دفاعا عن المرتضى إعمراشا… ضحية عجز النظام

أستطيع أن أقول وبشكل واضح، إني أعرف الرجل، مبادئه، والتزامه، وأفكاره وقيمه بعدما عرفته عدة أشهر.
نعم، كان سلفيا في الماضي، كما كان آخرون يساريون ثوريون ومناهضون للملكية، وماذا بعد؟ إنه الماضي، لكن حاضرهم طبعوه بنشاطهم والتزامهم بالقضايا المطروحة في المجتمع المغربي والعالم بروح مواطنة. أنا لا أشاركهم بعض أفكارهم، الإسلاموية على وجه الخصوص، ولكني أحيي وعيهم السياسي، في حين أن الغالبية منا يمتعون أنفسهم في مناطقهم المريحة التي أضعفتنا دونما أن نكسر جدران المحافظة المحيطة بنا، حيث تقع جميع هزائمنا التي هشمت عظامنا.
المرتضى الذي لم يكمل الثلاثين بعد، نشأ في الحسيمة، في الريف المهمش، في بيئة يعد الوصول فيها إلى الحياة الكريمة والمعرفة هو النضال اليومي، وغالبا ما يخسر الرهان في وقت مبكر. وقد وجد الملك الجرح غائرا ليس مع تقرير جطو فقط، ولكن قبل سنوات بعد أن وعى إلى الفوضى التي كانت تتخبط فيها المنطقة والسجن الكبير الذي فرض عليها جراء "لعنة" والده التي طاردتها لأسباب تاريخية نعرفها. ومع ذلك، فقد أعطى الأسبقية للأمن الاجتماعي ومواجهة أزمة الحسيمة، في حين أن كل المؤشرات تدل على أن تدبيرها كان مثيرا للشفقة، كارثيا بل خطيرا.
لقد أثبتتُ، في بداية اعتقال المرتضى، أن الاتهامات التي وجهت إليه كانت كاذبة، مبنية على الأوهام من قبل أنصار الانتقام للدولة وأتباعها من وسائل الإعلام. أولئك الذين يستأسدون على رموز الحراك، أولئك الذين يتلاعبون بحياتهم، بالتزاماتهم، وخاصة أولئك الذين جعلوا أصلهم التجاري البغيض هو تبخيس الاحتجاج وخلق البوليميك.
قبل يوم من سماعه لإدانته الصادمة وغير المتوقعة بالإرهاب، كان المرتضى ضيفي في المنزل، لبق ومهذب كعادته. أنا "الحداثي" أمسك كأس الويسكي بين يدي، وهو "الملتحي" يحتسي الشاي، ذاك المساء تحدث لفترة وجيزة عن انهيار العالم. أستحضر هذا المشهد الآن ليس لمناقشة خيارات حياتنا على وجه الخصوص، ولكن لأسألكم ما معنى الحداثة؟ هل هي العيش بعيدا عن الواقع مغمورا وغائبا عن كل الرهانات، عما يزعج ويقلق كالرخويات تماما؟ أنتم الذين تسيرون وتديرون وتشاركون في التنظيم والإدارة والمكاتب والشركات والجمعيات والمجتمعات، وأنتم : المسؤولون المنتخبون والسياسيون وموظفو الخدمة المدنية والمجتمع المدني والصحفيون والفنانون والمثقفون والكتاب والمبدعون، المقاولات الليبرالية، والعمال، والموظفون، والطلاب، والناشطون، والمواطنون العاديون وما إلى ذلك، ماذا تقولون عن ذلك؟ هل أصبحتم غير معنيين، خاملين، بل حتى يائسين؟
هل استضفت إرهابيا خطيرا تحت سقف منزلي؟ إذا كان الأمر كذلك، فأنا أستحق أن أنضم إليه في الزنزانة، هل تم إغرائي أو خداعي من خلال أفكاره البراقة والمخادعة كما قد يدعي البعض زورا؟ لا، فهو ليس من هذا النوع. وهو واحد من أولئك الذين يرغبون في التوفيق بين هذا المجتمع التائه والمكسور والعاجز، هو شخص علماني كأي شخص لم يستطع بعد توضيح تصوره لهذا المفهوم لنا، هذا الرجل الذي يهمون بسرقة مستقبله، الذي ينبذ العنف، الذي يسعى للأفضل لمعظمنا، تمت محاولة تغييبه أو القضاء عليه دون سبب، أو بالأحرى لأسباب متعلقة بالمنطق المتحكم في الدولة.
لذلك قررت أن أكافح من أجل هذا الصديق وفقا للمعايير المتفق عليها، لأنه ليس فقط ضحية ظلم خطير، ولكن لأنه هو أيضا رمز حي لضيقنا وانهيارنا الكبيرين. آمل أن تكونوا جميعا - بغض النظر عن معتقداتكم - أن تكونوا أذكياء حتى لا يتم اختزال الأمر في مشهد لحيته لتبرير هراء المشاركة في إرساله إلى زنزانة تستغرق خمس سنوات من عمره، كما فعل آخرون، وبعض المجهولين الذين شكلوا وحدة كفرت الحراك ورموزه الذين سجنوا لأنهم هتفوا معلنين يأسهم، أو لرميهم الحجر في بركة آسنة، أو لصراخهم ذات تعبئة جماهيرية أو ببساطة من أجل لا شيء.
أقيل الوزراء وكتاب الوزراء، بحق أو بخطأ، ولكن ما هي توقعات التحقيق التي تبرر مثل هذه الأحكام، غير بعض الصور الرسمية للأنباء الرسمية تظهر رزمة جلدية سلمت إلى الملك أثبتت لنا وجود تقرير؟ أين هو المنطق في إرسال مئات من المتظاهرين الشباب إلى السجن في حين أن الدولة تعترف بأن عددا من المسؤولين قد تنصلوا من مسؤولياتهم؟
في أي عالم سريالي نعيش؟ لا أطلب منكم الوقوف مع الحراك أو ضده، ولا أن تكونوا متعاطفين مع المرتضى إعمراشا أو ناصر الزفزافي وغيرهم، بل أطلب منكم أن تقفوا متشددين للغاية إزاء عدالتنا، مسيرينا، وإزاء من يدبرون الأمور بمنطق سبق لمحمد السادس نفسه أن انتقده في خطبه. إن مستقبل مجتمعنا، وتماسكه، ورفاهيته، وأمنه معرض للخطر. إن الأمل في أن نرى أجيالنا المقبلة، أجيال أطفالنا، يعيشون بسلام وأمن، يرجع إلى قدرتنا اليوم على أن نكون جديرين بالمستقبل، معا وبشكل خاص في ظل الحرية الكاملة.