويته وتاريخ ومكان ازدياه، جنسيته، مهنته (آنذاك) مديرا عاما لشركة فاينانس كوم، عناوينه البريدية بالمغرب، أرقامه الهاتفية الشخصية والمهنية وهوية IBAN الخاصة بحساباته.
أما الحساب الثاني، حسب حواشي HSBC، فهو مشترك بين زبونين آخرين للبنك، وهما مايكل نصار، المُعَرّف بأنه رئيس "إينرجي ألايت إنترناشنال"، مقيم في دبي، وأبو إسماعيل نزار صالح المقيم في الإسكندرية بمصر.
على هامش بطاقة بنديدي، أشار HSBC إلى أن مايكل نصار كان قد وقع عقدا مع شركة بيتروكيمياء في القاهرة وأنه كان شريكا لشركة Petro SA في جنوب أفريقيا. ويضيف البنك بأن الحساب المشترك بين بنديدي ونصار وصالح كان سيتلقى أموالا طائلة وأن طلبا أتى إلى هذا الحساب بسحب تحويلات منتظمة بقيمة 10 ألف دولار نحو ريجنس بانك، وهو بنك أمريكي يتواجد في هيوستن تكساس لصالح نصار. وقد رفض HSBC الأمر بسبب نقص الرصيد في الحساب المشترك، لأن الأموال الموعودة لم تصل بعد.
على الرغم من كل هذه التفاصيل، يصر بنديدي على التأكيد بأنه لا يعرف هؤلاء الأشخاص ولا تجمعه بهم أية علاقات بنكية.
الملاذ المالطي لبنديدي وشركائه
بالنسبة لمشروع ميديتيرانيا كابيتال بارتنرز MCP، فإنه ناشئ عن المجموعة المالية الكتلانية "ريفا وغارسيا" التي يعد بنديدي أحد شركائها. راعيها الرئيسي هو ألبرت ألسينا، خبير اقتصادي من جامعة برشلونة الذي –على غرار بنديدي- راكم خبرة مميزة في مجالات التمويل والصناعة لاسيما في قطاع الاتصالات. ورغم أن البنك يتخذ من برشلونة مقرا رئيسا له، فإن الصندوق الاستثماري قد أسس مكاتب في الدارالبيضاء، الجزائر، أبيدجان، القاهرة وتونس. وهو مدرج في فاليتا عاصمة الجمهورية المالطية حيث تتركز نشاطاته السوقية.
"ريفا وغارسيا هي مؤسسة بنكية عائلية مئوية مع اشرافها على ادارة وتسيير صندوق استثماري بقيمة 62 مليون أورو سنة 2006 في إطار فلسفة اتفاقيات برشلونة، وبذلك تحفيز المبادلات مع جنوب المتوسط، مما يفسر هيمنة المستثمرين الإسبان إلى جانب بعض الكيانات المتعددة الجنسيات، وقد تم استثمار هذا الصندوق بشكل كامل"، يضيف سعد بنديدي.
بعد ذلك طُرحت قضية الصندوق الاستثماري الثاني، يسترسل مضيفا. "لقد كنت شخصيا مستشارا للصندوق الأول ابتداء من 2009 بهدف توسيع قاعدة المساهمين، علما بأنه في تلك الفترة كان المستثمرون في ريفا وغارسيا يعانون من تبعات الأزمة الاقتصادية". يواصل قائلا، كان هناك سؤالان أساسيان مطروحان : الصندوق الأول على شكل صندوق استثماري مشترك ملائم لرؤية الإسبان، لكنه لم يرُق لمجموعة المستثمرين، إذ حسب أقواله : وقع تحول في رؤية الأنشطة الخاصة التي كان مقررا أن تدار من طرف جهات مستقلة عن جميع الأطراف الأخرى التي لديها نشاطات خارجية.. أو ما يعرف بمبدأ جدار الصين.
"هذا ما حصل هنا مع كابيتال إنفيست، وهو توجّه عام : شركة تسيير صندوق استثماري على شكل أسهم خاصة يجب أن تبذل نفسها لذلك بنسبة 100 %. هذا سيجنبها تضارب المصالح ولن يجعلها مركزة حصرا على عملاء بنكيين.. إلخ.."، يدقق بنديدي، الذي يشدد على أن "هذه القاعدة لم تعد ملموسة".
