S'abonner
Se connecter
logo du site ledesk
بالعربية
مختارات لوديسك بالعربية

Connectez-vous

Mot de passe oublié ?

Abonnez-vous !

Découvrez l'offre de lancement du Desk

60 DH
1 mois
Découvrir les offres
16.12.2017 à 21 H 57 • Mis à jour le 16.12.2017 à 21 H 57 • Temps de lecture : 1 minutes
Par

قصة الإسراء والمعراج: صراعات المنكرين والمؤيدين، والتاريخ في مواجهة الخرافة

تحظى مناسبة الإسراء والمعراج بتقديس خاص عند المسلمين، فهي رحلة خاضها النبي محمد وترتّبت عليها تطورات جذرية في العقيدة الإسلامية كما نعرفها الآن، كان على رأسها فرض الصلاة، ولقاؤه بالأنبياء ثم صعوده إلى سدرة المنتهى وكلامه مع الله، ويستند الفقهاء في التأكيد على واقعة الإسراء والمعراج في الإسلام على ما ورد في مستهل سورة الإسراء، والتي جاء فيها "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".


غير أن الفترة الاخيرة، ستعرف تعالي أصوات تنتقد قصة الإسراء والمعراج وتشكك في حدوثها، على الشكل الذي تصفه الروايات الفقهية والذي تمتليء به الكتب التراثية، ويعضد منكرو الإسراء والمعراج رأيهم بمجموعة من الشواهد الدينية والتاريخية والعلمية، كان من أبرز هؤلاء الباحث المغربي "مصطفى بوهندي" والمصري "يوسف زيدان" والسوري "محمد شحرور" وغيرهم ممن أشهرت في وجههم أوراق التكفير والاتهام بإنكار معلوم من الدين بالضرورة.


في هذا التقرير نرصد أبرز ملامح الخلاف بين المؤيدين والمعارضين لحدوث الإسراء والمعراج، وحجج كل طرف ونتتبع مسارها عبر التاريخ :

 

اختلافات وتشكيكات


رغم ما يبدو من إجماع على واقعة الاسراء والمعراج، فإن نصوص القدماء والمحدثين تميط اللثام عن شكوك وتساؤلات تجاهها، يدل على ذلك إفراد عدد من المفسرين والفقهاء حيزا هاما للرد على منكريها أو منكري بعض من تفاصيلها. كثرة هذه الردود وحدتها التي وصلت إلى تكفير واهدار دم المخالفين تدل على حدة التساؤلات التي كانت ترافق هذه القصة، خاصة أن النص القرآني لم يحدثنا في سورة الإسراء إلا عن عملية الإسراء دون المعراج وبشكل غامض وملتبس، كما ورد في السورة الاولى  من سورة الإسراء والتي كانت تعرف أيضا باسم سورة "بني اسرائيل".


في مقابل هذا الإيجاز القرآني في "معجزة مهمة ومبهرة"، نجد النصوص الحديثية تفيض بتفاصيل دقيقة وغريبة تتحدى المنطق، كالبراق وأجنحته الممتدة والحلقة التي ربط بها في الأقصى، وشق صدر النبي، وتخيير جبرائيل للنبي بين الخمر واللبن، وصلاة النبي بالرسل والأنبياء في باحة المسجد الأقصى –الذي لم يكن قد شيد بعد آنذاك- ومشاهدات النبي أثناء عروجه في السماوات للمعذبين في النار والمنعمين بالجنان، وغيرها من التفاصيل التي يتمسك بها السلفيون ورجال الدين التقليديين، ويعتبرون الإيمان بها واجبا دون مناقشة، لأنه بحسب ما يقول الشعرواي في كتابه “الإسراء والمعراج” : “حين يجيء النص القرآني بحدث .. فليس لنا إلا نؤمن به لأنه ورد من الله سبحانه وتعالى .. وليس لعقولنا القاصرة أن تبحث البحث الجاري في قوانين الأرض”، يتجاوز الشعراوي هنا على نهي النبي على تدوين الحديث عنه، كما ورد عنه قوله "لا تكتبوا عنى غير القرآن، ومن كتب شيئاً فليمحه"، واقرار عدد من العلماء أن الحديث النبوى مهما وصل به « الإسناد » واتصال الرواة، إلى درجة الصحة، فإن ذلك لا يعنى أنه يقين الصدق وإنما هو مظنون بصدقه.


