حافلات النقل العمومي: شركة ترانسينفست طرف خاسر في الرباط

تدرس لجنة طلبات العروض التابعة لمؤسسة التعاون بين الجماعات (العاصمة) منذ 8 يناير، ملفات مرشحي طلبات العروض بشأن التدبير المفوض للنقل الحضري للحافلات التي ستربط بين الرباط و سلا و تمارة في 61 خطا بمسار يقارب 1140 كيلومتر.
حسب ما كشفت عنه ميديا 24 انطلاقا مما استقته من مصدر مقرب من الملف "سيتم اعلان اسم المفوّض في غضون شهر ونصف"، أما على مستوى مهنيي القطاع، فمن المتوقع أن تكون هذه المهلة أقصر، "في وجدة تم الأمر في وقت قياسي" يضيف ذات المصدر.
و لكن حساب مصادر مغرب كونفيدونسييل، فإن المجموعة البريطانية الإسبانية المغربية "نيكس ألسا سيتي بيس" تتصدر سباق الفوز بالعقد، في مواجهة "ترانسينفيست" التابعة لمجموعة شروات، و قد أودع المتنافسان عرضيهما يوم 4 يناير.
إذا كانت ألسا الإسبانية على وشك الانسحاب إسوة بناظريها الفرنسيين RATP Dev و ترانسديف، بسبب إلزامية اقتناء أسطول حافلات جديد في سوق نقل بربحية غير مستقرة، فإن تقاربها مع "سيتي بيس" التابعة لمجموعة علي المطيع العائلية يعطيها امتيازا بفضل امتلاك المجموعة على وحدة تجميع هياكل الحافلات وإصلاحها مما سيتيح توفيرات اقتصادية مهمة.
في هذا السياق، سيتم اقتناء 450 حافلة لتجديد الأسطول، سيوفر الفائز بالعقد 150 منها، بينما قامت "العاصمة" بتمويل شراء 100 حافلة، و كراء 200 من الحافلات الأحدث من الأسطول الحالي بمبلغ 5000 درهم شهريا للمفوّض المستقبلي، و أخيرا سيكون على هذا الأخير توفير 100 حافلة إضافية سنويا للوصول إلى رقم 650 حافلة بعد ثلاث سنوات، فيما سيتم سحب الحافلات المكتراة بحلول السنة الخامسة.
سيكون على لجنة "العاصمة" القيام بعمل كبير لاختيار وتقييم العروض التقنية والمالية المفصلة وفق معايير محددة : الاستثمار، التكنولوجيات المدمجة، نظام التذاكر، مواصفات العربات و التسعير.
مراجع فنية غير مشروعة؟
في هذا الصدد، يبدو أن تحالف "نيكس ألسا سيتي بيس" يتمتع فعلا بامتياز أمام ترانسينفيست، التي كانت إلى جانب الفاعل الفرنسي RATP (شراكة مدينة بيس) بالدارالبيضاء، وهي التجربة التي لم تكن لامعة، والتي يتوقع المراقبون بعدم التجديد لها عند انتهاء عقدها في 2019.
"التدبير المفوض للنقل العمومي بالحافلات أظهر محدودية فعاليته بالدارالبيضاء، حوادث عديدة، حالة أسطول الحافلات متردية، الحرائق والحوادث المتنوعة.. كل هذه عوامل تؤكد الحالة المزرية للخدمات العمومية في مدينة ترى نفسها ميتروبولا حديثا"، حسب ليكونوميست.
دفاعا عن نفسها، اتهمت "مدينة بيس" مجلس المدينة بعدم الوفاء بالتزاماته التعاقدية، بما في ذلك إبعاد المشغلين الآخرين، مما تسبب في أضرار قدرت بثلاثة ملايير درهم، لكن المجلس من جهته يتحجج بعدم وفاء الشركة بالإستثمارات المتعاقد عليها، ومن بينها رفض تجديد الأسطول لعشرات السنين. والنتيجة : خدمات بجودة رديئة، أسطول متلاشٍ من الحافلات الباريسية القديمة الملوثة للبيئة والمقتناة بحوالي 5000 أورو للواحدة، مقابل ما ينفقه المفوّضون الآخرون مثل سيتي بيس وألسا من تكاليف على الحافلات الجديدة التي قد تصل إلى 1.5 مليون درهم، إضافة إلى الأعطال والحوادث المتكررة.. في حين أن تدقيقا قام به مكتب التدقيق المحاسباتي والاستشارة "KPMG" بطلب من وزارة الداخلية لم ينل رضا المنتخبين، فإن مجلس المدينة يعد بشكل استعجالي دفتر تحملات جديد يضع حدا لهذا الوضع الذي يجعل الركاب كالرهائن.
