محمد بوسعيد، صمام أمان عزيز أخنوش.

في اليونان القديمة، كان الإسبارطيون يئدون المواليد الجدد المصابين بأمراض مستعصية، هكذا ضبطت المدينة المحارِبة آنذاك حكمها لتبقى ندا لند مع عاصمة اليونان، لحسن الحظ أن الطب الحديث وضع حدا لهذا السلوك الهمجي.
في السياسة، كان الفشل دائما هو مآل كل حكومة هجينة مهما تعددت أساليب العلاج المثلي المتخذة.
من هذا المبدأ، تنبثق المتلازمة التي تنخر الائتلاف الحكومي الحالي، والتي تتغذى على الأزمات المتتابعة.
فقبل سنة من الآن، أدى إخفاء ملف الحسيمة إلى ايقاظ جراح الريفيين بما ترتب عنه من نتائج معروفة، وقبل بضعة أشهر وجدت موجة المقاطعة التي استهدفت ثلاث علامات تجارية أرضا خصبة جعلتها تنتشر كالنار في الهشيم.
هناك أمثلة أخرى جديرة بالملاحظة، تثبت تدهور الحكومة التي أضحت غارقة في الوحل بسبب تكوينها الهجين.
عودة الملك إلى واجهة الساحة السياسية، والمتجلية في العديد من الملفات التي بينت محدودية السلطة التنفيذية، أمر يؤكد وجود خلل ما، فتدخّل القصر المهيمن على ناحية المحاسبة يجعل الرؤوس تتساقط، لكنه لا يحل المشكل العويص والمحوري الذي يقوض ويهدم تسيير الشأن العام.
يجب الاعتراف بأن المعادلة معقدة جدا، فإسلاميو حزب العدالة والتنمية تحت قيادة عبد الإله بنكيران، حجزوا تذكرة ولاية ثانية، ولكن بطريقة لا تمكنهم من قطع الطريق أمام منافسيهم المدفوعين من الدولة العميقة.
بتوليهم لتسيير شؤون القطاعات الاستراتيجية، قام مُنَزَّلوا حزب الحمامة وحلفاؤهم بتشكيل حكومة موازية أدت إلى تمييع النظام بأكمله و شلَّت البلد سياسيا.
فجاء غضب القصر، بعدما توصل بالتقارير التي كشفت عجز النموذج التنموي في جهة الريف، وبعد تقييم المخاطر التي تشكلها جرأة الحراك و دراسة إمكانية تطويقه، ولم يتم ذلك إلا باتخاذ مقاربة أمنية واسعة وعنيفة.
ولكن العلل التي يعاني منها المغرب، والتي جعلت الملك وتقنوقراطييه يعترفون بضرورة المراجعة العميقة للنموذج التنموي للبلاد لا تقتصر على منطقة واحدة، تعتبر أكثر تمردا دون المناطق الأخرى.
وبغض النظر عن "الطفرة الاقتصادية" الضرورية، فإن إعادة صياغة النظام السياسي برمته تعد بمثابة حجر الأساس في أي إصلاح هيكلي.
ومن هذا المنطلق يجب تسمية الأمور بمسمياتها، فإعفاء محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية الذي يعتبر الحلقة الأضعف في نظام أخنوش، ورغم أنه لاقى استحسانا لدى الرأي العام بسبب التفاعل الكارثي للوزير في ملف المقاطعة، فإنه لا يعفي من ضرورة القيام بتغيير راديكالي في نمط الحكامة.
وهذا التغيير يتمثل في المقام الأول في تغيير آليات تعيين أصحاب الأدوار الرئيسية وليس فقط التضحية بأصحاب الأدوار الثانوية الذين تتم إعادة تدويرهم بسهولة في دواليب السلطة الحقيقية.
وبطبيعة الحال، ونحن على مقربة من منتصف الولاية الحكومية الحالية، فإن الخيار يبدو محفوفا بالمخاطر، فالرؤوس التي حان قطافها من جهة، والقيود الدستورية من جهة أخرى، تجعل الأمر شبه مستحيل.
إلى ذلك الحين، فإن لعبة الكراسي الموسيقية والمونوبولي التي تديرها الإملاءات الملكية والتي تظل أسبابها غير مسبورة الأغوار، لا يمكن إلا أن تخلق غضبا وردود شعبية غاضبة. تعويض البيدق بوسعيد بالمأمور اعمارة؟ لكن ماذا عن مولاي حفيظ العلمي أو عزيز أخنوش مثلا؟، يتساءل الرأي العام الذي ينتظر أن تكون المحاسبة باسم الدستور "المقدس"، وأن تشمل أولئك الذين يطفون بفعل تساهل وحماية القصر لهم رغم فشلهم المبين.