عمليات داعش في إفريقيا وآسيا « نحو البحث عن المزيد من التمدد والتواجد »
أعلنت داعش مساء اليوم الخميس (28 دجنبر 2017)، عن مسؤوليتها على الانفجار الدامي الذي شهده مكتب تابع لوكالة أنباء "فويس" الأفغانية غرب العاصمة كابول، والذي أسفر لحد الآن عن سقوط ما يزيد عن 40 قتيلا، هجوم يدخل في سياق هجمات بدأها التنظيم منذ بداية هجمات التحالف عليه، ومست أرجاء عديدة في بقاع الأرض، حيث يقف المتتبع لنشاط الحركات المسلحة خاصة المرتبطة بتنظيم داعش على تمدد أنشطتها صوب مناطق خارج الأراضي السورية-العراقية، إذ شهدت الفترة المنصرمة ازديادا كبيرا في العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم وأذرعه والمتعاطفين معه، خارج مناطق نفوذ التنظيم خاصة في إفريقيا وآسيا.
وإذا كان هذا الأمر قد جاء أساسا للتخفيف من وطأة الهجوم الذي يعاني منه المركز –تنظيم داعش بالشام والعراق- والذي يكاد أن يفقد وجوده فيه، باستثناء بعض المواقع القليلة هنا وهناك، بيد أنه ينبيء من جهة أخرى عن تحول على المستوى الاستراتيجي للحركات المتطرفة، يروم تحقيق أهداف عديدة، ولمحاولة فهمها لابد أن نتوقف عند العناصر المشتركة بين الدول التي شهدت عمليات لداعش، خاصة تلك التي تشهد وجود تنظيمات بايعت او ارتبطت بشكل أو بآخر بالتنظيم.
بنيات مشتركة
بالرغم من تباين المستوى الاقتصادي والسياسي للدول المستهدفة بالعمليات الإرهابية في إفريقيا وآسيا، إلا أننا نجد تشابها في بعض بيناتها، من ذلك أساسا، التنوع البشري الذي يطبع معظم الدول التي تركزت فيها هجمات هذه التنظيمات، والتي تتضمن تركيبات بشرية غير منسجمة، وبإثنيات متعددة ومختلفة، وعادة مع تعرف حدوث توترات فيما بينها، أو صعود نزعات متطرفة أو شوفينية عرقية بالخصوص، إضافة إلى وجود مناطق داخل هذه البلدان تسود فيها تفسيرات تقليدية –إن لم نقل جامدة وحرفية- للنصوص الدينية، وارتفاع نسب الفقر والجهل والأمية، ووجود صراعات ومشاكل واحتقانات اجتماعية وسياسية.
هذا المناخ يشكل الحاضنة الرئيسية لنمو الحركات المتطرفة، خاصة في ظل سيادة فكرة "المظلومية والاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون في العديد من الأماكن"، واللعب على وتر الضحية والترويج له، وهو ما تجيده الحركات المتطرفة وتستعمل في ذلك أساليب عدة بدءا من النصوص التراثية وصولا إلى التقنيات الفنية والخطابية.
بالإضافة لهذا، فثمة عامل آخر لا يقل أهمية، وهو أن أغلب هذه المناطق تتواجد في مواقع جيو-استراتجية مهمة، ما يجعل السيطرة عليها أو على الأقل جعلها في مرمى هدف الحركات المتطرفة، وسيلة أساسية للضغط والتفاوض في مواجهة الحرب الضروس التي تعرفها الحركات المتطرفة، كما أنها وسيلة أساسية للفت الانتباه والتواجد الإعلامي الذي يسهم أحيانا دون قصد في التضخيم منها.
بحثا عن الانتشار الجهادي
يواجه تنظيم داعش وباقي التنظيمات المتطرفة منذ مدة حربا مفتوحة وجهت له ضربات قاسية، وأسفرت عن تقلص مساحات الأراضي التي يسيطر عليها، هذا ما جعله يتجه إلى أسلوب الحرب المفتوحة، وذلك للتخفيف من الضغط على المركز وترك الفرصة للتنظيم لإعادة استجماع قواه عبر ضرب الدول المشاركة في الحلف على الارهاب، داخلها كنوع من العقاب وكخلط للأوراق عليها، ومنع انخراطها الفعلي في هذه الحرب المفتوحة.
