S'abonner
Se connecter
logo du site ledesk
بالعربية
مختارات لوديسك بالعربية

Connectez-vous

Mot de passe oublié ?

Abonnez-vous !

Découvrez l'offre de lancement du Desk

60 DH
1 mois
Découvrir les offres
11.08.2022 à 10 H 15 • Mis à jour le 11.08.2022 à 10 H 15 • Temps de lecture : 1 minutes
Par

« لو كان يطيحو لحيوط »… المدينة والموت في سينما حكيم بلعباس

« Murs Effondrés » de Hakim Belabbas.. Crédit: hakfilms.com

مساء الإثنين قد لا يكون التوقيت الأنسب للذهاب الى السينما. مع ذلك فالعشرات من النساء والرجال مصحوبون بأطفالهم يقفون في صف طويل عند مدخل سينما "ميغاراما" في الطابق العلوي من المركز التجاري "الرباط سانتر". حركة الصف بطيئة ويزيد من بطئها إصرار الأطفال على حمل أكياس كبيرة من الفشار والصودا. الساعة تشير الى السابعة وخمسة وأربعون دقيقة وفيلم حكيم بلعباس، "لو كان يطيحو لحيوط"، سيعرض بعد ثوان في القاعة رقم 3.


قاعة العرض فارغة تماما إلا من العجوز "يامنة" التي تحضر كل العروض.


"يامنة مولات العرش"

ينطلق الفيلم بجلوس سيدة عجوز، يبدو أنها ضريرة، وسط قاعة سينما كراسيها متهاكلة باستثناء ذاك الذي تجلس عليه. كرسي أحمر منفوش عوده شبيه بكرسي العنقاء الذي تعاقب عليه ملوك كوريا. استعاد حكيم بلعباس شخصية "يامنة"، حارسة عين الشيخ التي تغسل فيها نساء مدينة أبي الجعد الصوف، وجعلها شاهدة على أمكنة وشخوص وأحداث احتضنتها المدينة وذاكرة المخرج. عاش حكيم مدينته الصغيرة بتفاصيلها ويبدو أن الشاب -وقبل أن ينتقل لدراسة السينما في شيكاغو- قد حمل معه شخصيات المدينة في حقيبته.


كانت "يامنة" وجها من وجوه مدينة بوعبيد الشرقي. سيدة صارمة، صماء بكماء، تدخن سيجارة "الفافوريت" بشراهة، وتحضر عروض جميع الأفلام في سينما والد حكيم بلعباس "حتى وإن تكرر عرض الفيلم لمرات" يقول المخرج. كان لحارسة العين، العاشقة للأفلام، كرسي داخل القاعة لا يجلس عليه أحد غيرها فأطلق عليه رواد السينما اسم "كرسي العرش".


"لو كان يطيحو لحيوط" فيلم داخل فيلم. تستوي "يامنة" على العرش قبالة شاشة عملاقة فينطلق الفيلم بمشهد شاب ملتحي حافي القدمين، أصفر البشرة، أبيض الجفون، كمن يعاني من اليرقان. ينظر بحنو إلى امرأة شابة تكنس باب بيتها في زقاق قديم. يراقب الشاب المرأة وهي توقظ أخاها المعاق وابنتها الصغيرة. يتبعهما وهما في طريقهما إلى المدرسة ويطمئن على هذه السيدة الكادحة وهي تطهو "الرغايف" في مقهى شعبي.


الشاب يَرى ولا يُرى. نفهم، بعد ذلك ومن خلال تضرع ابنته الصغرى، أنه رب الأسرة الذي وافته المنية باكرا وترك الأسرة الصغيرة في شقاء. كانت الطفلة تدعو "سيدنا قدر" أن يعيد لها والدها أمام فارس يغسل فرسه وسط بركة ماء قبل أن يصيح الفارس الأعزل في مشهد ملحمي بما يصيح به "مقدم السربة" وسط "التبوريدة" ويطلق النار نحو السماء من يديه العاريتين.


الاحتفاء بالموت؟

الموت هو البطل وهو الخيط الناظم والحاضر في كل الأفلام القصيرة المتكاملة المشكلة لفيلم طويل عنوانه "لو كان يطيحو لحيوط". في المقطع الثاني يموت شيخ فيغسله جاره الشاب (أمين الناجي) تلبية لطلب سيدة شابة تقطن مع الشيخ. لا نعرف إن كانت الشابة زوجة للشيخ أو ابنته لكننا ننفهم أنها لا تكن له أي ود وأن كثيرا من الحب يجمعها بجارها الشاب. تموت رضيعة محمومة في مستوصف ويموت عجوز وهو يركض جنب أطفال وتموت جدة في حفل زفاف حفيدتها وهكذا.


