الملعب الكبير لتطوان: « المزاعم الكاذبة للإسباني لاميلا »

تتهم الصحافة الإسبانية من خلال مكتب " استوديو لاميلا"، المهندس المعماري نوفل بخات "بالسرقة الفكرية و الأدبية و الانتحال" لمشروع الملعب الكبير لتطوان الذي سيخرج للوجود في غضون سنة 2022، و يَرُّدُ هذا الأخير بالحُجَّةِ و البُرهان لإثبات مِلكيته الفِكرية لهذا العمل، مؤكِّداً أنَّ شريكه السابق لم يلعب سوى دَوْرَ مُسَاِعدٍ تقني غير مُكْتَمِل. و لقد سأل لوديسك كلا الطرفين المتنازعين في القضية...
خِلافٌ خارج عن المألوف يجد نوفل بخات نفسه في خِضَمِّهِ، من مواليد الرباط و يعيش بمدينة طنجة ، هذا المهندس الشاب هو مُصَمِّمُ مشروع الملعب الكبير بتطوان و الذي قدَّم نسخة مُصَغَّرة منه للملك محمد السادس في أكتوبر 2015 ، إلا أنه منذ الثاني من شهر يناير يَجِدُ نفسه وسط حرب كلامية دولية بعد صُدُور مقال يُدِينُهُ على صفحات "الكونفدونشيال" وهو صحيفة إلكترونية للوسط اليميني.
اتُّهِمَ بخات من قبل المهندس المعماري كارلوس لاميلا ب"السرقة الأدبية و الانتحال". و لقد قابل لوديسك المهندس في مكتبه بطنجة في 6 من يناير، و أنكر خلال هذه المقابلة أي انتهاك للملكية الفكرية للمشروع المزعوم انتسابه للمكتب المدريدي "استوديو لاميلا" كما تَمَّ ادِّعَاءُه في المقال السالف الذكر.
وسط مكتبه الذي تُزَيِّنُه كتب قيمة في الهندسة و التصميم ومجلات جيوسياسية ، نوفل بخات مُحِب لكتب هدجر و أوسكار وايد، يحكي المعماري بروية حيثيات هذه الاتهامات ويدعم أقواله بالمستندات و الحجج ليثبت ملكيته التامة للمشروع.
تعود أحداث هذه القصة الى ما يزيد على العشر سنوات مضت، في بهو فندق المنزه بطنجة. في ذلك الوقت كان خريجا حديثا للمدرسة الوطنية للمعمار بالرباط حيث قرر فتح مكتبه بطنجة موطنه الأصلي. و شارك بخات في لقاء مهني مَهَّد له المعماري كارلوس لاميلا الذي ذاع صيته بإنجازات مكتب والده الذي أنجز امتدادات ملعب بارنبو، ملعب الريال مدريد و لمساهمته في تصميم الجزء الجانبي الرابع من مطار براكاس في مدريد وهو تصميم أسطوري للبريطاني ريشار رودجيس. آنذاك كان كارلوس لاميلا في زيارة عمل بحثاً عن زبائن بالمغرب لعرض مشاريع مكتبه " يشرح بخات.
مرت السنين، و شَقَّ المهندس الشاب طريقه في المنطقة حيث يقترح و يقوم ببعض المشاريع بدعم من الوالي المستقبلي محمد اليعقوبي الذي رأى فيه مهندسا طموحا و مُجِدًّاًّ في عمله. " ومن أجل البقاء و الصمود في سوق الشغل اضْطُرِرْتُ الى مضاعفة الاقتراحات على الوالي والتي كنت أُنْجِزُها بدون أجر في معظم الأحيان، و كان هو يشجعني في المقابل".
و في سنة 2014، أُعْلِنَ عن مسابقة وطنية للهندسة المعمارية من أجل دراسة و تشييد الملعب الكبير لتطوان لتعويض البناية القديمة التاريخية لسانية الرمل و منح الدينة جوهرة تسمح لها بالترشح للمناسبات الكروية الضخمة التي يَرُومُ المغرب تنظيمها. و رأى بخات فيها فرصة لإثبات ذاته، لكنه اضطر للجوء الى مساعدة كالوس لاميلا نظرا لضخامة المشروع الذي تصل ميزانيته ل700 مليون درهم مع آجال محددة و قصيرة لتسليم المشروع ونظرا للخبرة الخاصة التي يتطلبهاهذا العمل و المعايير الصارمة التي تفرضها الفيفا.
