عمر بوعزة: حجر الزاوية في وزارة الصحة متهم بالابتزاز (ج.6)
لأكثر من ساعة ونصف، كان عمر بوعزة مدير مديرية الأدوية والصيدلة التابعة لوزارة الصحة، هدفا لنيران ضيوف برنامج "Avec ou sans parure" على إذاعة لوكس راديو يوم 27 فبراير المنصرم، البرنامج الذي ينشطه المهدي الطاوسي، الذي تطرق إلى الفشل التنظيمي الذي عرفته "المناظرة الثانية للدواء والمنتجات الطبية" بالصخيرات، وهو ما كشف عنه الجزء الخامس من تحقيق لوديسك حول الوضع المقلق للصناعة الصيدلية الوطنية.
كان سليم الكرمعي، المدير العام لمختبرات غالينيكا، ونائب رئيس الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية، أول من يشعل النقاش، ذلك بانتقاده التباين الصارخ بين موضوع المناظرة الذي هو ظاهرة الأدوية المزيفة في إفريقيا، وبين الإهتمامات ذات الأولوية للصناعة الوطنية، ما من شأنه أن "يزرع الشك حول جودة الأدوية المغربية"، مؤكدا بذلك الإنتقادات التي وجهها العديد من المهنيين عشية المناظرة.
أعرب الكرمعي أيضا عن أسفه لكون "النقاشات الاساسية" و"التحديات الكبرى" التي يواجهها القطاع، كإشكالية الولوج إلى الدواء أو الإستعمال الرشيد له، بقيت محجوبة خلف إشكالية "مفهومة بشكل خاطئ"، مما أثار زوبعة من العناوين التهويلية على صفحات الجرائد التي قدمت رقم 15 ألف قتيل سنويا بسبب الأدوية، في حين أن أكثر من نصف الحوادث المسجلة بالمغرب عند استعمال الأدوية هي ناتجة عن محاولات الإنتحار، وأن جودة الأدوية المغربية لا شك فيها ومتواجدة بالسوق الأوروبية.
بالنسبة للكرمعي، فإن موضوع النقاش كان يجب أن يكون حول المنطق الصناعي المعتمد على الحاجيات النوعية المقترنة بأثمنة في المتناول، منتقدا في ذات السياق سن ضريبة على القيمة المضافة بقيمة 7 % على ثمن البيع للعموم للأدوية، وهو إجراء يستوجب "التنديد"، في حين أن بلدانا كالأردن والسعودية قدمت إعفاءات في صالح المرضى.
وقد حذت السعدية المتوكل، عضوة مكتب المجلس الوطني لمنظمة الصيادلة (ممثلة المنطقة الجنوبية)، حذو الكرمعي، حيث ذكّرت بأن "الدوائر القانونية آمنة بشكل كبير" وأن "النظام محصن"، وأن المغرب محمي من التزييف بفضل ترسانته القانونية، وأيضا من خلال توافر الأدوية المصنعة محليا. كما أن توفر الأدوية الجنيسة المعتمدة المصنعة محليا ساهم أيضا في انخفاض مهم للأسعار. غير أن المتوكل أعربت عن أسفها كون "الحق في إبدال الأدوية الموصوفة بأدوية جنيسة محلية" ضرورة للحفاظ على صيدليات المهنيين، الأمر الذي لم يلق اهتماما من طرف وزارة الصحة أثناء عهدة الوردي في حين أن الدولة منخرطة في توفير تغطية شاملة للمغاربة، ما شكّل "معضلة محيّرة للمرضى". وحسب قولها، فإن هذا التناقض كان يجب أن يُطرح كموضوع نقاش خلال مناظرة الأدوية، عوض الإمعان في "بث الريبة".
واحتدم النقاش بمداخلة مصطفى ابراهيمي، النائب عن حزب العدالة و التنمية، والطبيب الجراح بصفته رئيس لجنة القطاعات الإجتماعية في مجلس النواب، حيث تطرق إلى "انعدام التشاور" الذي أحاط بتنظيم المناظرة، متسائلا عن "الإختيار الأحادي الجانب" ومتحدثا عن "الغموض و الأحكام المسبقة التي تم الصاقها بالأدوية المغربية".
نفس القلق أظهره عبد المجيد بلعيش، خبير محلل لسوق الصيدلة، حيث تماهى مع آراء المتدخلين محذرا من خطر "تدمير صناعة بُنِيَت في 60 سنة"، في ظل بقاء توصيات المناظرة الأولى "حبرا على ورق".
بوعزة والإصرار على تضارب المصالح
توالت الضربات القاضية على بوعزة، بعد أن شدد على أن المناظرة شكلت "نجاحا مبهرا" رغم غياب المسؤولين الحكوميين، خلافا لإجماع ضيوف البرنامج : حيت اتهمه بلعيش مباشرة بمحاولة جمع الأموال من صناعيي القطاع من أجل تنظيم الفعالية قائلا :"لقد طلبتم من الصناعيين ثلاثة ملايين درهما"، مضيفا أن المختبرات كانت ستكون عرضة للإنتقام إذا لم تنفذ هذا الطلب.