يقول : "لقد تقرر إنشاء قسم مشابه للموجود ضمن ريفا وغارسيا الذي يسيره ألبيرت أسينا، وآنذاك انضممت للفريق".
بقيت مسألة تحديد الموقع، "لقد أردنا أن نكون ضمن منطقة الأورو وفي إطار AIFMD (القانون البديل لمسيري صناديق الاستثمار) وأن نكون تحت لواء القوانين التنظيمية الأوروبية، مما سيسمح لنا بالعمل مع المستثمرين المؤهلين ضمن منطقة الأورو من دون أية قيود. لذلك كان الاختيار محصورا بين لكسمبورغ ومالطا. وقد وقع الاختيار على مالطا بسبب التكلفة العالية التي يفرضها الاستقرار في لكسمبورغ إضافة إلى قرب مالطا جغرافيا من الهدف الاستثماري الذي هو منطقة المغرب العربي"، يبرر بنديدي، مضيفا : "انطلاقا من هذا المنظور تم إحداث شركة التسيير MCP المحدودة المسجلة في مالطا والمقننة من طرف هيئة الخدمات المالية المالطية MFSA".
وقد مُنِح الصندوق الثاني لميديتيرانيا كابيتال 120مليون أورو، 70 % منها من طرف مؤسسات مالية تنموية والباقي من طرف مستثمرين تجاريين من أوروبا، أمريكا الشمالية وجنوب أفريقيا (BEIBERD, SFI, DEG). بالنسبة للصندوق الثالث فقد تم تسجيله في جزر الموريس ولكنه مسيّر من مالطا. "الهدف من جعله في جزر الموريس هو أننا أردنا جلب مستثمرين قاريين، خصوصا البنك الأفريقي للتنمية. هناك قانون أساسي يحول دون نشاطهم خارج القارة. لذلك كان يجب إيجاد صيغة تمكن المستثمرين الدوليين من الاستمرار وتمكن الجدد من الامتثال لهذا الشرط"، يوضح بنديدي.
صندوق ميديتيرانيا كابيتال الثالث لديه امتداد جغرافي في مصر ودول أفريقيا جنوب الصحراء الفرونكوفونية. "لقد تم تحديد عدة صفقات من قبل وبناء على ذلك تم افتتاح مكاتب في القاهرة وأبيدجان"، يوضح بنديدي. "الهدف هو 250 مليون أورو، لكن في حالة الاكتتاب الزائد فإن هناك تصورا لجعله يتجاوز حاجز الـ300 مليون"، يضيف مؤكدا وبكل ثقة.
وبالتالي فبالنسبة لبنديدي جاء اختيار مالطا لأسباب تسييرية وفي إطار مقنن وشفاف. رأي لا يشاطره الجميع مع بنديدي : يعتقد الاتحاد الأوروبي أن مالطا لم تنجح في ضمان الشفافية اللازمة لمحاربة النشاطات السرية للمستثمرين فيها، كما تؤكد على ذلك جريدة تايمز أوف مالطا.
ميديابار وشركاؤها من شبكة وسائل الإعلام التحقيقية الأوروبية (EIC) التي كان لوديسك شريكا فيها ضمن الشق المتعلق بالمغرب، كانت قد نشرت في ماي الماضي ملفات مالطا. فلمدة أربعة أشهر قام 49 صحفيا تابعين لـ13 وسيلة إعلام بالتحقيق حول الشركات الخارجية في الجزيرة، بين التحسين والتهرب الضريبي وأيضا الفساد وتبييض الأموال. (وقد كشف لوديسك بهذه المناسبة أن جيل بيردوغو، نجل سيرج بيردوغو - الذي سبق أن ظهر اسمه في تسريبات بنما - قد تلقى عمولات كبيرة من طرف شركة Sicpa السويسرية التي خلقت جدلا سنوات في المغرب حول نظامها للتتبع الضريبي. لم يتم فتح أي تحقيق منذ ذلك الحين من طرف السلطات ولا من طرف العدالة المغربية رغم العمولات السرية التي بلغت 5.5 مليون أورو عبر الشبكات المالطية...)
