جرادة تنتفض .. إضراب عام .. والوضع يسير نحو التصعيد

"الشهيد ضحى بدمو والساكنة هي للي تدفنو"، "حنايا جبدناهم حنايا ندفنوهم"، و"جرادة يا جوهرة خرجو عليك الشفارة"، و"بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، و"المخزن يمشي بحالو الجنازة ماشي ديالو"، كانت هذه بعض من الشعارات التي صدحت بها حناجر المحتجين في وجه السلطات المحلية، في سياق الاحتقان الذي تعرفه مدينة جرادة بعد انتشال جثثي شابين من عائلة واحدة، إثر انهيار صخري بمنجم حجري.
وتداولت مصادر إعلامية أنباء عن تفكيك اعتصام سكان المدينة أمام مستودع الأموات حيث توجد جثتا الشابين، بعد أن أقاموا ليلة الأمس مخيما في محيط مستودع الأموات، ودخلوا في اعتصام ليلي، قبل أن تتدخل السلطات لتفريقهم بالقوة، ولم تؤكد وقوع إصابات في صفوف المعتصمين.
وأفادت مصادر محلية، أن المدينة عاشت اليوم على وقع اضراب عام شامل، حيث أغلقت مختلف المحلات التجارية والمقاهي أبوابها، كما خرج التلاميذ من الثانويات والمدارس للالتحاق بالمسيرة التي أطلقها ساكنة المدينة من أجل التعبير عن غضبهم، في حين حمل كثير منهم الأعلام الوطنية لدفع أي تهمة بالتمرد والانفصال على شاكلة ما حدث في الريف، ومعلنين الاتجاه نحو التصعيد في حالة عدم الاستجابة للمطالب المسطرة من طرف شباب جرادة، والمتمثلة أساسا في فتح تحقيق في موت الضحيتين، مع معاقبة المسؤولين، ضرورة إيجاد بديل اقتصادي، سواء صناعي أو فلاحي، يحترم شروط السلامة الصحية والبيئية، وضرورة إيجاد حل فوري وعاجل لمشكل فواتير الكهرباء الصاروخية، بالإضافة إلى تعويض الضحايا وجبر الضرر بأثر رجعي".
في ذات السياق، حاول رئيس الجهة الشرقية تهدئة الوضع، من خلال توجيه كلمة للمحتجين، أشار فيها إلى أن مطالب العائلة تم تحقيقها، في انتظار وفد وزاري سيحل بالمدينة من أجل الإنصات إلى مشاكل وهموم الساكنة، قبل أن يقطع وعدا على نفسه قائلا : "في حالة عدم حضور الوفد الوزاري وتلبية مطالب الساكنة سأستقيل من منصبي".
كما هيمنت أحداث جرادة على الجلسة العمومية للأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة حول السياسة العامة، اليوم الاثنين بمجلس النواب، حيث قدم البرلمانيون تعازيهم لعائلتي شهيدي الفحم، في حين طالب البرلماني ياسين دغو، عضو الفريق الاستقلالي عن دائرة جرادة، العُثماني بتحديد موعد مستعجل لمدارسة الأزمة التنموية التي يعيشها الإقليم، وهو ما تجاوب معه رئيس الحكومة وأعلن استعداده لاستقبال برلمانيي الجهة ليتم الحديث عن جرادة، مؤكدا أن وكيل الملك أعلن فتح تحقيق في الموضوع، وأن الحكومة على غرار ما فعلت في فاجعة الصويرة، ستتكلف بأسر الضحايا وتتحمل مسؤولية ما يترتب عن التحقيق القضائي.
وأضاف البرلماني الاستقلالي محذرا من "خطورة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالإقليم"، مردفا : "زاد من قسوتها استمرار استشهاد أبنائنا تحت الساندريات، بحثا عن لقمة عيش أليمة عز إيجادها في جميع مناطق الإقليم"، كما أن الاقليم يعيش على وقع احتجاجات شعبية منذ مدة، توزعت أسبابها بين ضعف مؤشرات التنمية البشرية بالإقليم، وارتفاع نسب الفقر والهشاشة، وضعف البنية التحتية، وانتشار البطالة القسرية، وغلاء فواتير الماء والكهرباء؛ فضلا عن عدم تطبيق الحكومة للاتفاقية الاجتماعية والاقتصادية المبرمة مع الممثلين الاجتماعيين لعمال "المفاحم" بعد تصفية شركة "مفاحم" في 27 فبراير 1998، وخاصة مشكل الحجز على منازلهم.
من جهته، استغل فريق العدالة والتنمية، جلسة الأسئلة الشفوية ليدعو الحكومة إلى تحمل المسؤولية، ووضع حد لاستخراج الفحم عشوائيا من طرف "لوبيات معروفة"، كما قرر استدعاء وزير الطاقة والمعادن، عزيز رباح، ووزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، إلى لجنة برلمانية لمناقشة مشكل "الساندريات" بجرادة.
جدير بالذكر، أن مدينة جرادة تشهد منذ سنة 2001 أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، إثر اتفاق النقابات والحكومة سنة 1998 على الإغلاق النهائي لشركة مفاحم المغرب، دون أن تفي بتنفيذ الاتفاقية الاجتماعية والاقتصادية التي جرى الالتزام بها، وهو ما خلق وضع محتقنا، حيث تربعت المدينة على عرش أعلى المناطق من حيث نسبة البطالة التي وصلت إلى 32.2 في المائة، من مجموع أقاليم الجهة التي تناهز فيها نسبة البطالة 21.5 في المائة.
هذا، عدا عن تفشي مرض "السيليكوز" بسبب الغازات التي تنبعث من بعض المصانع في المنطقة، وهو ما كان قد سبق أن أدى إلى اعتصام للساكنة دام أكثر من 80 يوما أمام المقر السابق لإدارة مفاحم المغرب التي كانت تستغل مناجم جرادة، كما سبق، وأن عمد العشرات من مرضى السيليكوز في المدينة مرفوقين ببعض العمال المرضى وأرامل الذين قضوا بسبب المرض المذكور، إلى الخروج في مسيرة وصفت بـ”غير المسبوقة”، مشيا على الأقدام انطلاقا من مدينة جرادة في اتجاه مدينة وجدة.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.