هكذا إذا، يقفز الشعراوي على هذا، ويطلب التسليم بكل ما ورد في قصة الاسراء والمعراج، بمجرد ورود كلمة الاسراء في الآية الأولى من سورة بني اسرائيل، دون أن يقدم إجابة عن سبب هذا الاختصار القراني الذي جعل عددا من المفكرين والباحثين يرفضونها أو يشككون بها، حيث إعتبرها المفكر الإسلامي محمد شحرور مجرد بهارات أضيفت للقصة، في سياق الإسرائيليات التي دخلت إلى الثقافة العربية الاسلامية.


هذا المعطى يؤكده د.مصطفى بوهندي في مقال له حول الإسراء والمعراج، لافتا الانتباه إلى أن الروايات الحديثية تضاربت فيما بينها في تفاصيل الإسراء والمعراج تضاربا شديدا، إذ انفردت كل رواية بما لا يوجد في غيرها، غير أنها في الوقت ذاته اتفقت مع التفاصيل الواردة في التلمود والهجادة والمدراش اليهودي، وهو ما يدل بحسبه على مصدريته لها.


أما الباحث يوسف زيدان، والذي كان قد فجر نقاشا كبيرا منذ سنة ونيف عبر سلسلة مقالات أنكر فيها معجزة الإسراء والمعراج، فقد تساءل في إحداها عن سبب سكوت القرآن عن التفاصيل في معجزة الإسراء والمعراج، رغم تفصيله في معجزات الأنبياء الآخرين بالتفصيل كقصة « يونس فى بطن الحوت، ناقة صالح، أهل الكهف، معجزات عيسى بن مريم، وموسى بن عمران وغيرها من الكرامات والخوارق المبهرة التى ذكرها القرآن بوضوح وتصريح تام لا يدع مجالاً لتشكيك أو تأويل بعيد” .


لا تقدم المنظومة الفقهية التقليدية أي إجابة عن هذا السؤال، إذ تنطلق من كون السنة مكملة للقرآن، وبالتالي فالتصديق بها واجب وإن تضاربت الروايات أو تناقضت، وإن سكت عنها النص القرآني، ويتم إشهار ورقة التشكيك في السنة ومحاولة هدمها، وانكار المعلوم من الضرورة في وجه كل من يصر على طرح التناقض بين الايجاز القراني والتفصيل الحديثي، بيد أن ذلك لا يوقف تناسل الأسئلة فحتى إذا جرى التسليم بأن الحديث مكمل للقرآن فإن عددا من منكري القصة يتساءلون عن سبب استثار المعجزة، إذ أن جميع معجزات الأنبياء كانت علنية بغرض إثباث صدق الدعوة وإقناع الخصوم، ولكن في حالة الإسراء والمعراج، فإن هذه "المعجزة" جرت ليلا في غياب شهود عيان، وفي غياب تفصيل قرآني رغم أنه كثيرا ما فصل في قصص تخص حياة النبي الشخصية كواقعة زواجه من زينب بنت جحش زوجة ابنه بالتبني، أو حادثة الإفك التي اتهمت فيها السيدة عائشة بالزنا...الخ، بمعنى أن المنطق المؤطر للمعجزة قرآنيا يغيب في الإسراء والمعراج.