ينقسم تسريب "ملفات مالطا" إلى مجموعتين من الوثائق. الأولى التي حصلت عليها أسبوعية دير شبيغل الألمانية، تحتوي عشرات الآلاف من الوثائق الداخلية (مراسلات، عقود، كشوف حسابات..) لمكتب ائتمان مالطي متخصص في تسجيل وإدارة الشركات. أما المجموعة الثانية التي حصل عليها موقع الأخبار الروماني ذا بلاك سي، فهي جدول بيانات إكسل يتضمن جميع بيانات السجل التجاري المالطي، أي ما مجموعه 53247 شركة إلى حدود 20 سبتمبر 2016.
رغم أن السجل التجاري المالطي متاح للعموم فإنه يظل غير شفاف ما دام أنه يستحيل القيام بالبحث داخله بالأسماء. لكن بفضل جدول ملفات مالطا استطاع صحفيو EIC تنقيح اللائحة ذات الـ77818 شخصا ومؤسسة الذين يديرون شركات مالطية أو يعتبرون شركاء فيها. ناهيك عن أولئك الذين يختبئون خلف أسماء مستعارة..
هناك نجد : مدراء شركات كبرى وشركات متعددة الجنسيات (Bouygues, Total, BASF, Ikea…) وأبناكا (Reyl, JP Morgan)، ممثل مشهور، مؤسسي إحدى كبرى دور الفخامة، عائلة رئيس دولة مهم، عصابات مافيا، ابنة الرئيس الأنغولي إيزابيلا دوس سانتوس والشركة البترولية لأذربيجان. دون نسيان الحشد الكبير من المجهولين، من راقصات التانغو إلى أصحاب المقاولات الصغرى والمتوسطة مرورا بمربي الخيول والاستشاريين.
ملف "المغرب" الذي اطلع عليه لوديسك يتضمن 156 علامة تحيل على 36 اسما لأشخاص معروفين جدا أو غير معروفين للعموم. بطبيعة الحال ليسوا كلهم محتالين فبعضهم ضمن اللائحة لأنهم يعيشون في مالطا. والبعض يقومون بأعمال أو يحسنون وضعهم الضريبي بشكل قانوني، كما يدّعي سعد بنديدي وشركاؤه في ميديتيرانيا كابيتال بارتنرز.
مباشرة عند أول تلميح من لوديسك إلى هذا الملف، حتى يردف بنديد رافضا اسم "ملفات مالطا" متأسفا كيف أن العمل الصحفي أصبح فيه "التعميم حجة ومعلومة".
توضيح بنديدي الغرض منه تبخيس حقيقة أنه المغربي الأكثر ذكرا في ملفات مالطا كونه شريكا وإداريا وممثلا قانونيا للصناديق الاستثمارية التي تسيرها MCP. إذ يظهر اسمه إلى جانب حاتم بن احمد عضو الفريق الاستثماري في MCP. هذا الفرنسي المغربي الذي عمل سابقا في مكتب الاستشارات أرثر أندرسون في باريس، مسجل على أنه قاطن بالدار البيضاء.
إذا كانت مالطا جذابة بهذا القدر للمستثمرين الماليين، فإن ذلك راجع إلى أن هذا البلد الأوروبي يعتمد نسبة الضريبة على أرباح الشركات الأقل في أوروبا. النسبة الرسمية هي 35 % أكثر من الـ33.3 % المعتمدة في فرنسا. لكن عندما تقوم شركة مملوكة للأجانب بتوزيع الأرباح على مساهميها فإنها تسترجع 85 % من قيمة الضريبة المدفوعة ! مما يحيل إلى ضريبة على أرباح الشركات تصل إلى 5 % بالنسبة للشركات الخارجية وبفرق شاسع عن بلغاريا (10 %) وأيرلندا (12 %).
بالتالي تكاثرت الشركات المجهرية التي غرضها الوحيد هو جمع الأموال. وأصبحت الجزيرة ملاذا وملجأ للأبناك ولـ581 صندوقا استثماريا تُعادل أصولها نسبة 789 % من الناتج الداخلي الخام لمالطا.
