ملفات أجهزة الزرع: شريعة الغابة و تغييب تام لدور الدولة في المغرب

بعد أكثر من سنة من التحقيقات المشتركة لأكثر من 250 صحفياً، تطرقت "ملفات الزرع" للعالم الغامض للأجهزة الطبية (القابلة للزرع)، والتهديد الذي يشكله غياب التمحيصات والمراقبة والتنظيم من أجل ضمان صحة المريض في جميع أنحاء العالم.
يختلف هذا التحقيق الجديد عن سابقيه من التحقيقات التي أعدها الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين ICIJ، إذ أنه ليس مجرد تسريبات، كما كان الحال بالنسبة لتسريبات ملفات بنما، أو ملفات للجنات الضريبية، وهما آخر التحقيقات الكبرى للائتلاف والتي شارك فيها لوديسك أيضا، ولا يعالج الخروقات المالية العالمية، بل ركز هذا التحقيق على إنشاء وتحليل قاعدة بيانات عالمية تضم أكثر من 8 ملايين سجل للمعدات الطبية، بما في ذلك تقارير عن الوفيات والتأثيرات الجانبية التي تسببها الأجهزة الطبية، وكذلك المستندات المتعلقة باسترجاع المعدات تمً اعتبارها معيبة.
هذا العمل المشترك الذي أجري تحت قيادة الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، يتمحور حول البحث عن المعلومات وتشكيل قاعدة المعطيات الأولى من نوعها، المتاحة للعموم. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحقيق يركز بشكل خاص على الأجهزة الطبية القابلة للزرع، وليس على الأجهزة الطبية (أجهزة الكشف بالصدى ودعامات العمليات الجراحية، إلخ)، أو على المعدات الطبية التي يسهل التخلص منها (القفازات والحقن، الخ).
وهكذا تقوم قاعدة البيانات الدولية للأجهزة الطبية (IMDD) بجرد حالات الأجهزة المعيبة في جميع أنحاء العالم، والتي تم استرجاعها أو كانت محط إنذارات. كما تجمع معلومات عن حالات وجود عطب بالأجهزة الطبية، عبر مصادر بيانات وطنية مستقاة من أكثر من عشر دول، وإذا كانت بعض هذه المعلومات متاحة للعموم إلا أنه لم يتم تجميعها قط بهذه الطريقة، مما يسمح للمرضى في جميع أنحاء العالم بأن يكونوا على دراية بمخاطر عدد كبير من الأجهزة والتي قد يؤدي بعضها إلى الوفاة.
ومن تمً فقد سمحت حاليا، كل هذه الحالات التي تم جردها و تجميعها مع بعضها، بفهم حجم المشكلة التي تشمل جميع مناطق العالم، والمخاطر التي غالباً ما يتعرض لها المرضى غير المطلعين.
وهكذا سلًط الصحفيون المشاركون في التحقيق الضوء على صناعة قلًما تكون موضع نقاش، رغم أنها تقدر بنحو 400 مليار دولار. إنً ما يماط عنه اللثام في هذا التحقيق هو مخاطر هذه الصناعة، التي لا تزال غير مفهومة من قبل عامة الناس، لأنه غالباً ما تنظم بشكل سيء، أو أن منتجيها لا يمانعون التغاضي عن الشوائب التي قد تطال الأجهزة.
ويركز التحقيق على العديد من هؤلاء المصنعين، إذ أن جميع الأسماء الكبيرة في الميد تيك أنتجت وتستمر في إنتاج أجهزة يحتمل أن تكون خطرة، في سباق من أجل الربح والابتكار. وقد أحصت الشركات العالمية الرائدة في الأجهزة الطبية وعددها عشرة بدءاً من جونسون آند جونسون مرورا مختبرات أبوت وصولا إلى بوسطن ساينس وفيليبس، أكثر من 5 ملايين (5.477.285) تقرير للأجهزة الطبية المعابة خلال الفترة بين 2008 إلى 2017 ، بما في ذلك 82.742 تقرير وفاة.
في هذا الجزء الأول من تحقيقنا المخصص للحالة المغربية، ركزنا أولاً على إعطاء سورة شاملة للوضع في المغرب، وهو ما سيسمح بشكل متزامن مع شركائنا الدوليين بتحديد المسؤوليات على مستوى السلطات العامة و الفاعلين الخواص.
بداية متعثرة يعلنها إدريس البصري
نحن في يناير 1996، حيث سيشهد المغرب حملة غير مسبوقة ضد عالم الأعمال، بقيادة ادريس البصري، الساعد الأيمن للحسن الثاني. إن أحد أكثر السجلات جنوناً "للحملة التطهيرية" التي شنتها السلطة السياسية لإخضاع "رأسماليي الدارالبيضاء" هو ما عرف بقضية "الدم الملوث"، التي تم تضخيمها "للاعتبار منها".
وهكذا أعلن بيان صادر عن وزارة الصحة أنه : "في إطار مكافحة التهريب، تم الحجز على منتجات صيدلانية، كلف الوكيل العام للملك بالدارالبيضاء أنفا معهد باستور بالمغرب بإجراء عمليات تحقق منها، وأكدت النتائج وجود أجسام مضادة لفيروس التهاب الكبد الوبائي وللإيدز.