حسب ما صرح به مؤخرا عبد العزيز العماري عمدة الدارالبيضاء، فإنه "حسب شروط العقد، لا يجب أن تزيد فترة الخدمة عن سبع سنوات، بينما وجدنا أن متوسط عمر 650 حافلة في الخدمة حاليا يصل إلى 17 سنة، أسطول الحافلات متهالك وأكل عليه الدهر وشرب، و استيراد العربات المستعملة كان مسموحا به في بنود العقد".
وبعيدا عن هذه المسؤولية، فإن المختصون يتساءلون أيضا عن مدى مشروعية ترشح ترانسينفيست في الرباط، فإذا كانت الشروط التي يفرضها قانون طلب العروض بالنسبة للرباط وبشكل عام بالنسبة للتدبير المفوض تسمح بأن يكون المرشحون شركات قابضة تشاركية جمعت خبرة في الميدان، فإن ترانسينفيست لا تلبي هذا الشرط لأنها لا تملك إلا 38 % من مدينة بيس. "طبقا للفصل 143 من قانون الشركات، فإنه لا يمكن اعتبارها فرعا لها لأن مشاركتها لا تصل للحد الأدنى الذي هو 50 %" يشير مصدر مقرب من الملف. "في هذه الحالة، كيف يمكن أن تقدم مراجع مدينة بيس؟".
النقطة الثانية التي تُقصي ترانسينفست، هو أن الشركة المؤهلة لخوض المناقصة يتوجب عليها أن تكون هي المشغل التقني المرجعي للفرع، و في حالة مدينة بيس فإن RATP الفرنسية هي المشغل، "المسألة ليست مسألة مناوشات قانونية بقدر ما هي قضية جودة تقنية أساسية لضمان تسيير النقل الحضري بالعاصمة، و هي أمور على المحك".
إخفاء الخسائر الفادحة
الملف المالي لترانسينفيست ليس أفضل حالا. فقانون طلب العروض يفرض على أطراف المناقصة إظهار امكانياتهم المالية برساميل قدرها 150 مليون درهم، وهو شرط تفي به مجموعة نيكس ألسا سيتي بيس، لكن المقلق هو أن مدينة بيس تُراكم الخسائر منذ سنوات، والأغرب أن حصيلة الشركة غير متوفرة لدى المحكمة حسب ما يقتضيه القانون، باستثناء حصيلة سنة 2004 التي تظهر خسارة قدرها 182 مليون درهم.
ووفقا لكشوفات حصل لوديسك على نسخة منها، فإن الشركة سجلت خسائر بلغت 129 مليون و 73 مليون درهم برسم سنتي 2007 و 2011 على التوالي. نتائج يتم إخفاؤها عمدا عن الأطراف الثلاثة والمتعاقدين لتفادي تصفية الشركة؟ كل المؤشرات تشير إلى أن وضع الشركة حاليا لا يرقى للشروط القانونية، لا سيما و أنه لا يوجد حتى الآن أي تنظيم فعال، حسب المعلومات المتاحة.
من المخجل لشركة مفوضة لتدبير خدمة عمومية والتي يعد صندوق الإيداع والتدبير أحد مساهميها بنسبة 34 %. "كيف يعقل لصندوق الإيداع و التدبير أن يقبل بأن لا تحترم شركة يساهم فيها، أبسط الأحكام القانونية؟" يتساءل أحد المسؤولين المحليين بالرباط، و يشير أن لجنة مجموعة "العاصمة" لا يمكنها قبول ظروف مماثلة من التعتيم و انعدام الشفافية المالية لشركة ترانسينفيست.
و في هذا السياق، وحسب البيانات المتاحة التي اطلع عليها لوديسك، فإن الخيار الوحيد أمام المدينين لمدينة بيس هو المطالبة بمصادرة وبيع ممتلكات الشركة بالمزاد العلني لاسترجاع مستحقاتهم.
حسب تقرير لمفتشية الضرائب يعود إلى 2015، فإن مدينة بيس سجلت سنة 2014 خسارة قدرت بـ80.9 مليون درهم بوضع صافي سلبي بلغ ناقص 275 مليون درهم، ويشير التقرير أيضا إلى كون مدينة بيس موضوع تفتيش من طرف لجنة عن الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في دجنبر 2014، ويوم 25 يناير 2015، اعترضت الشركة على رؤساء الإصلاح وتم إصدار حكم على مستوى الحسابات لتقدير المخاطر. وحسب معلوماتنا فإن الشركة لا زالت تدين للصندوق بما يقارب 40 مليون درهم.
و حسب مصادر مقربة من الملف اتصل بها لوديسك، فإن "ترانسينفست طرف خاسر في الرباط لأنها شركة خارج الإطار القانوني وذات حكامة كارثية فاقمت حالتها المتدهورة بشكل يهدد مستقبل النقل العمومي للرباط".