مرة أخرى لا يقدم الفقه التقليدي أي إجابات على هذه التساؤلات، باستثناء بعض المحاولات من قبيل أن معجزة الإسراء والمعراج، وما رافقها من معجزات كشق الصدر وركوب البراق والصلاة بالأنبياء...الخ، كانت كلها لتعزية النبى محمد « صلعم » بعد وفاة زوجته خديجة وعمه عبدالمطلب وعودته خائبا من رحلة الطائف حيث تعرض للطرد والضرب عندما كان يدعوهم للإسلام، هذه المحاولات تثير جملة إعتراضات ذلك أن  السلوان أمر قلبي والله يُنزل السكينة فى القلوب بطرائقه الخفية، لا بالوقائع الغرائبية والغيبية المنافية للعقل بل وحتى لنص القرآن.


من المسرى به وإلى أين؟


من بين الإعتراضات التي يواجه به منكروا الاسراء والمعراج الفقه التقليدي، اعتراضات على الشخص المسرى به، إذ ذهبت بعض الآراء إلى اعتبار أن الحديث في سورة الإسراء (سورة بني إسرائيل) كان عن موسى بن عمران حيث أعقب الكلام عنه الآية الأولى من سورة الاسراء، وتتابع الحديث عنه وعن بني اسرائيل في عشر آيات متتابعة، ويستدل يوسف زيدان على فرضيته هذه بكون الإسراء بالليل ورد في القران مقترنا بموسى في عدد من المواضع والآيات، وأن الآية الثانية من سورة الإسراء أحالت عليه مباشرة، تأكيدا على أنه المقصود بالإسراء.


فيما يذهب آخرون في مقدمتهم د.مصطفى بوهندي إلى أن المسرى به هو الرسول محمد، وأن الإسراء في القرآن له معنى خاص عكس ما حاولت الروايات الحديثية تصويره، إذ أنه ارتبط بالفرار والتخفي ليلا من العدو المحدق بالمسرى به سواء كان فردا أو جماعة، ويحيل بوهندي على مجموعة من الآيات القرانية التي ورد بها بهذا المعنى من ذلك، مثلا ما ورد بخصوص النبي لوط في سورة هود : "قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا اليك فاسر باهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امراتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" أو في سورة الحجر :"فاسر باهلك بقطع من الليل واتبع ادبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون". أو ما ورد بخصوص موسى وقومه مع فرعون كما في سورة طه "ولقد أوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى" أو في سورة الشعراء : "وأوحينا إلى موسى ان اسر بعبادي انكم متبعون". أو في سورة الدخان : "فاسر بعبادي ليلا انكم متبعون".

ويخلص بوهندي إلى أن الإسراء بالعباد ليلا هو من نصر الله لعباده وإنجائه لهم من بطش الظالمين، وبالتالي فإن المقصود بالإسراء هو هجرة النبي من مكة إلى يثرب (المدينة) والانتقال نحو مرحلة الانتشار والتوسع.


