حكومة صديق الملك، برئاسة إسلامي

لا شك أن الإسلاميين المغاربة شربوا من كأس المرار حتى ارتووا. فقد وضعوا ركبة أولى على الأرض عندما قبلوا الشروط التي فرضها رجل مقرب من العاهل المغربي لتشكيل ائتلاف حكومي. ثم وضعوا الركبة الثانية مطلع أبريل الجاري بالتنازل الكامل عن كل ما تبقى في حوزتهم، في استسلام مريع، أسفر عن هيئة تنفيذية ليست فاقدة للتوازن فقط، بل أيضا يشارك فيها بعبعهم الأسود.
بعد ستة أشهر من الاستحقاق الانتخابي، تشكلت أخيرا حكومة مغربية متضخمة تتكون من 39 وزيرا وكاتب دولة، ينتمون إلى ستة أحزاب، تم تعيينهم من طرف الملك يوم الثلاثاء الماضي. فقد نجح الإسلامي سعد الدين العثماني فيما يشبه السحر في غضون أسبوعين فقط فيما لم يفلح فيه زعيمه السياسي عبد الإله بنكيران طيلة ستة أشهر : ألا وهو تشكيل حكومة.
لكن الحزب ككل دفع الثمن باهظا جدا نتيجة لذلك على ما يبدو واضحا، فهذه الحكومة لا تعكس تماما نتائج انتخابات أكتوبر 2016 التي حصل فيها حزب العدالة والتنمية برئاسة عبد الإله بنكيران على أغلبية أكبر من التي حصل عليها في 2011.
بداية قبل العثماني (ما فرضه عليه عزيز أخنوش، ملياردير ورجل سياسي مقرب جدا من القصر) مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهو حزب متهالك، في الائتلاف الحكومي، رفقة حزب الاتحاد الدستوري الذي لم يحقق أي نتائج تذكر. عدد الأصوات والمقاعد التي حصل عليها الحزبان (الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري) هزيلة مقارنة بأن تبدو ضرورية داخل ائتلاف الحكومة. لكن ما يفسر مناورة فرض هذين الحزبين على العثماني هو : كلما اتسعت الأغلبية ضعف نفوذ الحزب الفائز.
إضافة إلى الحقائب الوزارية التي حصلت عليها الأحزاب الستة، هناك ما يسمى تقليديا بالوزارات السيادية. وهي وزارات بدون انتماء سياسي يتم انتقاء وتعيين وزرائها مباشرة من طرف الملك رغم أن ذلك لا يدخل ضمن صلاحياته الدستورية.
اللائحة طويلة : وزير الأوقاف أحمد التوفيق، وزير الخارجية ناصر بوريطة، وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، المكلف بالدفاع المدني عبد اللطيف لوديي، والأمين العام للحكومة محمد الحجوي.
وزارة التربية الوطنية هي أيضا كانت من نصيب القصر، برئاسة محمد حصاد وزير الداخلية في الحكومة السابقة الذي قضى مساره المهني كاملا في جهاز الدولة. حصاد الذي سبق له (عندما كان واليا لجهة طنجة) أن منع اجتماعا كان سيلقي فيه بنكيران كلمة إلى شبيبتة الإسلامية في غشت 2012.
تعيين حصاد وزيرا للداخلية في 2014 كان شديد الوقع على بنكيران، الشدة نفسها التي لا شك سيواجهها اليوم العثماني أمام استوزار عبد الوافي لفتيت والي الرباط السابق في نفس الوزارة. فقد أقدم لفتيت (عندما كان واليا) على شراء أراضي مملوكة للدولة بثمن أقل بعشر مرات من قيمتها في السوق، مما أثار غضب واحتجاج الإسلاميين الذين اتهموه حينها بالاغتناء على حساب الدولة، قبل أن تخرج وزارة المالية ووزارة الداخلية بتصريحات دافعت فيها بشراسة عن قانونية وشرعية العملية.
انتكاسات العدالة والتنمية لم تنته هنا. فقد فقد مصطفى الرميد أيضا، وهو أحد ركائز الحزب الوازنة، حقيبة العدل، ليتحول إلى وزير لحقوق الإنسان، الحقيبة التي بلا محتوى يُذكر. ولم يتوقف الأمر هنا فقط، بل تحول أيضا إسلاميون آخرون من الحزب بين عشية وضحاها إلى مجرد وزراء منتدبين تحت سلطة وزارات أخرى ووزراء آخرين، بعد أن كانوا وزراء في الحكومة السابقة.
عدد الوزارات التي منحت لحزب العدالة والتنمية الحاصل على 125 مقعدا في البرلمان بالكاد يتجاوز عدد حقائب حزب التجمع الوطني للأحرار الحاصل على 37 مقعدا. تشكيلة حكومية (تذكرنا بالحكومات المشكلة في عهد وزارة الداخلية في أواخر السبعينيات) موجهة بنجاح من طرف عزيز أخنوش رجل الأعمال المقرب من القصر وثاني أغنى شخصية في المغرب حسب فوربس. أخنوش الذي حافظ على حقيبة وزارة الفلاحة بعد أن توسعت صلاحياتها بشكل كبير. "إنها حكومة أخنوش لكن برئاسة العثماني" كما يقول بعض المغاربة بسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
إحباطات تسببت في توترات محسوسة داخل الحزب الإسلامي خصوصا على مواقع التواصل حيث عبر عدد من الشباب المنتمين للحزب والمتعاطفين معه عن سخطهم وشعورهم بالمهانة.
بل حتى على مستوى أسماء كبيرة في الحزب طالبت بعقد مؤتمر وطني لبحث ومناقشة التنازلات التي تم تقديمها.
عبد العالي حامي الدين نائب رئيس المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية عبر عن أزمة الحزب بصراحة أن الحكومة "ليست نتيجة لتحالف أحزاب سياسية حرة وذات سيادة"، مضيفا أنها "تعبير عن رغبة أقوى مفروضة على أحزاب مجردة من أي إرادة".
بناء على كل هذا يتساءل بعض الإسلاميين إن كان ممكنا اتخاذ مسافة عن حكومة يترأسها نظريا أحد قيادييهم. لكن الواضح والجلي هو أن حزب العدالة والتنمية في حالة اضطراب قصوى، وهذا دون شك كان هدف من دفعوه بنجاح إلى الركوع.