و أعجب كارلوس لاميلا بهذا المشروع الضخم، وبينما كان هذا الاخير في قطر في رحلة بحث
عن أسواق جديدة، فقد أرسل مساعدا له لتقييم العمل الذي يجب إنجازه، و تم تحرير مسودة اتفاقية بتاريخ 4 يوليوز 2014، كان الهدف منها" تجميع الكفاءات اللازمة لتحقيق الخدمات المطلوبة من الزبون". و يشرح بخات أنه على أساس عمله المتكون من رسومات و تصاميم مبدئية ،كانت مهمة الفريق الاسباني تتشكل في مواكبة المرحلة الحساسة الخاصة بالدعم التقني الذي يتطلبه هذا المشروع و ذلك بوضع خبرته في هندسة الملاعب رهن إشارة المشروع : تحديد الوحدات المرور وسلاليم الولوج و كذا نظام المرور...
" إن مقترح التعاون اندرج منذ البداية في إطار القوانين التي تحكم المسابقة، و خاصة اقتصارها على المهندسين المنتسبين الى الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين حسب ما هو وارد في البند الثاني من نظام المسابقة" يفسر بخات. و من هذا المنطلق يحدد اتفاق المهندس الخاص بالمسؤول عن تنفيذ المشروع و الذي توصل به لاميلا و يتوفر لوديسك على نسخة منه ،و ينص في بنده23 أن مكتب بخات " يحتفظ بالملكية الادبية و الفنية التامة لهذه الوثائق المرسومة و المكتوبة و أيضا بتصاميم المشروع".
و يحكي بخات أنه صاحب فكرة أن يمثل هذا العمل برمز " اليمامة البيضاء" و هو رمز للأصول الأندلسية للمدينة "و هو أمر تَبَنَّيْتُهُ لأنني كنت على علم أن لجنة التحكيم المكونة خصوصا من زملاء ينتمون للمنطقة سيتأثرون بهذه المرجعية التاريخية الثقافية".
فتوجه بذلك بتصاميمه و تصوراته الى مدريد من 23 الى 25 من شهر يونيو بعد إرساله لملف يحتوي على الرسومات و التصاميم و توصله بالمقابل برسوم قام بها لاميلا لتتمة العمل. و امتد تعاون المهندس الإسباني بعد ذلك الى التصميم و الرسم بواسطة الكمبيوتر وذلك لإنتاج التصاميم المُفْتَرَضة للمشروع.
و حول هذا الجانب الفني الإبداعي، يجيب كارلوس لاميلا لوديسك بشكل مراوغ" إنها سرقة للملكية الاأدبية و الفنية" و يؤكد متابعا" إن أصل الفكرة و تصور الملعب الكبير لتطوان تم إنجازه بمدريد و وضعه رهن إشارة بخات للتعاون في المشروع. أما ما يخص "الحمامة البيضاء" فهي رمز، و لا يتعلق الأمر بتعديل أو مشروع لبناء الملعب بل هي استعارة أندلسية للشعراء العرب و رمز مدينة تطوان".
و بعد تقديم ملفه كمرشح وحيد و ذلك حسب قانون المسابقة و قوانين السوق العمومية، أرسل بخات مسودة الاتفاق التي تنص على أن استوديو لاميلا كان" في مهمة شراكة تتضمن الاستشارة و المساعدة و المقاولة الفرعية".
و في التاسع من شتنبر 2014، تلقى رسالة الكترونية من مكتب لاميلا يعد فيها بإعادة إرسال الوثيقة مُذَيَّلَة بتوقيعه. وتتسارع الأحداث، وفي 29 من نفس الشهر، يخبر بخات لاميلا أنه توصل برَد كتابي من الولاية يُؤكِد قبول طلبه. و بقراءة النتائج الرسمية، أبان كارلوس عن تحفظاته الأولى في رسالة إلكترونية مؤرخة بتاريخ 25 من أكتوبر حيث يجد" ردَّ الولاية غامضا" بما أنه لا يذكر" الفريق و لا يُحَدِّد تاريخا لتوقيع العقد" وهو أمر لا يتوافق مع الإجراءات الجاري بها العمل، لأن لاميلا ليست له أي صفة رسمية يطالب بها ك"مساعد" غير مسجل في الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين بالمغرب.
لاميلا يرفض العمل بدون ضمانات
و يدعي لاميلا في جريدة الكونفيدونشيال ، أنه تم استبعاده بينما يعود الفضل لقبول المشروع في هذه المسابقة لِصِيِتِ مكتبه، رغم أن أظرفة المُغِلَّفَات في المسابقة كانت مجهولة الهوية. و عندما سُئِلَ حول الموضوع من قِبَلِ لوديسك فَضَّلَ هذا الأخير المراوغة في الإجابة" نحن نؤكد فقط أن المشروع هو تعاون و ليس حِكْرًا على نوفل بخات كما أراد أن يوحي بذلك ونحن نتوفر على المستندات التي تؤكد ذلك". و رداً على السؤال الذي طُرِحَ عليه حول ضرورة انتماءه، حسب قوانين المسابقة، لهيئة المهندسين المغاربة، اكتفى بالقول أنه " كان على علم بقوانين المسابقة، و كنا بطبيعة الحال نُوَجَّهُ و نستشير بنوفل (...) ، لقد توجه إلينا السيد بخات من أجل طلب تعاوننا. و لدينا اتفاق كتابي و نتوفر على وثائق تثبت ذلك".