إسراء إلى مسجد لم يكن 


تثير اجتهادات بوهندي وزيدان وغيرهما جملة إعتراضات، خاصة فيما يتعلق بتنصيص الآية المستهلة  لسورة الإسراء على البيت الحرام والبيت الأقصى، غير أنهم يردون بضرورة إعادة قراءة معنى الأقصى والأدنى في القرآن،  من هذا ما يطرحه يوسف زيدان حول ضرورة الإنتباه إلى أن فلسطين وصفت في أول سورة الروم بأنها أدنى الأرض، عندما ورد فيها : « غلبت الروم فى أدنى الأرض » فكيف يعقل أن يجتمع الضدان الأقصى والأدنى وكيف يعقل أن يكون المسجد الأقصى في أدنى الأرض؟ كما أن صيغة « أفعل » التى منها كلمة « أقصى » لا تكون إلا عند المقارنة، فالأقصى يستدعى الأدنى ولا يكون الموضع « أقصى » إلا إذا كان هناك موضع أدنى، وهذا ما لا يمكن أن يتم بحسب يوسف زيدان إلا  في منطقة تعرف مواضع تقديس كثيرة، ما ينطبق على سيناء « الوادى المقدس » وعلى ما حول الطائف التى كانت أهم موضع لعبادة « اللات » المعبودة الأشهر عند العرب، معضدا كلامه بكون كلمة  مسجد وباتفاق العلماء والفقهاء لها معنيان يعني أحدها مكان صلاة المسلمين، ويعني الآخر أي مكان التقديس وإظهار التبجيل، كما أن القرآن المكي يشير إلى الحرم المكي بقوله « البيت » أو « البيت العتيق » ولم يحمل إسم المسجد الحرام إلا بعد الهجرة صوب المدينة، ويستدل في ذلك على الآيات القرانية التي ورد فيها المسجد وسياقاتها إضافة إلى أن الكعبة آنذاك لم تكن قبلة المسلمين، ليتساءل كيف يكون الإسراء من مكة، فى وقت لم يكن فيه البيت العتيق « الكعبة » « قبلة » للمسلمين.


في ذات السياق، وفي محاولة لتحديد معنى الأقصى، ينطلق بوهندي من أن المسجد الأقصى المراد في الآية، كان مسجدا قائما على العهد النبوي بيثرب قبل هجرة الرسول إليها، وكان حدث الهجرة هو الإسراء بالنبي من مكة إلى المدينة، أو بتعبير الآية من المسجد الحرام بمكة، إلى المسجد الأقصى بالمدينة؛ وليس المسجد الأقصى ببيت المقدس، مواصلا قراءته الخاصة للإسراء، معتبرا أن حدث الهجرة هو أعظم ما حدث في الإسلام، حيث أسرى الله بالرسول ونصره ونشر دينه، وأراه من آيات ربه ما شرح صدره.


عند تنقيبنا في كتب التراث الإسلامي، نصطدم بكون المسجد الأقصى لم يكن مشيدا زمن الرسول، حيث أورد ابن كثير في كتابه البداية والنهاية نصا جاء فيه "قال صاحب مرآة الزمان : وفيها ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس، وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين ، وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة، وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناسب مكة، وينال من عبد الملك، ويذكر مساوئ بني مروان، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وإنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحا، فمال معظم أهل الشام إليه، وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى  ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه باب تشنيع ابن الزبير عليه ، فكان يشنع عليه بمكة ويقول ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى والخضراء كما فعل معاوية، ونقل الطواف من بيت الله إلى قبلة بني إسرائيل، ونحو ذلك".


يجعلنا هذا النص نقف على تاريخ بناء المسجد الأقصى، والدواعي السياسية التي دعت إلى بنائه، كما أن المسلمين آنذاك لم يكونوا قد دخلوا إلى الشام فبالأحرى فلسطين، وبرغم محاولات بعض الفقهاء القول أن آثار بيت المقدس كانت باقية، بيد أن التفسيرات التي يتم تقديمها تتهاوى مع عدد من المعطيات التاريخية، من أبرزها دخول عمر بن الخطاب لإلياء التي ستصبح في مرحلة لاحقة القدس، والصلاة في ساحة عامة عوضا عن الصلاة في مكان بيت المقدس كما يفترض في حالة وجوده، والذي لا تسعف كل الأدلة الأركيولوجية في الكشف عنه لحد الآن وتأكيد فرضية وجوده.


من هنا إذا يجنح الباحثون منكري الإسراء والمعراج، إلى أن هذه القصة كانت من اختلاق الأمويين، عندما لجؤوا إلى بناء المسجد الأقصى، واختلاق الأساطير حوله وجعله مضاهيا لمكة وللمسجد النبوي تبريرا لقرارهم منع الناس من الحج، حسبما أخبرنا ابن كثير في النص الذي أوردناه سابقا، وذلك بسبب الثورة المشتعلة في مكة والمدينة، والتي كان عليها طلحة والزبير بن العوام ثم عبدالله بن الزبير، ولم ينتهي منع الناس من الحج وتوجيههم إلى القدس، إلا بعد أن تم ضرب الكعبة بالمنجنيق وهدمها ثم إعادة بنائها على يد الحجاج بين يوسف الثقفي واخماد الثورة التي كانت مشتعلة فيها بعدما تم قتل الصحابي عبد الله بن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة سنة 73 هجرية.


