قضية منطقة التبادل الحر القارية الافريقية: مزوار على المحك مع جمعية المصدرين المغاربة

إنها قضية "مضخمة"، و"أمور لا يصدقها عقل"، بهذه العبارات وصف صلاح الدين مزوار، ردود الأفعال التي تلت تصريحات محمد لعزيز القادري، رئيس لجنة الديبلوماسية الاقتصادية الافريقية، جنوب - جنوب، بالاتحاد المغربي للمقاولات، لموقع 360، اعتبرتها جهات عليا تصريحات "غير مناسبة وفي غير محلها"، إذ عبر خلالها القادري عن تحفظه حول منطقة التبادل الحر الافريقية وذلك باسم الباطرونا..
وهو موقف، حسب مصادرنا، كان له صدى كبير داخل دهاليز السلطة بالرباط، ولكن الرئيس مزوار حاول التقزيم من حجمه، وتبعاته الكارثية خلال الندوة الصحافية التي نظمت بشكل مستعجل، في 18 من يوليوز، بمقر الاتحاد العام لمقاولات المغرب وذلك إثر استقالة نائب المدير العام فيصل مكوار.
"زلة بسيطة" حسب مزوار
ولأجل اخماد هذه القضية التي نجهل تبعاتها الديبلوماسية، أعلن مزوار ببساطة أنه "تم وضع النقاط على الحروف مع المعني بالأمر حول تصريحاته"، التي وصفها "بوجهة نظر شخصية"، بحكم أن "المواقف الرسمية للاتحاد العام لمقاولات المغرب، حول مختلف القضايا يعبر عنها رئيس الاتحاد ونائبه " حسب هذا الأخير.
وإذا كان مزوار قد حذر من أولائك الذين سيحاولون استغلال هذه "الهفوة التواصلية"، فإنه تجنب البوح بأن الأزمة ليست فقط إعلامية ولكنها سياسية، لدرجة ان جمعية المستوردين المغاربة نددت وعبرت عن "عدم اتفاقها التام" مع تصريحات القادري "التي عبر عنها باسم القطاع الخاص، دون استشارة من الجهات التي انتدبته وخاصة جمعية المستوردين المغاربة ".
اتهامات جمعية المستوردين المغاربة التي تضمنتها رسالة رسمية بتاريخ 12 يوليوز، موجهة الى مزوار وبعثت نسخة منها الى رئيس الحكومة.
وفي هذه الرسالة من صفحتين والموقعة من قبل رئيس الجمعية، حسن سنتيسي الادريسي، والتي تمكن لوديسك من الوقوف على محتواها، يقول لوبي المصدرين أنه "علم بدهشة وأسف (...) التحفظات التي تم التعبير عنها من قبل الاتحاد العام لمقاولات المغرب حول منطقة التبادل الحر، الذي دخل قيد التنفيذ في 30 ماي 2019، والذي تم اعطاء انطلاقة مرحلته العملية بنيامي، خلال المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الافريقي".
"لن يخفى عليكم أن هذه التصريحات يمكن أن تكون محط عدة تأويلات مسيئة للإنتاج والمردودية، ويمكن أن تكون لها تبعات سياسية، إذا ما استغلت قبل الجهات المناهضة لهذا المشروع، ولريادة المغرب منذ عودته الى الاتحاد الافريقي". وتقول المذكرة أن "المغرب دافع منذ بداية المفاوضات حول اتفاقية التبادل الحر القاري الافريقي بشدة على ما سيضيفه إلى القارة السمراء".
وتضيف جمعية المصدرين أنه حسب الأرقام المتوقعة فإن منطقة التبادل الحر "ستسمح بفتح سوق داخلي يضم 1,2 مليار مستهلك، بناتج اجمالي مكون من 300 مليار دولار من الأصول والممتلكات والخدمات التي تنتجها القارة (...) وهي فرصة لأجل دعم قطاعنا الخاص الوطني في وقت تضعف فيه الوضعية الجيوسياسية عدة اقتصادات وتعيد تحديد وبناء نظام التجارة العالمي".
وهكذا تجد الجمعية نفسها "مرتبكة أمام مبادرة الاتحاد المحرجة والتي تم الاعلان عنها في وقت كانت فيه السلطات المعنية، وخاصة وزارة الصناعة منكبة على وضع الاستراتيجية الجديدة للتجارة، والتي تم التناقش حولها بالمنتدى المغربي حول التجارة في 24 و25 ابريل 2019 بمراكش، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس(...)".
جمعية المصدرين المغاربة تطالب مزوار "بإصلاح " الوضع
ولقد أكدت الجمعية في رسالتها على أن "القطاع الخاص يجب ألا يقوم بأية مبادرة على المستوى القطاع العام وهو أمر يمكن أن يكون له انعكاسات وامتدادات سياسية : وأكدت أنه لكل دوره". كما نادت القطاع إلى إعادة التفكير في حكامتها، واعادة تحديد دور الفاعلين في الاتحاد وبالجمعية مصدرين المغاربة وبفديرالية الغرف المغربية للتجارة والصناعة والخدمات، في منحى يروم "توزيع وتحديد (...) دور كل واحد منها".