و في 25 من نونبر 2014، يكتب بخات من جديد للاميلا ليخبره بأن المسؤول عن تنفيذ المشروع يطلب تعديلات على مستوى تصميم الملعب من أجل التعبير عن فكرة "الحمامة البيضاء" بحجم أكثر تجانسا و أكثر عصرانية، خصوصا لتغطية حجر السلالم الظاهرة على الواجهة و التي أراد لاميلا أن يعطيها حجما مكعب احسب تصوره المعماري الخاص. و أمام هذه المطالب بالتجاوب و قبول التعديلات المقترحة، أبان الإسباني عن رفض تام للسير قُدُمًا بالمشروع ما دامت "نتائج المسابقة لم تُصْبح رسمية بَعْدُ" وأن الأمر سيكون " كالعمل في ظروف غامضة و بدون ضمانات" و أضاف أيضا "سنخضع اليوم لمطالب الوالي و غدا لمطالب عامل المنطقة و بعدها لرئيس الفريق..." و لأجل تفادي كل العقبات التي من شأنها أن تؤدي الى إلغاء المشروع، قام المهندس المغربي بالتعديلات اللازمة للاستجابة " لطلب المصادرالرسمية".
و في 12 من ديسمبر، ونظرا للتعديلات المنجزة، أبان لاميلا عن رفضه التام لهذا التعديل على المستوى الهندسي و المعماري و طلب بلقاء المسؤول التنفيذي للمشروع لأجل توقيع وثيقة رسمية تُحَدَّدُ فيها آجال الدفع و الأداء. و في هذه المرحلة لم يكن لاميلا قد وقَّعَ بَعْدُ على مسودة الاتفاق الذي كان بحوزته منذ شهر شتنبر، و و كتب لاميلا في بريد إلكتروني تأكد لوديسك من مصداقيته قائلا " اذا كان هذا الطريق غير مناسب، فنحن نفضل عدم المواصلة" مؤكدا رغبته في الوصول الى "اتفاق مالي(....) بمبلغٍ يُعَوِضُنا بالكامل على العمل الذي تم انجازه و مبلغٍ ثاني لتعويض ما لم يُنْجَزْ بعد" ثم تابع " و سندعك تتابع المشروع لوحدك، بدون أية ضغينة و بتفهم للوضع".
و بسؤاله عن هذه النقطة المحورية من قِبَلِ لوديسك، أكد لاميلا أقواله و لكنه ذكر أيضا مراسلات أخرى مع المهندس المغربي :" فيها تفاصيل المراحل المتبعة و تحذيراتنا، و لهذا أبلغناه بقرارنا لأخذ الاحترازات اللازمة للمُضِيِّ في المشروع". و في 8 من يوليوز 2015، دعا بخات لاميلا لتوقيع اتفاق نهائي، بما أن مسودة الاتفاق المؤقت أصبحت منتهية المفعول.
هذا الاتفاق الجديد كان من المفروض أن يقف على المراحل غير المُحددة من قبل الاطراف المَعْنِيَّة. لكن المهندس الاسباني رفض هذه الصيغة و اقترح لقاءاً رسمياً في طنجة، لقاءٌ تمَّ في 14 من غشت و انقلب خلاله لاميلا و طالب بالحصول على التصاميم والرسومات المُعَدَّلة حتى يتمكن من اتخاذ قراره و هذا ما رفضه بخات كُلِّيًاَّ. و هكذا دخل الطرفان في صراع.
و حسب مصادرنا، هدد لاميلا بطلب تدخل السفير الاسباني لدى ولاية تطوان لأجل إعادة التصاميم الأصلية للمشروع. و صرَّح المعماري المغربي أن الأمر "ابتزاز" و أن شريكه ضغط بقوة وفي أوقات حيوية مثل فترة شهر يوليوز 2018، قبل إعلان الملف المُرَشَّح لمونديال 2020، عندما لوَّحَ باستعمال صداقاته السياسية، فهل هي مصادفة ؟ إذ ظهر المقال الصادر في الكونفدونشيال في الوقت الذي تتحدث فيه الصحافة عن ملف (مغربي- إسباني - برتغالي ) لأجل تقديم ملف مشترك للمونديال2030.