يقول الكاتب والناقد محمد بنعزيز، في حوار مع "لوديسك"، أن الكاميرا في فيلم "لوكان يطيحو لحيوط" تتلصص أثر ونُدوب الموت الذي لا يحترم تراتبية الأعمار. حتى لا تصطدم الكاميرا بالحيطان الساترة "هدم حكيم بلعباس الحائط الرابع الذي يفصل المشاهدين عن المشهد في مدينة طفولته، هدم الحيطان الهرمة المتآكلة الباهتة لكي يكشف ما يجري في الدروب الملتوية لمدينة صغيرة"، يضيف الناقد، الذي يرى أن الكاميرا تتلصص على العوالم الصغرى لشخصيات تكدح من أجل الحدود الدنيا للعيش. هكذا صار للحيطان عيون، بعد أن كانت لها آذان فقط !


الموت تيمة ناظمة لإيقاع الفيلم لكن محمد بنعزيز يرى أن المكان (أبي الجعد) هو الخيط المرئي الرابط بين متوالية الحكايات. عمل الفيلم على التحرر من السرد الخطي بتقديم حكايات متجاورة تتكامل لتحكي تاريخ مدينة.  اشتغل المخرج على الشخصيات الرئيسية والثانوية بنفس القوة، بهدف الحفاظ على الواقعية والصدق، كما يرى الناقد.


صور بلعباس شخصيات حقيقية كثيرة في بيئتها واعتمد على عدد قليل من الممثلين المحترفين، الذين حضروا في مشاهد معقدة مثل المرضعة التي تفقد طفلتها، وبفضل الاعتماد على أشخاص يعيشون في عين المكان، يرى محمد بنعزيز، سيتمكن الكثير من المتفرجين الذين يعرفون المكان من التماهي مع شخصيات الفيلم بسهولة. "لوكان يطيحو لحيوط" مآل مدينة صغيرة وهي نموذج مصغر لما صارت عليه الحيطان التي أهملت وهرمت، يرى صاحب كتاب "الدفن من وجهة نظر قانونية".


 "ولد مول السينما"

"لو كان يطيحو لحيوط" عبارة كان يرددها مصطفى الشيباني، الذي كان يشتغل في سينما والد حكيم بلعباس. "مصطفى عارف بالشرط الإنساني وإن بشكل فطري" يقول حكيم بلعباس وهو يتحدث عن هذا الرفيق الذي ألهمه عنوان الفيلم وحدثه عن العنف الذي يمارسه الناس على بعضهم البعض خلف الجدران والحب الذي يجمعهم وعن حجم الدهشة الذي قد يصاب بها حيكم الطفل "لوكان يطيحو لحيوط".


أستاذ الفلسفة والناقد مصطفى العلواني يقول "حكيم ولد مول السينما الوحيدة للي كانت في أبي الجعد، تربى تقريبا داخل القاعة السينمائية وغادي يكون شاف لعجب ولأنه قرأ وتبصر أدرك أن السينما يجب أن لا تمعن في التخييل للحد المرضي، السينما يجب أن تبقى حليفة للحقيقة، الحقيقة طبعا، كما يريدها الإنسان ضامنة لكرامته".


يرى العلواني أن فيلم "لوكان يطيحو لحيوط" تلخيص لمفهوم حكيم بلعباس للسينما كما بدأها في أفلامه القصيرة وبعدها في "خيط الروح" أول فيلم طويل له. وسيظل المخرج، حسب مصطفى العلواني، يصنع نفس الفيلم "الفيلم الذي لا نستحم فيه مرتين طبعا". العلواني القريب من المخرج بلعباس يقول إن الفيلم دعوة للشفافية وإن كانت محتشمة، "أمنية حكيم أن يرى المغاربة وجوههم في المرآة كي يصنعوا أنفسهم بكرامة".


بقي حكيم بلعباس في فيلمه "لو كان يطيحو لحيوط" وفيا للتجريب، حفارا في الذاكرة، عاشقا للتراث، متأرجحا بين التخيل والتوثيق، سجينا لمدينة أبي الجعد، منفتحا على الإنسانية وعلى آفاق سينمائية تبعث على السؤال والأمل.

©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.