ضمن ملفات مالطا، نجد بنديدي أيضا إلى جانب "غيثة لحلو" المساهمة في سهام والمستشارة الخاصة لمولاي حفيظ العلمي المكلفة بالأعمال الخارجية والصحة والتعليم، بصفتهما مستشارين لـ"إكليبس هولدينغس" وهي شركة مقرها في مالطا.
"لقد قامت سهام باقتناء إكليبس هولدينغس ضمن الصندوق الاستثماري أبراج"، يوضح بنديدي شارحا طرحه ومؤكدا أن : "صندوق أبراج كان يسير منظمة مراكز الاتصال المصرية ECCO التي قامت سهام بتوسيعها. هذه البنية كانت معتمِدة على شركة قابضة هي إكليبس مصر التي بدورها تعتمد على إكليبس مالطا. لذا عندما تعلق الأمر بالبيع فإن الشراء تم ضمن احترام هذه البنية الهرمية. لم نستطع فعل شيء آخر.. وهكذا فإن ECCO تتقوى في حسابات كل ما يتعلق بالخدمات الخارجية". في مارس 2015 الذي هو تاريخ الصفقة، لم تعلن سهام إلا عن حصولها على المساهمة الأكبر في ECCO عبر خدمات سهام، "طريقة إنجاز هذه العملية لم يتم إعلان تفاصيلها للعموم" كما تلخص جون أفريك.
بنديدي، مساهم في هاوورث من بنما
بعد خروجه من سهام، كان على بنديدي أن يكرس نفسه لتطوير شركة هاوورث المتخصصة في الأثاث المكتبي، لدخول هذا السوق الذي يشهد تنافسية حادة. حصل بنديدي على مساعدة من طرف البنك المغربي للتجارة الخارجية المملوك لعثمان بنجلون الذي عمل لديه بنديدي سنوات طويلة.
بالتالي عاد بنديدي في 2008 إلى ميدان الأعمال هذا بشرائه لـHWM Maroc الذي يمثل العملاق الأمريكي هاوورث في المغرب. و قد تمت العملية في شهر أبريل من تلك السنة عبر "جاسيا القابضة" وهي مؤسسة قانونية مغربية أنشأها بنديدي بالمناسبة. بفضل علاقاته داخل مجموعة "فاينانس كوم" المملوكة لعثمان بنجلون، والتي كان بنديدي نائب رئيسها إلى غاية 2005 سنة التحاقه بمجموعة أونا، فقد فاز بصفقة تجديد أثاث مقر البنك المغربي للتجارة الخارجية.
لكن بنديدي لم يبق مساهما مباشرة في جاسيا القابضة لمدة طويلة. فقد حوّل مند يونيو 2008 جميع أسهمه إلى شركة بابكوك القابضة، مقرها في بنما وهي هيكل صغير برأسمال يبلغ 10000 دولار أسسه مكتب "ألمان كورديرو غاليندو ولي" وهو كيان كان قد أنشأ عدة شركات وهمية لحساب مغاربة، مثل "غلاديس فايننس" لصاحبها ميلود الشعبي مؤسس ينا القابضة.
حسب الإعلان القانوني الذي يظهر تفاصيل نقل الأسهم الذي جرى بين سعد بنديدي وبابكوك القابضة، فقد أصبح هذا الأخير هو ممثل الشركة البنمية في المغرب، عند اتصال لوديسك بالمدير العام لهاوورث المغرب، جاكوب واكنين، أكد هذا الأخير بأن سعد بنديدي ما يزال رئيس شركة التأثيث ومساهمها الرئيسي عبر جاسيا القابضة، وهو ما لا ينكره المعني بالأمر : "إنها وضعية تمت تسويتها منذ ذلك الحين، لقد كان الهدف المنشود هو إدخال مساهمين دوليين آخرين للاستثمار في مشروع أكبر. والآن بعد صرف النظر عن ذلك فإن المشروع مُنصَبٌّ كليا على هاوورث، ولم تبق هناك أية رؤية تصنيعية"، يؤكد بنديدي دون إعطاء تفاصيل أكثر.
