معاناة « أطفال القمر » بالمغرب

توصلت نادية الرامي الى اتفاق مع مدير المدرسة، لأنها أصرت أن يذهب ابنها البالغ من العمر 7سنوات الى المدرسة رغم حساسيته تجاه اشعة الشمس التي تعرض حياته للخطر. وخلص الاتفاق على ان يسمح لمصطفى بالولوج الى قاعة الدرس ولكن فقط ان فعل ذلك وهو داخل علبة من الكارتون.
ولقد قبل مصطفى رضوان هذا الاتفاق، اذ كان يعلم ان فكرة والدته ستخمد قلق المسؤولين عن مدرسة حول حالته، فهو يعاني من مرض وراثي نادر يدعى اكسيرو ديرما بيغمنتوسيوم، والذي يعاني المصابون به بعد تعرضهم لأشعة الشمس أو أي مصدر للاشعة فوق بنفسجية للاذى على مستوى الجلد والعيون. هذا الاضطراب أكثر ترددا في افريقيا الشمالية مقارنة بباقي بلدان العالم.
ويقول هذا الأخير وهو يجلس في حضن والدته ووجهه مغطى بنمش بني اللون، اعتبره مدير المدرسة مصدر الهاء لباقي التلاميذ، "انا اكره الشمس في كل الاحوال، فهي تصيبني بتقرحات جلدية".
وقد خضع مصطفى البالغ من العمر 8 سنوات، ل11 عملية جراحية لاستئصال الاورام السرطانية على جلده.
وتتشاطر عائلته النصائح والارشادات والبحث عن علاجات جديدة شانها شان الآلاف من الاشخاص عبر العالم الذين يحاربون هذا المرض.
وفي المغرب، تناضل هذه الاسر ايضا من أجل الاعتراف بهذا المرض والحصول على اعانات الدولة والحق في الولوج الى المدرسة.
وحسب الطبيب كنيت كرايمر، الذي يقوم بابحاث حول هذا المرض بالمعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة، يصيب هذا المرض حوالي شخص من بين 10.000 بافريقيا الشمالية، وهي نسبة تفوق عدد المصابين في اوروبا ب10 مرات وعدد الاصابات في الولايات المتحدة ب100 مرة.
وبما ان الامر يتعلق بمرض وراثي، فان هذا الداء اكثر ترددا في المجتمعات التي ترتفع فيها معدل الجيزات بين الأقارب، حسب كرايمر. وهكذا يرث الاطفال المصابون بنسختين من مورثة معدلة، نسخة عن كل من الوالدين. وقد أشارت دراسة صادرة عن الحكومة المغربية سنة2016، أن ما يقارب 15في المئة من الجيزات تتم بين أفراد من نفس العائلة.
وصرحت فاطمة الفطواكي، طبيبة الأمراض الجلدية الخاصة بالاطفال بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، أن العيش في بلد مشمس طول السنة يجعل هؤلاء عرضة لسرطانات الجلد بسبب هذا المرض.
وبدون حماية، قلة من المصابين بهذا المرض تتجاوز مدة حياتهم سن المراهقة، أضافت الفطواكي. انه امر عسير في البلدان النامية حيث التحسيس بهذا المرض والتوفر على علاجات، أمر نادر، وكذلك بالعالم القروي الذي يتسم بالفقر وحيث الناس يقضون معظم اوقاتهم خارج البيت.
وخارج مكتب الفطواكي ، تجمعت عائلات قادمة من جميع انحاء المغرب، متعطشة لسماع أسماءهم إذ سرت إشاعات عن وجود علاج للاكسيرو ديرما بيغمونتوسيوم.
وتقول الطبيبة، في الحقيقة " لانملك سوى الوقاية كعلاج ممكن. يجب على هؤلاء الأطفال. .. تجنب التعرض للشمس ولو لوقت وجيز". وتتجلى أهم طرق الوقاية في : تفادي الشمس وألبسة للوقاية وغطاء واقي للوجه وواق شمسي.
وتقول فاطمة الزهراء البلوسي البالغة من العمر 25 سنة، والمصابة بسرطان الجلد واضطرابات أخرى مرتبطة بالمرض، " تمنيت لو اختار الناس تسهيل الأمور. إن كلماتهم جارحة واحس انني مخبولة"، وهي تصف نظرات الرعب التي واجهتها والتعليقات المغرضة التي كانت تلاحقها عندما تمر بجانبهم. أما أسرتها فهي تحد من تواصلها معها تخوفا من أن يكون المرض معديا.
وتضيف بلوسي " لم يرد أحد الاعتناء بي، لذلك اعتنيت بنفسي وحدي". وحصلت هذه الأخيرة على شهادة الباكلوريا لتتقدم للتسجيل بالجامعة، وهي تتمنى أن تجد عملا حتى تتمكن من سد حاجياتها العلاجية.
هذا ومعظم الأطفال الحاملين لهذه الطفرة لا يتمكنون من متابعة دراستهم، بينما المدارس الأمريكية تجهز اقسامها بواقيات شمسية للنوافذ لأجل الأطفال المصابين بهذا المرض كما تتأقلم مع احتياجاتهم، وهي ترتيبات نادرة بالمغرب.

ويقول الطبيب البيطري، حبيب الغزاوي،"أشعر بالألم لرؤية أطفال يعانون من انعدام الضمير". ولقد ترك الغزاوي وظيفته كطبيب بيطري للتحسيس بهذا المرض وتقديم المساعدة للأطفال المصابين به بعدما علم أن ابنته فاطمة الزهراء تحمل ذات الطفرة.
وقد خضعت ابنته التي بلغت سن الرشد حاليا، والتي تقوم بحملات تحسيسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ل50 عملية جراحية لاورام سرطانية على اللسان والجفون وأجزاء أخرى من جسدها. انها تظل بالداخل وتنام خلال النهار ولكن عند مغيب الشمس تخرج الى الحدائق والمنتزهات والمقاهي، مصرة على أن تعيش حياة عادية.
ويدير الغزاوي جمعية للتضامن مع أطفال القمر من منزله بمدينة المحمدية. وهو يقضي وقته بين الزيارات العائلية وتوزيع الكريمات والاقنعة والادلاء بمعطيات واحصائيات لمستشفى الدار البيضاء وممارسة ضغوط على الحكومة حتى تقوم بالاجراءات الاحترازية اللازمة لهؤلاء المرضى.
وصرحت ديبواه تامورا، باحثة في المعهد الوطني للصحة، أن مجموعات الدعم لحاملي الاكسيرو ديرما بيغمونتوسوم، قامت بتبادل ومشاطرة النصائح عبر الشبكة العنكبوتية أكثر فأكثر. كما عقدوا اجتماعا استثنائيا بلندن، السنة الماضية لأجل مشاطرة المئات من النصائح القيمة" حول قلنسوات وحماية النوافذ أو مقياس الضوء وأيضا واقيات الوجه من صهع فرنسي بداخله جهاز للتنفس.
وتصل تبرعات مجموعة الغزاوي الى عائلات المرضى مثل سعيد المحمدي، خياط من مدينة سلا، تعاني ابنته البالغة من العمر6 سنوات من هذا المرض. كما تناقش عائلتها امكانية تمدرسها.
ووصف هذا الأخير حالة طفلته قائلا" انها حزينة، ولكنني لا أستطيع المغامرة والسماح لها بالذهاب الى المدرسة بدون وجود حماية".
لكن والدتها مارية المعروفي ، دافعت عن حق ابنتها في التمدرس قائلة "إنها بحاجة الى تعليم".