ماذا تكشف دراسة فرنسية عن ديناميكية حركة المقاطعة بالمغرب؟
أصدر مكتب إنفلونس ديتا آند ستراتيجي (IDS Partners)، وهو وكالة فرنسية أُنشِئت في 2018 متخصصة في دراسة الآراء على الإنترنت، والأبحاث حول المواضيع المثيرة للجدل، دراسة يوم 11 سبتمبر تتضمن 33 صفحة حول ديناميكية حركة المقاطعة التي استهدفت ثلاث علامات تجارية رائدة في السوق منذ ربيع هذا العام. وحسب ما نشرته حديثا مجلة جون أفريك فقد "اشتغلت الوكالة قبل ذلك على النقاش الذي أحاط استقلال كاطالونيا، وفندت الادعاء بأن قضية بنعلا، التي تشكل فضيحة سياسية أضرت بالرئاسة الفرنسية، تم تضخيمها على الإنترنت من طرف موسكو".
يكتب مؤلفو الدراسة "بعد أن تتبعنا عن بعد، خلال الأشهر الأولى للحركة عن طريق مقالات ظهرت في الصحافة الفرنسية (خصوصا لوبوان وليبيراسيون)، بدأنا نهتم بهذا الموضوع، عندما بدأ يأخذ بعدا رقميا يتماشى مع مواضيع أبحاثنا، والتي تتمثل في تأثير الشبكات الاجتماعية على النقاشات العامة". بما في ذلك "التأكيد على الجانب المهني للجهات الفاعلة المسؤولة عن نشر الحركة على الشبكات الاجتماعية".
تتساءل دراسة IDS "هل خلف الروابط والخيوط الاجتماعية توجد تنظيمات سياسية بالأساس؟" مع الإشارة إلى أن المنتجات المعنية بالمقاطعة (المياه المعدنية، الوقود، منتجات الحليب)، لم تكن من منتجات الاستهلاك اليومي للفئات الأكثر فقرا من سكان المغرب والأكثر تضررا من ارتفاع كلفة المعيشة.
تشير الدراسة من البداية إلى أن غلاء المعيشة يظهر كمحور هيكلي للخطاب الذي تبنته الجهات الفاعلة في الحركة، فيما يتعلق بالعلامات التجارية المستهدفة (افريقيا، سنترال دانون وسيدي علي). ومع ذلك تضيف في ديباجتها "أن شبكة القراءة تميل إلى تحجيم هذه الحركة إلى ظاهرة اجتماعية بسيطة، ناتجة عن عدة عوامل ذات بعد اجتماعي واقتصادي محض، وهذا انتقاص كبير مقارنة مع ظروف نشأتها على الشبكات الاجتماعية".
وإذا كانت المقاطعة تُقدم عادة كرد على تضخم كلفة المعيشة، فإن دراسة المحادثات على مواقع التواصل تظهر أن "هذا البعد وحده ليس سببا كافيا لهذا التحرك الاجتماعي ذي الملامح المعقدة. إن هذه الحركة، إن صح تسميتها كذلك لعدم وجود قيادة، ولعدم تبني المقاطعة من طرف أي كيان سياسي أو جمعوي، لهي موضوع سياسي بدون تعريف. والجانب المبهم ينبع إلى حد كبير من ضبابية أصولها المتعددة الأسباب".
"وبعد ذلك فإنه من البديهي أن نذكّر بأن النضال لا يتم بنفس الطريقة في الديمقراطيات الغربية، مقارنة بدولة ملكية تحتل الرتبة 135 من 180 في ترتيب حرية الصحافة من طرف منظمة مراسلون بلا حدود، وحيث الملك ليس أكثر أو أقل من أمير للمؤمنين"، تقول دراسة IDS بازدراء، بالتأكيد نابع من جهل بالحركات الاحتجاجية في الشارع، والتي ميزت الحقبة الأخيرة، من احتقان 2008 إلى حراك الريف وجرادة مرورا بحركة 20 فبراير. فالتحرك المجهول على الانترنت كرد فعل على الأحداث على الميدان المتسمة بقمع الشرطة الذي طال أيضا نشطاء الحسيمة، هو جانب لم يُلتفت إليه.