معراج عند ديانات أخرى


بحسب منكري الإسراء والمعراج، فإن العامل السياسي الممثل في محاولة إضفاء الشرعية على المسجد الأقصى، التقى مع الدعاية التي كان يقوم بها "جهاز القصاصين"، وهم الذين كانوا يقصون القصص على المصليين في المساجد لشرعنة حكم بني أمية، ويعتمدون في ذلك على المرويات الإسرائيلية والتراث ما قبل إسلامي، ليقدموا لنا قصة الإسراء والمعراج في صيغتها -أو الأصح صيغها- الحالية، والتي تتشابه في كثير من تفصيلاتها مع التراث ما قبل إسلامي.


ذلك أن فكرة العروج إلى السماء شكلت واحدة من الأفكار الملازمة للتاريخ الديني، إذ وردت في كثير من الديانات قصص تشابه المعراج، حيث نجد في المصادر اليهودية معارج متعددة، لإنوخ وأخنوخ وإبراهيم وإيليا وموسى وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل، بعضهم طاف حول العالم ليرى أحوال الناس وأعمالهم، ورأى معظم أنبياء اليهود العرش الإلهى والسيرافيم والكاروبيم ومجاميع الملائك... من ذلك مثلا ما زرد من أن إيليا النبى "مار إلياس" بعد أن قتل كهنة الأوثان أرسل الله له مركبه نارية يقودها ملائكة  أخذته إلى السماء.


كما وردت في بعض الأناجيل المسيحية غير الرسمية ككتاب  « عهد إبرهيم » وكتاب  « رؤيا بولس »، حيث ورد في كتاب « عهد إبراهيم » أن إبراهيم عرج بمعية أحد رؤساء الملائكة إلى السماء وشاهد كل ما فيها، أما كتاب « رؤيا بولس » فقد ورد فيه أن بولس الرسول عرج كذلك.


ولا يقتصر الأمر عند الديانات الإبراهيمية بل نجد فكرة العروج ضاربة أطنابها في التاريخ الديني، خاصة الديانة الزرادشتية التي نقف فيها على تشابهات كثيرة مع قصة الاسراء والمعراج في نسختها الإسلامية، من ذلك مثلا معراج القديس "أردا فيراف"، الذي وقع عليه الاختيار من الله بسبب استقامته وحسن سيره فيأتي روح القديس "ساروش" رفقة الملاك "أدار" ليأخذاه في رحلة للسماوات، ليخبر المؤمنين بما رأى، حيث مر بسكان السماء وشاهد حياتهم الأبدية المنعمة. ولا تعد هذه قصة المعراج الوحيدة في الديانة الزرادشتية إذ تحفل بقصص معراج أخرى كمعراج "زرادشت" إلى السماء حيث طاف بالجحيم وقابل "أهيرمان" الشيطان.


فكرة المعراج تتجاوز الديانات ذات الطابع التوحيدي، حيث نجدها في الديانات التعددية (الوثنية)، كما وردت في أسطورة الملك "إيتانا البابلية"، الذي اصطفته الآلهة ليحكم شعبه بالعدل وهو ما تم له، غير أنه اغتم كون زوجته لم تنجب له وريثا، ما جعل ملكه مهددا، فطلبت منه الآلهة أن يصعد للسماء على ظهر نسر مارق، ليصل إلى نبتة الولادة ويحضرها للأرض ليظفر بوريث عرشه، وهو ما تم ورزق ايتانا بابن له، كما توجد نظائر للمعراج في الديانات الهندية القديمة،  كرحلة « أرجنة » التي وصل فيها إلى السماء وشاهد كل شيء فيها.