وأجاب بوعزة مستنكرا "هذا تشهير !"، قبل أن يتدخل سليم الكرمعي قائلا "لقد كنت موجودا اثناء انعقاد هذا اللقاء [بحضور عمر بوعزة].. وفي لحظة ما كنت على وشك المغادرة. هذا كل ما لذي لأقوله".
وقد أنكر مدير مديرية الدواء والصيدلة بشدة على أمواج لوكس راديو، أن يكون قد طلب أي شيء من الصناعيين، و لكن حسب معلومات استقاها لوديسك من أعضاء آخرين في الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية، فإن بوعزة قد أعرب فعلا عن طلبه خلال اجتماع انعقد في مقر الجمعية، و شهدت السعدية المتوكل بأنها تلقت بالخطأ رسالة حول الموضوع و هو ما لم يكذّبه بوعزة.
دفاعا عن نفسه، رد عمر بوعزة بأن الحدث كان ممولا بالكامل من طرف وزارة الصحة، لكن بالنظر إلى حضور ممثلين عن مراكز شراء إفريقية، فقد تم استئجار منصات لتكون "فضاءات مؤسساتية" للجمعيات الصناعية من أجل العرض و الترويج لعلاماتها التجارية وجعلها واجهة لأنشطتها "في إطار سياقي" معيّن. المشكلة أن تكليف مختبرات بالدفع من أجل فعالية منظمة من طرف الوزارة الوصية هو تضارب واضح للمصالح. "إذا كان الهدف فعلا هو الترويج للقطاع، فإن المنصات التي بلغت كلفتها 200 ألف درهم للوحدة كان يجب أن يتم منحها" حسب عضو في الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية.
وبعد علمه بوجود هذه المنهجية التجارية، فقد طرح النائب ابراهيمي سؤالا شفوية في البرلمان على أساس فاتورة موجهة إلى جمعية مقاولات الدواء، والتي حصل لوديسك على نسخة منها، مما دفع وزير الصحة الجديد أنس الدكالي إلى الأمر بإلغاء هذه المعاملة بعد ضجة في الصحافة.
في الواقع، ووفقا لأبحاثنا، فإن محاولة بوعزة لجعل الصناعيين يدفعون الأموال ليست وليدة الظرف وليست فعلا جديدا، بل هي "حالة عود" كما قال بلعيش على الهواء.
وخلال المناظرة الأولى سنة 2015، قام مدير مديرية الأدوية بنفس الشيء قبل أن يتدخل وزير الصحة آنذاك، الحسين الوردي، بإيقافه بعد صدور مقال في جريدة الأخبار يندد بالفعلة.
الدليل على ذلك هو رسالة موقعة من طرف علي السدراتي رئيس جمعية الصناعة الدوائية آنذاك، تشير بوضوح إلى التماس تقدم به بوعزة أثناء اجتماعات عُقدت مع الجمعية ووكالة "بوبليك إيفنتس بارثينون" التنظيمية مطالبا الصناعيين بمبلغ ثلاثة ملايين درهم "نظرا للحاجة إلى إنجاح هذه الفعالية".
إطفاء النار بأي ثمن
وفقا لمصادرنا، فإن بوعزة دعا بشدة الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية إلى إصدار بيان لتكذيب تصريحات بلعيش غداة اتهامه على لوكس راديو. وقد أرسلت هذه الأخيرة رسالة إلى بلعيش يوم 2 مارس و حصل لوديسك على نسخة منها، مطالبة إياه بعدم التعبير عن رأيه مستشهدا بالجمعية. "الأدلة على الطلبات المتكررة للأموال من أجل أغراض غامضة تجعل المختبرات تحت رحمة الإبتزاز، هي أدلة واضحة لا يمكن إنكارها"، حسب مصدر من قلب الجمعية، مضيفا أن "وجهة الأموال عبر شركات تنظيم الفعاليات لم يتم توضيحها بالمرة".
"من المستفيد من الجريمة؟"
"أتساءل ما هو الإطار القانوني الذي طلب بموجبه السيد بوعزة هذه المبالغ" يتساءل ابراهيمي. وحسب مصادرنا فإن ثلاث جمعيات من ضمنها الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية قد رفضت الطلب. و أشارت المتوكل متحدثة بإسم المجلس الجنوبي أن هذا الأخير كان قد قرر مقاطعة المناظرة. فقط جمعية مقاولات الدواء LEM التي تمثل شركات الصيدلة المتعددة الجنسيات الناشطة بالمغرب وافقت بشكل واضح على دفع مبلغ 200 ألف درهم حسب فاتورة صادرة يوم 31 يناير 2018 عن وكالة "أور ليميت" و التي تجدونها أدناه. "من المستفيد من الجريمة؟"، يتساءل أحد المهنيين الذي يشدد أنه لا يمكن لأي شركة وطنية أن تدعم مثل هذه المناظرة، التي تصب فقط في خانة المصالح الأجنبية المستفيدة من الوضع، و التي تخرق احكام القانون رقم 17.08 الذي يشترط على كل مؤسسة صيدلية أن تنتج محليا للحصول على ترخيص التسويق.
