تازناخت.. رائحة اللوز وألوان الزرابي

كل الطرق تؤدي إلى تازناخت
تقع مدينة تازناخت على بعد 270 كيلومتر شرق مدينة أكادير ويمكن الوصول إليها عبر طريق معبدة تخترق مناظر ساحرة تمر بتارودانت ثم تالوين حيث حقول الزعفران والقصبات المنتصبة عند سفوح الجبال. لكن سوس ليست المنفذ الوحيد إلى "عاصمة الزرابي" فالبلدة يمكن القدوم إليها من إقليم طاطا عبر فم زكيد التي تحدها من الجنوب أو ورزازات التي تجاورها جهة الشرق.

موقع تازناخت المفتوح على أكثر من وجهة والمنفتح على أكثر من ثقافة أعطى دورا متميزا، عبر التاريخ، لهذه البلدة التي كانت نقطة وصل بين القوافل التجارية المتجهة إلى تلوات وآيت بن حدو وتوريرت أو القادمة منها مما جعلها واحدة من أهم نقاط العبور بين سوس ودرعة ومركزا تجاريا مهما جمع أسواق الحبوب والجلود والتمور والزرابي وغيرها مما عمق الصلات الاقتصادية والثقافية بين تازناخت ومناطق مختلفة في واحات درعة وجبال تلوات وسهل سوس الخصيب.

$بغض النظر عن الجهة التي يأتي منها السائح الى تازناخت فإن البلدة تستقبله بأشجار اللوز وورودها البيضاء الزاهية المنفتحة في شهر فبراير وهو واحد من الأشهر التي ينصح به لزيارة المنطقة نظرا للمناخ المعتدل وسط النهار والذي يتيح إمكانية الجولان تحت شمس دافئة تتوسط سماء صافية مع بعض البرودة التي تتسم بها المساءات.
سوق الخميس
"سوق الخميس" وسط البلدة مازال يحتفظ ببعض من ملامح الحياة الاقتصادية التي تتحدث عنها كتب التاريخ وتظهر السلع المعروضة في السوق الأسبوعي نمط العيش التي ينتهجه سكان تازناخت المرتكز على الفلاحة التقليدية حيث يعرض السكان أنواعا من الخضراوات المحلية الخالية من أي سماد كيماوي كما يعتمدون على تربية الماشية بالأخص الضأن والمعز.

وسط البلدة تتجمع عدد من المطاعم حيث يلتصق جزار وصاحب مشواة بكل مطعم ويقبل القادمون للتسوق على لحم الماعز المشوي على الجمر عند منتصف النهار إذ يعتبر اللحم المشوي أكلة مفضلة في هذا السوق. في البلدة أيضا مطاعم عصرية تقدم لزبائنها مقترحات من قبيل "البيتزا" أو "الطاكوس" وأكلات سريعة للسياح المستعجلين والراغبين في إكمال الطريق نحو وجهة أخرى.

الرعي والفلاحة ليست عصب الحياة الاقتصادية هنا فالأرض حبلى بثروات معدنية متنوعة منها الكوبالت الذي يستخرج من منجم "بوازار" والرخام الذي يستخرج من "تمغارغرين" بجماعة زناكة. ورغم تنوع الأنشطة الاقتصادية في المنطقة إلا أن الزبية تبقى هي العنوان الأبرز لتازناخت.
فاضمة وأخواتها
تستقبل حبيبة، عضوة تعاونية القصبة للزرابي، الزوار الراغبين في زيارة مقر التعاونية بابتسامة عريضة وتضرب لهم موعدا إما عند محطة الوقود أو المركز النسوي أو أمام مجمع الصناعة التقليدية نظرا لشهرته وضخامته وسهولة العثور عليه. المجمع عبارة عن بناية كبيرة بنية اللون ورغم حداثة البناية إلا أنها تحمل ملامح العمارة القديمة تم بناؤها من طرف الوزارة الوصية على قطاع الصناعة التقليدية قصد تثمين الزربية "الواوزكيتية" المعروفة هنا والمشتهرة بخصائص الجودة التي تميزها عن باقي زرابي العالم.

تقود حبيبة الزوار إلى مقر التعاونية في قصبة تازناخت التي تبعد عن المركز مسافة كيلومترين تقريبا وقبل الوصول إلى وجهتها تتوقف في "فضاء تازناخت" وهو عبارة عن بيت ضيافة تقليدي تملكه سيدة إسمها مينة وتسيره ابنتها الطالبة فاطمة والتي تزاوج بين الدراسة في التكوين المهني وتنظيم الحجوزات واستقبال السياح. تحمل دار الضيافة على جدارها جملة كتب عليها "السياحة المنصفة" وتحتوي الدار على ثلاث غرف وحمامات بماء ساخن وصالون للضيوف ويمكن للزائر أن يتناول وجبة عشاء ويقضي ليلته ويفطر بمبلغ لا يتجاوز مئتين درهم وهو مبلغ معقول جدا إذا تمت مقارنة جودة المكان بالكلفة. في الدار أيضا ورشة لنسج الزرابي لأن مينة عضو في التعاونية التي تنتمي إليها حبيبة.

في الطريق إلى مقر التعاونية وعند سفح كدية مجاورة للقصبة ينام عشرات اليهود الأمازيغ نومتهم الأخيرة في مقبرة تحيط بها اثنان وأربعون شجرة زيتون زرعها باعلي، حارس المقبرة، وزوجته تودا التي تساعده في مهام الحراسة والرعي والزراعة. يحرس باعلي هذه المقبرة منذ 2004 تاريخ ترميمها ويقول إن المقبرة هي نقطة جذب سياحي خاصة لليهود المنحدرين من المنطقة الذين يأتون للتعرف على تاريخهم والترحم على أسلافهم "غير أن جائحة كورونا قللت من أعداد الوافدين" تعلق زوجته تودا.

