لماذا لم يتم اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير في المغرب؟
نزل عمر البشير في مطار مراكش وتمشى على البساط الأحمر كما يقتضي البروتوكول. تم استقباله بحفاوة من طرف ناصر بوريطة، الوزير المنتدب لدى وزارة الخارجية. كباقي الرؤساء لبى دعوة المغرب لحضور مؤتمر المناخ كوب 22 المنعقد بمراكش. مر هذا الحدث في صمت كامل، دون أي ردة فعل من طرف المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة التي تحاول إلقاء القبض عليه منذ 2009.
أصدرت محكمة لاهاي مذكرتي توقيف في حقه. الأولى في 4 مارس 2009 والثانية في 12 يوليوز 2010 تتهمه فيها بـ "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم حرب" ارتُكبت بين مارس 2003 ويوليوز 2008 بدارفور. خلال صراع بين الحكومة السودانية والعديد من الجماعات المسلحة بمن فيها "حركة تحرير السودان" و"حركة العدالة والمساواة". اتهامات يعتبرها الرئيس السوداني مجرد "أكاذيب" كما صرح بذلك لمجلة لوموند أفريك في مارس 2015 مضيفا أن "المحكمة الجنائية الدولية لا تملك أي مصداقية".
لم يوقع السودان "بروتوكول" روما الذي أسس هذه المحكمة ولم يكن الوحيد. المغرب أيضا لم يقم بذلك. كل الأحكام الصادرة من طرف لاهاي تبقى إذن دون جدوى. المملكة المغربية تُعتبر صديقا قديما للسودان، كدليل على ذلك : وزير الخارجية المغربي السابق ورئيس كوب 22، صلاح الدين مزوار، في يوليوز الفارط، كان قد أوصل رسالة الملك محمد السادس إلى الرئيس السوداني الذي يعتلي كرسي السلطة منذ سنة 1989 : "موقف المغرب ثابت إزاء دعمه للسودان ولرئيسه". أيضا قامت الرباط، المكلفة بالتنسيق داخل منظمة التجارة العالمية، في يوليوز الفارط بالدفاع عن انضمام السودان إلى هذه الهيئة الدولية.
السودان بلد صديق للمغرب منذ عهد طويل
في حوار أجرته معه جريدة (La Gazette du Maroc)، في 2005، ذكر السفير السوداني في الرباط، يحيى عبد الغالي محمود، بـ "أن العلاقات بين الدولتين تعد استمرارا لإرث ديني ثقافي واجتماعي متجذر في التاريخ (...) لا نحتاج للتذكير بروابط الصداقة والاتفاقيات التي تجمع رؤساء بلدينا سياسيا وعلى مستوى المساعدات المتبادلة (...) رغم العلاقات الاقتصادية التي تعتبر ضعيفة…"
وفق تقرير وزارة الاقتصاد لسنة 2014، (العلاقات المغربية الأفريقية : طموح نحو "حدود جديدة")، يتضح أن السودان ليست من بين الدول التي وقعت أكبر عدد من الاتفاقيات مع المملكة، اتفاقيتين اثنتين فقط وُقِّعَتَا : اتفاقية التجارة من نوع (NPF) الخاصة بـ "الدول ذات الأسبقية" في عام 1998، واتفاقية تعزيز وحماية الاستثمارات الموقعة في نفس السنة التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2002. غير أن الدولتين تنويان تحسين علاقاتهما الاقتصادية. فقد صرح مزوار للصحافة السودانية في زيارته الأخيرة، في يوليوز 2016، أن الهدف من لقاءاته هو تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين. من جهة أخرى، جاء في تصريح وزير الخارجية السوداني عبيد محمد، لجريدة الشرق الأوسط، أن اللجنة المشتركة "المغربية ـ السودانية" التي يترأسها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ونائب الرئيس الأول السوداني بكري حسن صالح ستبدأ لقاءاتها من جديد. يجدر بالذكر أن آخر اجتماع قامت به هذه اللجنة يعود إلى يوليوز 2012.
السودان، المغرب، والاتحاد الأفريقي.
في يوليوز الماضي قام المغرب بتقديم طلب للإلتحاق بدول الاتحاد الأفريقي الذي ينتمي إليه السودان. المنظمة التي قامت في مارس 2009 بالتشكيك في مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بخصوص قرار توقيف الرئيس السوداني، مبررة ذلك بوجوب الدفاع عن حق "الإفلات من العقاب"، لكن في نفس الوقت دافعت عن خيار المصالحة والدخول في مسلسل سلام، الخبر الذي نشره راديو فرونس أنترناسيونال (RFI). منذ ذلك الحين وقفت الدول الأفريقية ضد قرار المحكمة الدولية.
في يوليوز 2015، قامت حكومة جنوب أفريقيا، التي نظمت قمة الاتحاد الأفريقي، بترك البشير يغادر أراضيها رغم أن محكمة بريتوريا كانت قد منعته من السفر خارج البلاد. في يوليوز الأخير، رفضت جمهورية رواندا هي الأخرى إلقاء القبض عليه. حيث صرحت وزيرة الخارجية الرواندية : "كل من توصل بدعوة من الاتحاد الأفريقي سيكون مرحبا به في كيكالي وسيوفر له البلد كل الأمن اللازم". رَفْضُ المغرب لقرار المحكمة الجنائية الدولية جاء في انسجام تام مع قرار الاتحاد الأفريقي، إذ إن خيانة هذا القرار، غير الرسمي، لن تكون في صالح المغرب، خصوصا أن المغرب يعول على السودان من أجل مساندته في الرجوع إلى هذه المنظمة الأفريقية.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.