القضية الغريبة لجيرسون غلوبال مع لادجيد
سعد بنديدي ليس مجرد بطل في تطريز التهرب الضريبي وتجميله على أنه تحسين ضريبي، فقد كان في الماضي على علاقة باللوبي المغربي في الولايات المتحدة. كما أن تحقيقا أجراه لوديسك سابقا عن نشاط الصحفي-عضو اللوبي أحمد الشرعي مراسل المخابرات السرية المغربية، قد أظهر بناء على الإيميلات والوثائق التي نشرها المدعو "كريس كولمان" صاحب ما يعرف بماروك ليكس، بأن اسم الشرعي قد ورد على هامش حالة تزوير إيميلات موجهة إلى لادجيد في الفترة ما بين 2011 و2012. هذا يشمل ربيع المنصوري الذي كان آنذاك في مكتب جيرسون غلوبال أدفايزرس (GGA) الذي استعانت به الرباط للوقوف في وجه موجة الربيع العربي والترويج لصورة المغرب في الولايات المتحدة. GGA هو مكتب استشاري تأسس عاما قبل ذلك من طرف رجل الأعمال روس جيرسون الذي كان يوجّه فريق المرشح جون ماكين خلال سباق الانتخابات الأمريكية سنة 2008.
كان مكتب GGA قد وقع عقدا بـ2.5 مليون دولار في مارس 2011 مع يوسف إيماني المدير العام للوكالة المغربية للتعاون الدولي (AMCI) وهي كيان تابع لوزارة الشؤون الخارجية مكلفة بملفات التعاون جنوب-جنوب. حسب شروط العقد المودع لدى وزارة العدل الأمريكية فإن مهمة GGA كانت هي "الترويج للأهداف السياسية والاقتصادية للمغرب" في الولايات المتحدة.
إلى جانب روس جيرسون، كان ربيع المنصوري الشريك في تأسيس GGA سنة 2010، مكلفا بالملف المغربي ضمن المكتب الاستشاري. وقليل من المعلومات متاحة للعموم عن هذا الشخص. وحسب المنبر الإعلامي المتخصص مغرب كوفيدونسييل فإن ربيع المنصوري أمريكي من أصول مغربية قدم استشارات لصالح عدة شركات متعددة الجنسيات في شمال أفريقيا خصوصا في ليبيا، وفي الخليج أيضا. هذا ما يؤكده بنديدي اليوم : "ربيع المنصوري؟ هو شاب مغربي أمريكي يعيش في الولايات المتحدة وهو موهوب جدا في إنشاء الصفقات".. بطاقة بياناته المودعة ضمن سجل اللوبيّات لوزارة العدل الأمريكية تظهر بأنه ولد سنة 1981 وحصل على الجنسية الأمريكية سنة 2006.
حسب رسالة تعود إلى فبراير 2012 مبعوثة من طرف روس جيرسون إلى ياسين المنصوري مدير الاستخبارات الخارجية، وهي رسالة كشف عنها "كريس كولمان"، فإن جيرسون رئيس GGA أخبر مدير لادجيد بأن المكتب قد قطع للتو علاقة تعاونه مع ثلاثة أشخاص : ربيع المنصوري، ستيفن نوريس الشريك المؤسس لكارلايل، و... سعد بنديدي.
حسب هذه الرسالة فإن روس جيرسون يتهم المعنيين بمحاولة "السيطرة على مكتب GGA أو حتى تدميره والقضاء عليه مما لم يترك لنا أي بدائل سوى إنهاء علاقتهم مع GGA". وأضاف بأنه يملك دلائل تثبت أن ربيع المنصوري فبرك/أو عدّل على إيميلات قادمة من أطراف ثالثة. "لقد أصبحنا قلقين بشكل متزايد بأن أي شخص بلغت به الجرأة حد فبركة/تعديل رسائل إلكترونية موجهة إليك، السيد المنصوري، قد يستطيع أيضا أن يرتكب أعمالا أخرى غير قانونية ولا أخلاقية، وهو قلق في محله كما تثبت الوقائع"، يشرح روس جيرسون في رسالته. "هناك مثلا أدلة دامغة على أن ربيع قد زور حقائق حول وضعية شخصية لدى سيناتور أمريكي سابق للحصول على تمديد لتأشيرة مواطن مغربي".
