صحة: « منظومة بوعزة » في قلب قضية استغلال للنفوذ

بينما دفعت القضايا العديدة التي كشف عنها لوديسك حول التسيير الكارثي لقطاع الصناعة الصيدلية وزير الصحة أنس الدكالي إلى الخضوع لأسئلة النواب المحرِجة في أول جلسة مساءلة شهرية له، فقد اكتفى هذا الأخير بالقول أنه أمر بمهمة تفتيشية لدى مديرية الدواء والصيدلة، المُتهَمة بكل الشرور.
وفي مرمى النقاش، كان من بين أمور أخرى موضوع الإجراءات المبهمة لمنح رخص تسويق الأدوية. حيث اكتفى الوزير بالقول أن الهدف الرئيسي للمهمة التفتيشية هو "مراجعة جميع مراحل إجراءات منح التفويضات والتحقق من امتثالها للقوانين".
فيما يتعلق بالمشروع المولود ميتا، ألا وهو الوكالة الوطنية للدواء و المنتجات الصحية المفترض أن تحل محل مديرية الدواء، اكتفى الدكالي بالإشارة أنها "مدرجة ضمن البرنامج الوزاري على المدى المتوسط".
الدكتور عمر بوعزة صاحب اليد العليا في قطاع الصيدلة، يُتم هذا الشهر عامه العاشر على رأس مديرية الدواء والصيدلة بحصيلة يستهجنها الصناعيون الذين يتهمونه بالإبتزاز، وكذلك البرلمانيون الذين يحققون حول فساده. لكن الوزير الدكالي الذي الذي وصل لتوه إلى الحكومة يبدو عاجزا عن وضع حد لولاية بوعزة الطويلة رغم ضغوطات الرأي العام بعد الفضائح المتلاحقة التي بدأت بالفعل تحقيقات برلمانية أخرى حولها.
بالنسبة لقضية دواء بيدوفيكس الخطيرة التي تطرق لها لوديسك والتي يغنيها بانتظام بوقائع جديدة، والتي كان آخرها فتح تحقيق قضائي، فإن الوزيرالذي بالكاد بدأ عمله الحكومي سرعان ما انكشف أنه متواطئ في أعمال مخالفة للقانون.
لكن يبدو أن هناك قضية جارية أخرى يمكن أن تسبب ضررا أكبر لإدارته.
شركة استشارية خصخصت القطاع العام
هشام لشهب، الرئيس السابق لمصلحة مراقبة القطاع والتفتيش الصيدلي لدى مديرية الدواء والصيدلة، باعتباره منصبا استراتيجيا ضمن العلاقة بين القطاعين العام والخاص، يستخدم منذ مغادرته الوزارة مؤخرا شركة محدودة المسؤولية تأسست في 2014 بتمارة من طرف نادية الشاقوري كشريكة وحيدة، وهي شركة يتمثل هدفها الأساسي في تنظيم الاستقبالات والحفلات تحت إسم "موروكو إيفنت سوكسيس". الهدف؟ العمل كواسطة للزبناء الراغبين في الحصول على تفويضات تسويق لأدويتهم. وبصريح العبارة فقد خصخص لشهب خدمة عمومية مفروض أن الدولة توفرها للصناعيين بلا نقاش، وجنى المال بفضل موقعه في إدارة جعلت الغموض في منح التفويضات نظاما قائما يملأه الفساد واستغلال النفوذ.
وحول استغلال النفوذ في حالة لشهب، فإن الحقائق الموثقة تشهد بذلك. إذا كانت "موروكو إيفنت سوكسيس" بمثابة جرّة فارغة جوفاء، فإن عمارة "ماثيس" بحي السويسي في الرباط (والتي استاجر لشهب صندوقها البريدي) هي المكان الذي يعرض فيه خدماته المدفوعة، وذلك عبر بطاقة عمل و أوراق نموذجية مكتوب أعلاها "مجموعة ميس الإستشارية" في محاولة لخلط الأوراق. والمؤسستان مدرجتان في السجل التجاري تحت نفس الرقم : RC104701.