وحسب إبراهيمي، فإن المغرب ينتج 400 مليون علبة دواء مقابل طاقة انتاجية تصل إلى مليار علبة، بينما تضاءلت تغطية الحاجيات من 80 % إلى 54 % خلال بضع سنوات. و يشير عبد المجيد بلعيش إلى "تقويض للصناعة يسير عكس التوجيهات الملكية الداعية إلى التشغيل و الصناعة مما يهدد، على خلفية حراك الريف و أحداث جرادة، بإشعال النار في البلد !". و من جهته أشار الكرمعي إلى أن "المبدأ الأساسي القائل بأن ما يمكن تصنيعه محليا يجب أن يُصنّع محليا" لا يتم تشجيعه، خاصة و نحن نشهد هروبا للشركات متعددة الجنسيات نحو بلدان مجاورة كالجزائر، حيث يتم احترام هذا المبدأ بدقة متناهية. "من الطبيعي أن تقبل نفس هذه الشركات أن تمول مناظرة تتجاهل المواضيع الآنية التي تزعج، من أجل موضوع التزييف الذي هو ليس من أولوياتنا"، يقول أحد أعضاء جمعية الصناعة الصيدلية.
من يتأذى هو دور الدولة عبر سلطاتها الصحية، بانعدام التفتيش و المراقبة للفاعلين الأجانب، بينما تتم مراقبة الشركات المغربية بشكل ممنهج في الخارج، هو أمر يكبّل "الإستقلالية العلاجية" للمغرب حسب سليم الكرمعي. و بالتالي منافسة غير عادلة تضعف الصناعة المحلية "الخالقة لفرص الشغل والمدرة للمداخيل الضريبية و بصفة خاصة المساهِمة في تخفيف عجز الميزان التجاري". "أين هي الفائدة من وجود 20 إلى 40 منتجا متشابها على رفوف الصيدليات؟" يستنكر بلعيش.
في ظل هذا التسيير العشوائي لمجال الدواء بالمغرب، يستنكر بوعزة "هذا التضليل" قائلا أنه "يتحدى أي شخص أن يدلي بأرقام !" من دون أن يدلي هو بنفسه بأي أرقام، مكتفيا بالتذكير بأن وزارة الصحة وضعت "نظام معلومات بإمكانيات ملموسة"، بينما أشار النائب ابراهيمي إلى أن الصفحة التي توضح تفاصيل تصاريح تسويق الادوية على موقع مديرية الدواء "لا تزال قيد الإنشاء". وفي تدخله، أشار بلعيش أنه من المدهش أن يعترض عمر بوعزة على صحة احصائيات الإرتفاع المهول للواردات الدوائية المدرجة في القوانين والقوانين الفرعية والفصول الجمركية الصادرة عن مكتب الصرف.
وما كان من بوعزة إلا أن يتنصل من النقاش بأن حث الصناعيين على "إعادة تكييف نموذج أعمالهم"، وبالنسبة له فإن سبعا من عشر توصيات صدرت عن المناظرة الأولى "قد تم احترامها تماما"، وعند سؤاله عن ماهية هذه التوصيات، أجاب بجواب فضفاض : "الولوج إلى السوق الإفريقية، تقوية قدرات مكافحة التزييف، رسملة الخبرات.. ودعم الصناعيين لدى السلطات الإفريقية" مستشهدا على وجه الخصوص بمختبر فارما 5، مثيرا دهشة مديرة المختبر مريم لحلو الفيلالي : "أتساءل كيف بالضبط ساعدنا السيد بوعزة في الكوتديفوار، إذا كان قد فعل دون إعلامنا فإني قد علمت بهذا اللحظة، لأننا خلال إجراءاتنا و اجتماعاتنا، لم يكن لدينا دعم إلا من طرف الإتحاد العام لمقاولات المغرب والتجاري وفابنك". و أضافت : "من ناحية أخرى، لدينا أكثر من 100 تصريح تسويقي للتصدير تنتظر التجديد لدى مديرية الدواء و الصيدلة وبعضها ينتظر التجديد منذ سبع سنوات، مما يشكل لنا عائقا مؤذيا يقوّض انفتاحنا و توسعنا التجاري في حين أننا ملتزمون بشدة بالسوق الإفريقية"..
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.