« هومو دوس » أو الإنسان « الاله »، تاريخ مختصر للمستقبل
"كل يوم يقرر الملايين من البشر أن يمنحوا هواتفهم الذكية حيزا أكبر للتحكم في حياتهم أو أن يجربوا مضاد اكتئاب جديد وأكثر فاعلية. في رحلة البحث عن الصحة والسعادة والقوة والسلطة، سيتغير البشر شيئا فشيئا..."-يوفال هراري.
من يعرف ما ستأتي به الألفية الثالثة للجنس البشري؟ بعد كتابه الأول "سابيانس"، تاريخ مختصر للبشرية، الذي حذر خلاله أستاذ التاريخ، يوفال نوح هراري، من "الديكتاتورية الرقمية"، وتنبأ بقرب انقراض الجنس البشري وتعويضه بالسيبرانية. يعود بنا هذه المرة، لسبر أغوار المستقبل وليحملنا إلى المستقبل بأحلامه وكوابيسه، إلى المرحلة الموالية من تطور السابيانس إلى هومو دوس، أو الانسان الاله.
خلال القرون الماضية حاول السابيانس أن يقوم بالمستحيل لتفادي المجاعات والأوبئة والحروب. وكما يفسر هراري في كتابه، رغم صعوبة تقبل الفكرة، هذه الحروب والمجاعات والأوبئة تحولت من قوى مبهمة يصعب التحكم فيها، إلى تحديات تمكن الجنس البشري من تطويعها. ولأول مرة في تاريخ البشرية، يموت أناس نتيجة الأكل المفرط ويعيشون حتى أرذل العمر عوض الموت إثر أمراض تعفنية، وينتحر العديد عوض الموت على يد جنود أو ارهابيين أو مجرمين...
ويعتقد يوفال هراري أن الجنس البشري سيحاول تغيير نفسه ليصبح نوعا من "الآلهة "، وذلك عبر ثلاثة وسائل : الهندسة الاحيائية التي بلغت في الوقت الراهن حدودا غير متوقعة والسايبارانية أو الكائنات التي تتشكل من مزيج من المكونات العضوية والبيو-ميغاترونية وكذا تطوير الانسان عبر الذكاء الاصطناعي. وسيكون الهدف المبتغى هو الحصول على الحياة الأبدية. نحن نوسع قدراتنا كبشر باستعمال التكنولوجيا، فلما لا نوسعها للحصول على الحياة الأبدية؟
وهكذا يقول هراري في كتابه "نحن لا نشعر بالرضا بعيش حياة هانئة ومزدهرة، لكننا نشعر بالرضا عندما يتوافق الواقع مع تطلعاتنا. والخبر السيئ هنا أنه مع تحسين الظروف تزداد وتتضخم تطلعاتنا".
إن الجنس البشري وسيرورة أفكاره، حسب الكاتب، يمكن تلخيصها في تفاعلات كيميائية وخواريزميات وهي خواريزميات يمكن استنساخها من قبل الذكاء الاصطناعي. وهكذا يظن هراري أن الذكاء الاصطناعي سيعوض السابينس بفضل قدرته على اتمام الخوارزميات. وسينتج عن هذا الأمر طبقة من الأفراد عديمي الجدوى. كما أن العديد من مناصب الشغل ستلغى بسبب الذكاء الاصطناعي. فماذا سيفعل هؤلاء؟
هل سيتم تزويدهم بمخدرات أو مهدئات وألعاب كمبيوتر لجعلهم سعداء؟
ولتفادي أن يصبح الفرد" غير ذي فائدة"، حسب هراري، يتوجب عليه أن يتعلم كيف يتعلم. وهو بذلك مطالب بأن يتعلم بشكل سريع وأن تكون لديه قدرة على إعادة خلق ذاته والابداع، هذه القدرة سيكون لها دور محوري للحفاظ على "تقدم" الجنس البشري والحفاظ على امتيازاته بين باقي الكائنات الحية الأخرى.
إن "عصر المعلومة" الذي خلقناه، ونعيش فيه، قد أدى إلى الفصل بين الذكاء والوعي. ولقد بدأنا بالفعل بصنع آلات يمكنها التعامل مع الخوارزميات أفضل منا. مما يمنح السلطة "للداتاييسم" أو "عقيدة المعلومة والخوارزميات" ويقلص دورنا ليختصره الى معطى أو معلومة في بحر المعلوميات. وهو أمر بات مقبولا لدى المسيرين للسيليكون فالي وما وراءها.
إن الانتقال السريع نحو التحول المعلوماتي لا يعني بالضرورة نهاية السابيانس، لكننا لا نعلم ما هو الدور الذي سيلعبه في المستقبل ولا المكان الذي سيشغله... وإذا تمكن السابيانس من الوصول إلى سر الحياة الأبدية، فماذا سيترتب عن ذلك على المستوى المهني والصداقات والزواج والاطفال والحب؟. هكذا يستفز هراري قراءه بأسئلة و أطروحات حول السابيانس دوس.
الكاتب : يوفال نوح هراري، أستاذ للتاريخ بالجامعة العبرية بتل أبيب، ولد سنة 1976
من مؤلفاته "سابيانس، تاريخ مختصر للجنس البشري"، ألفه سنة 2011 وتمت ترجمته الى اكثر من 45 لغة. وقد أثنى عليه مجموعة من الشخصيات المعروفة مثل بيل غيت ومارك زوكنبورغ وباراك أوباما وكارلوس غصن. بعد ذلك أصدر جزءه الثاني بعنوان"هومو دوس، تاريخ مختصر للمستقبل"، لدار النشر أبان ميشيل بباريس، سنة 2015
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.