يتوسط مقر تعاونية الزرابي القصبة التاريخية لتازناخت والمقر عبارة عن جزء مستقطع من البيت الكبير لأسرة أخشيف المعروفة في المنطقة. تستقبل فاضمة أخشيف، رئيسة التعاونية، زوارها بابتسامة عريضة وتعرفهم على "أخواتها" وهي الصفة التي تطلقها على النساء التسع عضوات التعاونية كما تعرفهم على المحترف وعلى طرق النسج والأدوات والمواد التي تستعمل فيه وأنواع الزرابي التي تشتهر بها المنطقة. "الزربية هي أفضل إشهار لتازناخت وهي السفيرة التي مثلثنا أحسن تمثيل في عديد من بقاع العالم".

شاركت فاضمة في معارض عدة في الجبل الأسود (مونتي نيكرو) والمملكة العربية السعودية والرباط ومراكش وفاس وغيرها وتفتخر بما حازته من جوائز وبصورة الكاتبة فاطمة المرنيسي المعلقة في مكتب الجمعية وهي تقبل معلمة الزرابي "لالة يجا" في تازناخت. تقول فاضمة أن فاطمة المرنيسي قالت للالة يجا "هذه الأيادي من ذهب".

زرابي الحكم
تقدم فاضمة عشرات الزرابي وتبين الأنواع والأسماء في صحن بيتها المفروش بالألوان الزاهية ومن بين أنواع السجاد المعروف في "تازناخت" يوجد "الزنيفي" وهو نوع من الزرابي منسوب لأسرة عريقة حكمت المنطقة من القرن السادس عشر إلى بداية القرن العشرين حيث امتد حكم القائد أحمد الزنيفي إلى زاكورة قبل أن تضع أسرة لكلاوي حدا لسطوته.

"تغرمت" وهي القرية التاريخية التي حكمت منها الأسرة باقي الأرجاء عبارة عن قصر قديم يتوسطه برج متهالك ووسط القصر يوجد مقر جمعية "le vieux village" التي يترأسها محمد الزنيفي، حفيد القائد، المسكون بذاكرة المكان. من بين معالم "تغرمت" بيت يصطلح عليه "أمصري نورومي" (بيت النصراني بالأمازيغية) وقد كان بيتا أقام فيه الرحالة الفرنسي شارل دوفوكو عند مروره من المنطقة سنة 1884.

بالعودة إلى مذكرات الرحالة الفرنسية المضمنة في كتابه "التعرف على المغرب" (1884) نجده يصف تازناخت بالقول "تازناخت مدشر كبير (..) على طول البصر تمتد المناطق الخالية المحجرة التي يخترقها طريق تيكر وفي اتجاه الغرب يكتشف المرء من هذا الجانب جزءا من سهل زناكة (إزناكن) ومن ورائه قمة جبل سيروا العالية البيضاء منتصبة على قمة من جبال رمادية".

ما تزال قمم جبال سيروا عالية وبيضاء تحرس الخضرة في جنان اللوز وحمرة خيوط النسيج بين أيادي سيدات فاضلات في بلدة مغربية جميلة تسمى تازناخت.

نصائح لقضاء إجازة في تازناخت
أين؟
تقع تازناخت في غرب إقليم ورزازات. يحدها من الغرب إقليم تارودانت، ومن الشرق دائرة ورزازات ومدينة أكدز، ومن الشمال أمرزكان ومن الجنوب إقليم طاطا.
كيفية الوصول إلى هناك؟
بالطائرة التي تحط بمطار ورزازات أو مطار أكادير حسب رغبة السائح الذي يمكنه أن يكتري بعد ذلك سيارة كراء أو سيارة أجرة. كما يمكن استعمال الحافلة حيث توجد عشرات الخطوط لحافلات تربط تازناخت بورزازات، طاطا، أكادير، مراكش، الدار البيضاء، الرباط وغيرها من مدن المملكة.
متى تذهب؟
تازناخت واحدة من المدن التي يمكن زيارتها على مدار السنة، مع أشعة الشمس الجميلة والجو اللطيف كل يوم وفي كل موسم إلا أنها تشهد ارتفاعا للحرارة في شهري يونيو وغشت وتعرف حالة برد في شهري دجنبر ويناير.
التنقل محليا؟
داخل المدينة، يمكن التجول على الأقدام وفي حالة الرغبة في زيارة القصبة توفر سيارات الأجرة الصغيرة هذه الإمكانية أما للرغبة في التجوال في بعض الجماعات المحيطة فمن الأحسن استئجار سيارة دفع رباعي من وكالات معتمدة، ويفضل أن يكون ذلك مع سائق ومرشد.
أين تأكل؟
توجد مطاعم من مختلف الأصناف وسط البلدة ويمكن الاختيار بين الأكلات المحلية كالطاجين والشواء والكسكس كما يمكن تناول وجبات من مطاعم تقدم أكلات عصرية وأخرى سريعة.
النوم؟
للراغبين على التعرف على السكان وعاداتهم يمكن قضاء ليلة هانئة في دور الضيافة أو المآوي المنتشرة في محيط البلدة والتي تبتدئ أثمنتها من 200 درهم كما يمكن قضاء الليلة في فنادق نظيفة لكنها غير مصنفة وسط المدينة أما للراغبين في منشآت مصنفة فينصح بإكمال الطريق الى ورزازات التي لا تبعد إلا بساعة واحدة عن مركز البلدة.
للاتصال
المجلس الإقليمي للسياحة بورزازات
زنقة المنصور الذهبي
ورزازات 45000
الهاتف : 05248-82366