خلافات داخل المنظومة الفقهية التقليدية


أمام حدة الأسئلة المطروحة على المنظومة الفقهية التقليدية، فإن هذه الأخيرة تتمسك بالنصوص الحديثية في مواجهة كل هذه التساؤلات، مشهرة ورقة الكفر ومحاولة هدم الدين والعمالة وغيرها من التهم التي دأب الفقهاء التقليديون على وصف خصومهم بها، لكن هذه المنظومة النصية التي يتشبت بها الفقهاء ويعتبرونها مصدر الحقيقة المطلقة، وبغض النظر عن الموقف منها، ومن تاريخيتها -باعتبار أن عملية جمع الحديث النبوي تمت بعد أكثر من قرن من الزمان على وفاة الرسول وغيرها من الاعتراضات- فإنها نفسها تحفل بالتناقضات والتضاربات فيما بينها، حيث تمتليء كتب التفسير، وأمهات الكتب الدينية بروايات متضاربة متناقضة، إذ اختلفوا حول زمن وقوعها حتى أن الحافظ ابن حجر العسقلاني، عد أكثر من عشرة أقوال قيلت فيها، فمنهم من جعلها قبل البعثة، ومن جعلها بعد الهجرة، وبعضها قال قبلها بخمس أو ست، أو بسنة و شهرين..


إضافة إلى اختلافها في تحديد زمان الحادثة بالضبط، فقد اختلفت المنظومة الفقهية التقليدية في تحديد المكان الذي انطلق منه الإسراء والمعراج، فنجد بعض الروايات تقول أن الرسول كان في بيت أم هانىء بنت أبي طالب، وهي ابنة عمه التي كان قد سبق أن تقدم للزواج منها غير أن أبو طالب رفض طلبه وزوجها لهبيرة، وقيل أيضا، أن النبي كان يتوسد بردة في ظل الكعبة خلال هذه الليلة، وروايات أخرى قالت أنه كان نائماً في بيته.


أما جوهر الاختلاف في روايات الإسراء والمعراج، فكان في طبيعته، وهل تم بالروح؟ أم بالروح والجسد؟ بل إن هناك من قال أنها كانت مجرد رؤيا، مستندا على ما ورد في الآية 60 من سورة الإسراء "وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ"، هذا عدا أن كل رواية انفردت بذكر أحداث لم تذكرها الروايات الأخرى.


الاسراء والمعراج  : الشجرة التي تخفي الغابة


باستقراء قصة الإسراء والمعراج عند مؤيديها ومنكريها، نقف على أن الأمر يتعلق باتجاهيين متوازيين، اتجاه تقليدي ينطلق من كون الحادثة وقعت فعلا، رغم التناقضات والتضاربات الموجودة في الروايات، ورغم الأسئلة المؤرقة التي يطرحها منكري الحدث، إلا أن المنظومة التقليدية تشترط التسليم الكامل بها لأنها من الخوارق. واتجاه منكري الإسراء والمعراج، المنطلق من فكرة أن القصة تم تلفيقها تاريخيا على ضوء الصراعات السياسية التي كانت على أشدها خاصة خلال الفترة الأموية،  وجرى استثمار موروث الحضارات السابقة قبل الفترة الإسلامية لصياغتها، وأنها لا تمت لروح النص القراني بشيء، ومن خلال طبيعة التجاذبات التي يتخذها نقاش هذا الموضوع، نقف على حقيقة أن قصة الإسراء والمعراج بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، فأما الشجرة فهي القصة، وأما الغابة فهي طبيعة التعاطي مع النصوص التراثية، وإعادة قرائتها على ضوء المناهج المعاصرة والحديثة.

©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.