وطالبت الجمعية صلاح الدين مزوار ب"توضيح واصلاح" هذه "المبادرة المؤسفة" وأعلنت أن "المشكل الذي تولد عن هذه الوضعية يتطلب إصلاحا"، وهو ما تم عرضه على مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة، خلال منتدى مراكش.
وهكذا قام مزوار بالتعبير عن أسفه ودافع عن نفسه، دون أن يشير إلى رسالة جمعية المصدرين، خلال الندوة الصحافية، مع التذكير أن الاتحاد "ساند منطقة التبادل الحر بعد المصادقة عليه من قبل 27 دولة (والذي بلغ 57 دولة حاليا بما فيه المغرب). كما ذكر أن الاتحاد "يؤيد الاتفاق القاري" وأضاف "اريد ان اكون واضحا حول هذا الموضوع، وان يكون موقف الاتحاد واضحا" كرر مزوار. إلا أنه لم يتحمل مسؤوليته كاملة مقتصرا على القول أنه كان "صارما مع الشخص الذي قام بالتصريح".
وهكذا أبان مزوار عن تردده المعهود، عندما أعلن أن حالة القادري "ستتم مناقشتها داخل مكتب الاتحاد وكذلك داخل مجلس الادارة"...هذا هو "ما تركز عليه الأصوات التي تنتقد حكامة مزوار" حسب تعليق أحد الاداريين : "مزوار لا يأخذ موقفا محددا حتى عندما تكون المؤسسة مهددة من الداخل، بالأخص في مواضيع ذات أهمية استراتيجية للبلاد".
"الرجل الافريقي" ذو المشارب الخاصة؟
وتتصاعد أصوات أخرى من داخل الاتحاد لتطالب بمحاسبة مزوار، وحسب هؤلاء، فهو ما يزال يحاول التغطية على "رجله الافريقي، دون الرد على السؤال الأساسي وهو ما هي المصلحة الخاصة، التي دفعت محمد لعزيز القادري، للمخاطرة بالإساءة الى موقف المغرب".
"نحن مستقلون، ولا نخوض في السياسة"، هكذا صرح هذا الأخير بحذر في حوار صدر مؤخرا بجون أفريك.
بعد تخصصه في المالية والاقتصاد خلال دراسته، يدير لعزيز القادري بشراكة مع كريم مينا، الشركة القابضة "أدتيك". وهو يعمل حاليا في مجال الاستثمار والاستشارات بالمغرب وبالشرق الاوسط وإفريقيا". وأسس ألكا.أنفست، وتعاون مع عدة دول افريقية لوضع أسس مشاريع بنيوية"، حسب ما نجده في سيرته الذاتية...
"على القطاع الخاص أن يتبع سياسة منفتحة وتتجاوب والتطلعات المتوخاة من أجل عروض أمثل للفاعلين الاقتصاديين لهذه الدول" صرح هذا الاخير لموقع ايكو.ما.
ولكن الرجل الذي يجوب افريقيا باسم مصالح الاتحاد العام لمقاولات المغرب، يفضل "تشجيع الاستثمارات المشتركة". "إنه النموذج الذي نفضله من أجل شركاءنا في افريقيا. المستثمرون المحليون على دراية بالقطاع بشكل أفضل وكذلك بوضعية البلاد وعقلياتها. إنه أمر مطمئن خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتواجد في صلب استراتيجيتنا"، قال هذا الأخير لجون أفريك. وهي تصريحات تنضاف إلى تحفظاته حول منطقة التبادل الحر القارية الافريقية، وتدعو الى التساؤل حول امكانية تضارب المصالح بين أنشطته الخاصة ودوره داخل الباطرونا بشكل يتعدى "الانحرافات البسيطة" و"الرأي الشخصي"، حسب بعض الآراء...
ولقد كان مزوار في غنى عن زوبعة جديدة ومثيرة للجدل، بينما كان قد استدعى الصحافة لأجل التأكيد أن الباطرونا يسير بانسجام تحت مظلته رغم وابل الانتكاسات التي توالت على اتحاد مقاولات المغرب مؤخرا. وحسب مصادرنا، سنشهد عن قريب رحيل عضو آخر، وهي نبيلة فريدجي، نائبة الرئيس المكلفة باتحاد المقاولات الدولية والعلاقات المؤسساتية..
"وبأسلوبه المنمق وكلماته المعدة بشكل محسوب، تمكن مزوار، من جديد من حفظ ماء الوجه في لقاءه مع الصحافة، شكليا فقط، لأن تبعات ما حدث ستكون دائمة"، هكذا يعتقد أحد أعضاء مكتبه بالاتحاد والذي أشار إلى أنه لم يقف بجانب مزوار في هذه الأزمة سوى عبد اللطيف حفظي ممثل في غرفة المستشارين وسلوى كركري باكريز وعبد الحميد الصويري.
هذا الأخير "تم تنصيبه بنيابة الرئاسة بغرفة المستشارين، ويعاني من أزمة مالية إذ أن ديونه تصل الى 600 مليون درهم بينما وصلت مديونيته للبنوك إلى 420 مليون في 2017، وبلغ رأسماله الصفر وهو حاليا في حالة إفلاس". وهي الصورة التي يعكسها فريق مزوار بشكل صارخ...