ومن جهة اخرى لتشتيت الانتباه عن مركز داعش، أو البحث عن مواقع أخرى، حيث تعد حاليا منطقة الساحل الافريقي وعدد من البؤر الأسيوية هي المكان الأفضل لإعادة التجمع، ومن جهة ثالثة، فهي أداة للاستقطاب أيضا وتكوين المزيد من الخلايا عبر الحضور الدائم في واجهة الحدث، وفي رقعة جغرافية ممتدة، ما يفتح المجال للعب على الوتر النفسي لضعاف النفوس والمتأثرين بالخطاب الجهادي، لتسهيل استقطابهم للحركات المتطرفة، بصيغة أخرى يجوز الحديث عن نوع من أنواع التسويق للحركات الجهادية.
دار الإسلام/دار الحرب
تجد الحركات المتطرفة سندها في التقسيم التقليدي الذي أصلت له الأدبيات الفقهية التقليدية للأرض إلى دارين، دار الإسلام ودار الحرب، وهو ما يشكل عاملا من عوامل ضفاء الشرعية على وجود التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة، التي ترفع شعار تظهير دار الإسلام، وبالتالي تصبح كل رقعة غير خاضعة للتنظيم دار حرب، يجوز أن تكون هدفا لعمليات التنظيمات المسلحة، ويصبح التنظيم هو الممثل لدار الإسلام، والمدافع عن حياضها ووحدة بيضتها، ما يعتبر عاملا نفسيا يساعد التنظيم على الحياة والتمدد، رغم الانتكاسات التي يمنى بها ميدانيا، باستحضارنا لأهمية الجانب النفسي ودوره عند هذه الحركات.
العمليات الانتحارية والجانب النفسي
يقودنا الحديث عن العامل النفسي إلى التساؤل حول دلالة اختيار تنويع أدوات تنفيذ العمليات الانتحارية والإرهابية والتركيز في البلدان الآسيوية والإفريقية على عمليات التفجير الذاتي، ولمحاولة الإجابة لا بد أن نستحضر، أنه بحكم طبيعة التنظيم، وغياب تدريب عسكري حقيقي لأغلب المنتمين والمتعاطفين معه، فإن أسلوب تفجير الذات، يظل الأسلوب السهل أمام المنتمين إليه هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإنه أسلوب قوي يحفل بالرسائل حيث أنه يخلط الأوراق أمام الدول –المقصودة بالعمليات- ويجعل كل فرد هو انتحاري مفترض، ما يزيد من الضغط على الأجهزة الأمنية والاعلامية...الخ، وهو ضغط تكون له تبعاته على المستوى الاقتصادي والسياسي والقبلي والإثني، ويزيد من إفراز وضع محتقن تستفيد منه داعش بدرجة أولي وأساسية.
نقول بصيغة أخرى، بأن طبيعة تعاطي الدول مع العمليات الانتحارية ومع التهديدات الأمنية، تشكل وقودا لداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة، تتغذى منه بسبب الأخطاء التدبيرية التي تسقط فيها كثير من الدول، وتوفر عن دون قصد بيئات حاضنة لنمو الحركات المتطرفة وتمددها، وتصبح من حيث لا تدري – أو تدري- عنصرا مسهما في تغذيتها.
من جهة ثالثة، فإن العمليات الانتحارية التي يقوم بها التنظيم وأذرعه، تستحضر دعائيا ونفسيا فكرة الشهادة، الذي يعتبر قطب الرحى في المفاهيم المؤطرة لتفكير الحركات الإسلامية المتطرفة، وإعادة استثمار هذا المفهوم بكل ما يرتبط به في المخيال المسلم من ثواب وجزاء (الحور العين، نعيم الآخرة...الخ) ما يشكل أداة دعائية متميزة للتنظيمات المتطرفة.
ويكفي هنا أن نتأمل البيانات التي يدبجها تنظيم داعش، عقب حدوث عمليات انتحارية، وكيف أنه يستغل وثر الثواب الإلهي...الخ كوسيلة للترغيب والتهديد، في تجاهل مطلق لغايات ومقاصد النصوص الدينية، والنهل من الأدبيات التراثية وهي المادة الحاضنة للتطرف، وهذا ما يقتضي الدخول في مواجهة حقيقية مع الأسس الفكرية للحركات الإسلامية المتطرفة.
من أجل البقاء
وأخيرا، نخلص إلى أن العمليات الانتحارية التي قام ويقوم بها تنظيم داعش مؤخرا في افريقيا وآسيا، لم تأت إلا محاولة للتخفيف من الضغط عليه بسبب الضربات التي تلقاها مؤخرا، وأيضا كأداة للاستقطاب والتواجد الإعلامي الذي يشكل أداة للتواجد السياسي مما قد يتيح له الضغط والتفاوض من أجل البقاء والتمدد، أو البحث عن إعادة التواجد في منطقة أخرى بنفس الشكل والقوة اللذين ظهر بهما قبل حوالي أربع سنوات.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.