يتابع مكتب IDS واصفا منهجية الدراسة "هل يمكن للطابع الاجتماعي أن يكون ذريعة أو ستارا لإخفاء أهداف و مناورات سياسية؟"، مضيفا "وبالمثل، هل يمثل النضال المهني على الويب والمواقع الاجتماعية، استنادا إلى بحث لوبوان، مؤشرا على أن هناك استراتيجية لنشر الزيف و التضليل؟".
تحليل يركز على تويتر...
على وجه التحديد، شكلت دراسة IDS تجسيدا يتكون من 37252 تغريدة فريدة اعتمادا على سلسلة من نتائج البحث بالعربية والفرنسية والإنجليزية، في محاولة لالتقاط نطاق واسع لمحادثات النشطاء المغاربة حول المقاطعة. صدرت هذه التغريدات عن 11149 مستخدم فريد. وجُمعت البيانات بناء على نتائج البحث عن عبارات "Maroc boycott" بالفرنسية و "Morocco boycott" بالإنجليزية و"مقاطعون بالمغرب" و"مقاطعون" بالعربية، دون إغفال الكلمات المفتاحية المتعلقة بالعلامات التجارية المعنية.
كما تم التركيز على الشخصيات، وفي هذه الحالة عزيز أخنوش (زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، وزير الفلاحة و الصيد البحري و رجل الأعمال القائم على رأس مجموعة أكوا)، وبصفة ثانوية على محمد بوسعيد (وزير الإقتصاد والمالية السابق الذي تم اعفاؤه من طرف الملك يوم 1 غشت الماضي).
معظم الحسابات أُنشئت في أبريل وماي 2018
أول ملاحظة وبطريقة كمية بحثة، يظهر أن جزء مهما من الحسابات النشطة في المناقشة حول المقاطعة يعود تاريخ إنشائها إلى أبريل و ماي من سنة 2018. "في الواقع، تم إنشاء 295 حسابا في أبريل و219 في ماي. أما في مارس فقد تم إنشاء 163 حسابا و140 آخر في يونيو. إذن فقد تم إحداث 817 حسابا شارك في النقاش حول الموضوع في غضون 4 أشهر" كما تشير لذلك الدراسة.
ولكن يحرص مكتب IDS على عدم استخلاص استنتاجات متسرعة "خاصة وأن حركة ذات بعد اجتماعي وسياسي وقادرة على الإسهام في التنشئة الرقمية لبعض الأفراد خصوصا الشباب، الذين يستطيعون القيام بأول خطوة نضالية لهم عبر المنصات الرقمية عبر التكنولوجيا التي يجيدونها و بكلفة اجتماعية معتدلة. ومن ناحية أخرى، يمكن لفاعلين أكبر سنا أن يعوا بأن الشبكات الاجتماعية تمثل بشكل ما استمرارية للنضال بوسائل أخرى"، يشير المكتب.
بينما يبرز حدث يتمثل في تاريخين محدَّثَين يُسائلان إشكالية التضليل. فالحسابات التي أنشئت في فبراير 2011 والتي كانت نشطة في إطار النقاش حول المقاطعة يصل عددها إلى 255. "تتطابق هذه الفترة تماما مع بداية الربيع العربي بالمنطقة المغاربية مع تداعياته السياسية المعروفة. هذه الموجة من إنشاء الحسابات في 2011 في فترة كان فيها تويتر يشكل نسبة هامشية صغيرة من السكان رغم أنه كان مستعملا بكثرة".
يضيف IDS "يفسر ذلك إلى حد كبير بوعي جيل كامل بالإمكانيات الهائلة للشبكات الاجتماعية، في إطار الإعلام بكفاحهم السياسي اليومي. وتفَسَّر هذه الهزة التي عرفها شهر فبراير 2011 بشكل أكبر بوعي حاد بدور الشبكات الاجتماعية وحجمها وأهميتها للزخم السياسي الذي ساد آنذاك".