وقد حاول لوديسك عدة مرات الاتصال بروس جيرسون ومساعدته إيريكا آينفيلت المكلفة بإرسال فواتير GGA. لكن مكالماتنا وإيميلاتنا بقيت بلا جواب : قد تم حل الشركة منذ ذلك الحين. وسِجل اللوبيّات الذي تحتفظ به وزارة العدل الأمريكية يؤكد أن ربيع المنصوري وستيفن نوريس قد غادرا فعلا منصبيهما في GGA منذ يناير 2012.
سعد بنديدي من جهته لم يكن مسجلا على أنه لوبيّ لصالح GGA. لكنه مُقدَّم على أنه "شريك رئاسة إيلوي بارتنرز" في مذكرة صدرت في 2011 عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل بمناسة إطلاق Stroc Industries في البورصة. ومع ذلك حسب السجل التجاري لولاية نيويورك فإن شركة إيلوي بارتنرز سُجِلت في ماي 2011 في الملاذ الضريبي ديلاوير وعنوانها في مقر جيرسون غلوبال في نيويورك وروس جيرسون كشخص مرجعي للتواصل. تسريبات ماروك ليكس تظهر فاتورة لإيلوي بارترز يفترض أنها صدرت يوم 4 ماي 2011 من عنوان في لندن لأجل خدمات علاقات عامة لصالح المغرب بمبلغ 64000 جنيه استرليني. لم يستطع لوديسك التحقق من مصداقية هذه الوثيقة لذلك قررنا عدم نشرها.
"جيرسون غلوبال لم تعد موجودة. لقد كانت موجودة مدة شهرين فقط" يشرح بنديدي أنه منذ أن تم حل مكتب جيرسون فإن هذا الأخير قد أفلس تماما، "لقد مارس كثيرا من العبث يمنة ويسرة مما سبب له عددا من المشاكل الشخصية والمالية"، يضيف بنديدي.
"إيلوي بارتنرز؟ لا أعرف. لم يسبق لي سماع هذا الاسم من قبل" يتابع باندهاش واضح قبل أن يستدرك : "ربما هذه المؤسسة على علاقة بالسلطة العامة الممنوحة لجيرسون. على كل حال فإن المشروع مات في المهد بسبب اختلاف وجهات نظر الأشخاص ولهذا تم حله".
"لقد كانت الفكرة الأصلية هي تشكيل بنك أعمال للعمل في الشرق الأوسط والمغرب العربي والولايات المتحدة، لكن القضايا الشخصية سرعان ما أدت إلى تراجع المشروع" يكرر بنديدي الذي يرفض بشكل تام أنه كان معنيا من قريب أو من بعيد بدوائر اللوبيات المغربية أو أية علاقة بالمخابرات السرية في الفترة التي كانت فيها حركة 20 فبراير تحرك شوارع المدن.
وعند ذكر شركة إيلوي بارتنرز التي تُعرّفها الهيئة المغربية لسوق الرساميل أنه شريك في تأسيسها، يرد بنديدي باستغراب : "ماذا؟ أنا لا أعرف من أين تأتي هذه الأخبار ! لقد كنت مديرا مستقلا لـStroc، نعم إلى غاية أكتوبر 2013، لكن بالنسبة للباقي لا أستطيع أن أقول شيئا لأنني لا أعرف !".
اقرأ أيضا عن الأساليب الملتوية التي ينتهجها أصحاب المشاريع المرموقين في المغرب ضمن خططهم للتهرب الضريبي أو الاستثمار التفضيلي تحت مظلة صناديق الاستثمار الأجنبية : : "لوكس ليكس"، لماذا تتعلق هذه الفضيحة أيضا بالمغرب.
إخلاء ذمة : بعض المعطيات الواردة في هذا المقال تم أخدها من تحقيقاتنا السابقة التي من ضمنها تلك المتعلقة بتسريبات بنما بشراكة مع الاتحاد العالمي للصحفيين المحققين(ICIJ). التحقيق حول ملفات مالطا كان بتعاون مع ميديابار والشبكة الأوروبية للتعاون التحقيقي(EIC).
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.