ولا يعطي موقع ميس أي إشارة إلى الجهة المروجة له، لكنه يذكر بالتحديد في مراجعه كلا من مديرية الدواء والصيدلة، وزارة الصحة والوكالة الفرنسية لسلامة الأدوية، ومديرية الغداء والعقاقير الأمريكية. وتدعي الشركة/الفرد أن لها 70 شريكا وتعالج 90 ملف شهريا، و1300 شركة عميلة وأنها تحتكم على 25 % من حصة السوق، دون أن تثبِت صحة أي من هذه الإحصائيات.. بينما يُظهر تقرير أنفوريسك الخاص بموروكو إيفنت سوكسيس أن الشركة الحقيقية الواقعة تحت تصرف لشهب لا تحقق أي نجاح يذكر.
وقد حصل لوديسك على إحدى فواتير ميس الإستشارية التي توضح الموضوع أكثر : "إعداد الملف / التنسيق الإداري"، "أخد المواعيد والإيداع لدى مديرية الدواء"، "متابعة الملف وإعداد المراسلات الجوابية أو التكميلية"، "المرافقة إلى حين الحصول على شهادات التسجيل". وبذلك، فإن أغلبية هذه الإستمارات المُساعِدة هي فعلا من صلاحيات للوزارة التي يفترض أنها توفر مصلحة خاصة لهذا الغرض، مع العلم بأن جميع المختبرات الصيدلية تملك مصالح مكرَّسة لهذه الإجراءات.
"الجميع يعلم أن عمر بوعزة قد شكّل ثقبا أسود داخل مديرية الدواء والصيدلة التي تضع الصناعة في حالة من الإعتماد على قراراتها التقديرية، في حين أن المديرية ليس لها أي نظام معلومات. فالآجال مماطِلة بالنسبة للبعض و سريعة للبعض الآخر، مما يجعلنا نتساءل إذا كان لشهب فعلا يلعب دور الوسيط"، يندد مدير أحد مختبرات البيضاء المنزعج من تراكم طلبات التسويق الخاصة به، بينما يحصل عليها آخرون في آجال قصيرة جدا.
وحسب معلوماتنا، فإن أعمال هشام لشهب (الذي استمر إلى وقت قريب باستخدام مكتبه بمديرية الدواء وحاسوبه الوظيفي حتى بعد تركه لمنصبه) تبدو مشبوهة أكثر إذا علمنا أنه زوج الصيدلانية إيمان غابون، الدراع الأيمن لبوعزة، "هي التي لها اليد العليا فيما يتعلق بترخيص تسويق الأدوية.." سواء حسب ما تؤكده الوزارة أو الصناعيون. و لم يرد لشهب على مكالمات لوديسك لحد كتابة هذه السطور.
"خلال المناظرة الأخيرة للصيدلة، شكر بوعزة السيدة غابون علنا، دون ذِكر أي إطار آخر من مديريته"، حسب مصدر من داخل وزارة الصحة أكد على الإمتيازات التي يتمتع بها المدير و مساعدته. ويضيف المصدر أن لشهب يتمتع بمعاملة خاصة عندما وكل محاميا لتأكيد استقالته التي رفضها الكاتب العام للوزارة بحجة أنه استفاد مؤخرا من تكوين خارجي. "كيف يمكن للسماح لموظف سابق له حساسية مع إدارته بخلق مكتب للمتاجرة بخدمة تقدمها الدولة وسبق له أن كُلِّف بها؟" يتساءل نفس المصدر.
وقد نبه النواب المكلفون بالتحقيق حول قطاع الصحة بقضية لشهب في لجنة الشؤون الإجتماعية أثناء الإستماع إلى أنس الدكالي وعمر بوعزة، بحضور إيمان غابون. وقد هددت رئيستُها الإستقلالية سعيدة ايت بوعلي بالإستعانة بلجنة تحقيق برلمانية للإنهاء مع "منظومة بوعزة". ثم طلب الوزير أن توجه إليه أسئلة كتابية مرفوقة بمحاضر لكي يجيب عنها. وقد ووجه البرلمانيون لحد الآن بالرفض، بينما لا زال بوعزة "يتبجح في الخفاء موحيا بوجود حماية أمنية وعلاقة قرابة مع شخصية من المجال الطبي مرتبطة بالدوائر العليا للسلطة"، حسب اتهام أحد النواب.
لقراءة المقال الأصلي بالفرنسية