ومع ذلك، وفقا لاستنتاجات IDS ولعدة اعتبارات، فإن شبكة القراءة هاته التي كانت صالحة في 2011 لم تعد عملية في 2018. "من المستغرب أن يتم إنشاء 817 حسابا بينما هنالك أزمة سياسية تتبلور في المغرب"، تشير الدراسة الى أن هذه الظاهرة قد لا تكون صدفة.
وقد رجح العديد من المراقبين فرضية "الحسابات الآلية" التي تولّد رسائل تلقائية يتم حشدها بشكل جماعي لإعطاء مظهر وشكل متواصل لهذه الحملة. وبعد مقارنة حصة الأصوات (وزن جميع التغريدات العضوية الصادرة عن مجموعة معينة داخل كيان ما) للحسابات الناطقة بالعربية والمنشأة سنة 2011 وتلك المنشأة في 2018، تخلص الدراسة "أنه بالاتجاه نحو مصدر حركة المقاطعة، ظهر ميول بعض المغردين إلى تشكيل جيش رقمي صغير قادر على إعطاء المزيد من الظهور للحركة، إن لم يكن لوضعها على أجندة النقاش العام". إذن وبوضوح فإن الحملة لم تكن عفوية بشكل كلي، ولكن كانت مدعومة من كيانات منظمة متمكنة من الشبكات الاجتماعية بطريقة واضحة ومنظمة ومتسقة مع استخدام محسوس للحسابات الآلية.
استهداف سياسي جليّ
بالنسبة للبعض، فالمقاطعة خلفها أيادي نشطاء إسلاميين لحزب العدالة والتنمية، وقد أشار الباحث في علم الاجتماع عبد الرحمان رشيق في مقال على جون أفريك أن "الحملة موجهة ضد أشخاص معروفين بمواقفهم السلبية تجاه البيجيدي". وذهب البعض إلى التلميح إلى أن المقاطعة قد تكون من تدبير شركات منافسة لتلك المستهدفة، حسب نفس المصدر الذي كان قد نشر في أوائل سبتمبر مقتطفات من الدراسة.
حسب قول داميان ليشيا الشريك المؤسس لـIDS متحدثا إلى جون أفريك، فإنه "في الواقع و دون جعل تحليل البيانات أكثر قيمة من باقي تطبيقات الدراسة، يمكن ملاحظة أن الحملة لا يقوم بها أشخاص بدافع السخط الاجتماعي فقط، و لكن بالأحرى مستخدمو إنترنت ملتزمون و مسيسون و إلى حد ما يبدون من المحافظين".
الاهتمام الذي تبلور حول شخص عزيز أخنوش هو أكثر أهمية سواء من ناحية الحجم، أو من ناحية الشدة مع مرور الوقت، من الاهتمام الذي سُلّط على باقي الفاعلين حسب تحليل IDS الذي يؤكد أن الشركات الثلاث في قلب المقاطعة، تمركزت في قلب شبكة القراءة المختلفة جذريا اعتمادا على كونها مغربية أو أجنبية، أو فرنسية في هذه الحالة : "بالنسبة لسنترال دانون فالمقاربة كانت اقتصادية بحثة و بدون أية أبعاد سياسية حقيقية، بينما في حالة أفريقيا، وسيدي علي يظهر الجانب السياسي والاقتصادي مترابطين بشدة".
خلف مشكلة غلاء المعيشة، تظهر أيضا "إرادة لاستهداف فاعلين سياسيين واقتصاديين مغاربة من الصف الأول".
كما يمثل النقاش الواسع حول عزيز أخنوش 8 % من المجموعة التي تمت دراستها. "لا يمكن الاستهانة بهذا الأمر، و حتى إن أثارت شخصية وزارية ردودا محايدة أو مثيرة للأزمات واقعيا، فإن الأرقام تثير التساؤلات. خصوصا لأن هذه الأرقام تميل إلى إعطاء عزيز أخنوش مكانة ليست بالهامشية، بل مركزية في إطار هذه الحركة" حسب خلاصة IDS.