كما قلب الاسباني عَالِيهَا سَاِفلَهَا في وزارة الخارجية و في مقر سفارته بالرباط و في السفارة المغربية بإسبانيا و لدى السلطات المحلية في طنجة و تطوان و لكن دون اللجوء الى المسطرة القانونية...
ومن جهته يفكر بخات في رفع دعوة قضائية ضد لاميلا بتهمة "التشهير " و "الادعاءات الخاطئة و المغلوطة المعبر عنها في الكونفيدونشيال". و لإظهار حظوته مقارنة بنظيره المغربي أكد لاميلا أنه مُبْدِعُ مشروع سانتياغو بارنابو و المحطة الجانبية الرابعة في مطار باراخاس بينما في ذلك الحين كان والده هو من يدير المكتب المدريدي و توفي هذا الأخير سنة 2017، و لم يكن كارلوس لاميلا في ذلك الحين سوى مهندسا مختصا في الترميم في المشروع الأول و شريكا في الثاني.
خلاف مالي و فاتورة خيالية
ولكي يبين أن الأمر يتعلق بخلاف حول المبلغ المُقَيِّمِ لمهمة استشارةٍ و دعمٍ تِقْني غيرِ مكتمل قبل متم الجزء الأول من المشروع، أبلغ نوفل بخات مكتب لاميلا منذ نونبر 2016، أنَّ حلَّ النزاع حول هذه المسألة سيعتمد فيه على البنود الواردة في الاتفاق الذي تم إجراءه قبل سنتين. هذا الاتفاق يتضمن تقسيما عادلا بنسبة50/50 بين الطرفين. و في المرحلة الاولى المتعلقة بدراسة المشروع، كان للمهندس الاسباني نسبة 32 % من مسؤولية الأعمال مقابل 18 % للمهندس المغربي و العكس صحيح فيما يخص تطوير المشروع الى حين التوصل النهائي بالمشروع.
و في أبريل 2018، اجتمع وسيط اسباني للأعمال مستقر بطنجة بنوفل بخات و محاميه للتوصل لحل بالتراضي لهذا الخلاف. و كانت المفاجئة كبيرة لما اقترح رسول لاميلا فاتورة ضخمة تصل قيمتها ل 230000 يورو لأجل التنازل عن المشروع. ورداًّ على هذا المطلب و اعتماداً على" حِسْبَةٍ منطقية تتوافق و الخدمات التي قدمها المكتب الاسباني" اقترح بخات ، الذي يرى أن المبلغ الذي يُطَاَلُب به هو مبلغ "خيالي"، مبلغا بديلا يُوافِقُ الخدمات الفعلية المُقَدَّمة من المكتب الاسباني و المُطَاِبقة لنصف من المرحلة الاولى أي ما يناهز 8740 أورو.
و يبرر كارلوس لاميلا المبلغ الذي يُطَالِبُ به في صحيفة الكونفيدونشيال ب"استعمال التصاميم" بينما يصرح للوديسك فيما يخص عرض بخات :"نُفَضِّلُ اعتبار الأمر على أنه مُزْحة عوض التفكير به كإهانة".
و يشير المهندس المغربي الى ضُعْفِ حُجَجِ شريكه القديم و يتحَسَّرُ على المنحى الذي نَأَتْ به هذه القضية و كيف باتت" حملة تشهير في الصحافة الإسبانية التي لم تذْكُر وجهة نظري إلا بشكل سطحي"، بينما كان لاميلا خلال الصيف الماضي فريسة جدال قوي في بلاده، إذ أن مكتبه متابع قضائيا من لدن المدعي العام بمدريد لأجل " تدمير بنيات محمية" في مشروع إعادة ترميم كَنَالِخَاس وهو بنيان مصنف تاريخياً.
و بينما تثير هذه القضية الصحافة، في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن ترشيح ثلاثي( مغربي- إسباني- برتغالي) لتنظيم كأس العالم2030 ، و ستتم مناقشته في المؤتمر المرتقب بمراكش من 15 الى 17 من يناير، أخذ ملف الملعب الكبير لتطوان ، الذي يفترض الانتهاء من أشغاله في 2022 ، بعداً ديبلوماسيا.
و رغم هذا يظل نوفل بخات واثقاً و يتوسم خيراً، فمنذ يوليوز 2017، و بطلب من وزارة الخارجية، وضع هذا الأخير وثيقة من تسع صفحات أَوْرَدَها تفاصيل و حَيْثِيات هذه القضية حتى" يُؤْتَى كُلُّ ذِي حَقٍ حَقَّهُ"