عن طريق التحليل الموجز للصحافة المغربية الفرنكوفونية حول الخصومة السابقة بين عبد الإله بنكيران و عزيز أخنوش، اعتمادا على مقالات بطبيعة و مصادر غير متكافئة لا من حيث المحتوى ولا السياق ولا زاوية المعالجة، يخلص IDS إلى أن "هذه العناصر يمكن أن تشكل مجموعة من القرائن التي قد توحي بعد ربط بعضها ببعض بوجود استمرارية منطقية وسياسية بين هذه الأحداث المختلفة، وأن المقاطعة التي انطلقت في الربيع ليست سوى تحديث للخصومات بين أخنوش وبنكيران من خلال كيانات متداخلة".
هل ساهم متعاطفون اسلاميون أو قادوا أو ساندوا الهجمة على أخنوش وبالتالي على الماركات المستهدفة لما تمثله من رمزية من أجل تعريف "الرأسمالية الحميمة" المغربية الريعية تحت مظلة المخزن؟ إذا لم يكن هناك شيء يثبت هذه الفرضية بشكل كامل، فإن مكتب IDS يقدم بعض القرائن اعتمادا على أمثلة من بعض حسابات تويتر : منشورات داعمة للواعظ المغربي البلجيكي طارق بن علي المسجون في إسبانيا منذ ما يقارب السنة، بعد أن أوقِف في يونيو 2017 بمدينة بيرمنغهام بتهمة التجنيد لصالح داعش، ومنشورات بمواقف معادية للسامية، وبشكل أكبر نشاط واسع على الإنترنت لا يتوقف فقط عند الترويج للمقاطعة، بل يتعدى ذلك إلى انتقاد "بقايا الاستعمار الفرنسي في الميدان الاقتصادي والطبقة السياسية المغربية المتهمة بالفساد..."
حسب تحليلات الدراسة "هذه البيانات المختلفة المأخوذة من ملاحظاتنا التي أجريناها على تويتر خلال المرحلة التمهيدية من دراستنا، تطرح التساؤل حول وجود تقنيات تأثير موجهة لإعطاء ظهورٍ وأهميةٍ لحركة المقاطعة".
فيسبوك، العراب الفقير والزلة المعيبة للدراسة
باختيار التركيز على تويتر (باستثناء صفحة كفاح على فيسبوك) فضلت دراسة IDS موقع تويتر كمجال أوسع للفاعلين في حملة المقاطعة. علاوة على ذلك، و كما يرى العديد من المختصين الذين انكبوا للبحث في نشأة هذا الاحتجاج الرقمي غير المسبوق، يظل الجزء الأكبر من التنديد والدعوة إلى التعبئة متواجدا على فيسبوك.
حدث الانفجار الكبير يوم 20 أبريل على صفحة Wavo المجهولة على فيسبوك والتي يبلغ عدد إعجاباتها أكثر من 750 ألف (والتي لم تعد موجودة اليوم). وقد دعت منشورات الصفحة الشركات لخفض أثمنتها. ثم ذهبت صفحة كازا بالفيزا (ذات الـ813 الف متابع) في نفس الاتجاه، ليبدأ الأمر في الانتشار على الشبكة العنكبوتية..
تختم دراسة IDS بالقول "دون الذهاب إلى حد إعطاء أولوية جد مهيمنة لمجرد تحليل لبيانات تتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بتقزيم هذه الحركة إلى حملة تضليل خالصة، لكن يبدو لنا رغم كل شيء، أن مجموع العناصر المعروضة أعلاه، تدعونا لمساءلة حجم العفوية الشعبية للحركة، وطبيعة الفاعلين، وصولا إلى مصدرها، وأهدافها الأساسية وأجندتها".
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.