كانت الدولة آنذاك في وضع حرج، وتحتاج لتلميع صورتها على الصعيد الدولي، خاصة أن قضية مماثلة خلقت الحدث بفرنسا قبل سنوات، لذا وجدت في شخص منصف بن عبد الرازق، صيدلي بالدار البيضاء، كبش فداء مثالي. حيث تم التشهير به من لدن الصحافة الموالية لادريس البصري، واتهم باستيراد منتجات ملوثة خطيرة من شأنها نقل فيروس الإيدز للمرضى. وصدر في حقه حكم بتسع سنوات خفض لست سنوات، على الرغم من التحقيق المثير في لافي إكونوميك الذي قوًض كل هذه الاتهامات وشهادة المتخصصين البارزين مثل البروفيسور بنشمسي، وحكيمة حيميش، لكن البروفيسور عبد الله بنسليمان شارك في هذه المؤامرة.
ومن المفارقات، أنه خلف الانتهاكات الفظيعة التي مورست، فإن ما يسمى قضية "گاما گلوبولين "خلقت وعيا حول دخول عدد من المنتجات إلى المغرب دون أي رقابة قبلية أو بعدية" كما يشهد بذلك اليوم مصدر من داخل وزارة الصحة طلب عدم ذكر اسمه.
ولسبب ما، لم يتم تطبيق آلية الرقابة المتوخاة والتي وضعت منذ عشرين عاما. وحاليا، "لا يؤخذ بعين الاعتبار سوى منشور يرجع تاريخ تعميمه إلى سنة 1997 لا تترتب عليه أي عواقب قانونية قابلة للتنفيذ (...) ولا تسري أحكام قانون 2013 (المصادق عليه سنة 2015) بحذافيرها"، كما يقول المصدر.
لكن في السنوات الأخيرة، تطور تنظيم القطاع بالفعل، "ولكن فقط على الورق"، كما يؤكد ذلك عبد المجيد بيليش، الخبير والاستشاري في مجال الصحة. إذا كان الإطار القانوني قد حدد بطريقة أكثر تقييدً مفهوم المنتجات الصيدلانية غير الدوائية، فإن الظهير والمراسيم والدوريات والتعميمات الصادرة منذ سنة 2012، تضع إطارًا للأجهزة الطبية، وتحدد معايير تصنيفها، والمتطلبات الأساسية للجودة وضمانات الفعالية ومتطلبات تحديد هوية صانعيها والموزعين وما إلى ذلك، وشروط وإجراءات منح رخص المزاولة "يكفي الحصول على شهادة تسجيل، أي ما يعادل ترخيصا بالمزاولة في سوق للأدوية، ولكن دون إكراهاتها" يقول الخبير الذي يصف القطاع بأنه "فوضوي".
وبقسم تسجيل الأجهزة الطبية المتاخم لمركز مكافحة السموم الموجود في محيط المستشفيات الجامعية في الرباط، تمكنت لوديسك من معاينة إلى أي مدى تختصر الملف التقني الذي يصاحب كل طلب للتسجيل. و في تجمهر لا يوصف، يتدافع أصحاب الملفات الذين لا حصر لهم، بغية الحصول على ترخيص لتسويق منتجاتهم المستوردة من أوروبا والولايات المتحدة ودبي أو الصين. وهنا تصبح المحسوبية والعلاقات الشخصية والبقشيش والاكراميات شيئا متداولا، وحيث الاجراءات والآليات الميدانية لا تعكس البتًة رزمة النصوص القانونية المفترض فيها تنظيم هذه الأعمال المربحة.
وتظل العقبة الرئيسية أمام تنفيذ نظام صارم هي تنوع المنتجات وتعددها، التي تعتبر كأجهزة طبية. تصنيف يبدأ من شاش الجراحة والقطن واللاصقات الطبية إلى أجهزة الكشف بالصدى الأكثر تطورا، مرورا بالأطراف الاصطناعية، وحتى البرامج المعلوماتية. ويقول مسؤول في هذا القطاع "يوجد بين 6000 الى 7000 مرجع لمنتوجات مصنفة، ولكن هناك حوالي 40000 منتوج يتم تداوله" معترفا بأن قسمه الذي يوفر شباكا وحيدا للتعامل مع الطلبات "يرزح تحت الضغط ولا يستطيع الفصل بين المنتوجات الأصلية والمواد المقلدة".
وفي الواقع، لا يوجد في المغرب مؤسسة ملائمة للمراقبة، مراقبة يفترض أن يقوم بها نظريا، المختبر الوطني لمراقبة الادوية (LNCM) والذي "انخفض عدد العاملين فيه من 13 إلى 3 أشخاص ! "، كما يوضح مسؤول بالوزارة.
وفي أوروبا، كان الحل من أجل نجاعة المراقبة هو السير في اتجاه تخصص الدول. في فرنسا GEMED، التابع للوكالة الوطنية (ANSM)، في ألمانيا Tüv. وتظل أعلى معدلات الخطورة مقترنة بالمواد الاستهلاكية الطبية، أي بالخصوص المعدات المعقمة الصغيرة (القفازات والكمادات والمحاقن)
يؤكد ذات المصدر "من أجل مراقبة كل شيء، يتطلب الأمر عدة تجريبية مكلفة، وموارد بشرية متخصصة ومدرّبة وذات رواتب جيدة، وهذا ليس هو الحال"، على الرغم من دعم منظمة الصحة العالمية، وبرنامج التكوين في اليابان، (الممول من JICA، منظمة التعاون اليابانية)، وفي كل من الولايات المتحدة وفرنسا.
في السابق، وبفضل الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز، تم إنشاء مختبر داخل المختبر الوطني لمراقبة الأدوية من أجل اختبار الواقيات الذكرية". وكان يعتبر واحدا من الأفضل في العالم، وكان يتم اللجوء اليه من قبل الدول الإفريقية والأوروبية"، حسب تصريحات إطار سابق فيه، والذي ترك كل شيء وانتقل إلى القطاع الخاص "حتى لا يتورط في يوم من الأيام في ملف مخالفات تقنية أو سلسلة رشاوي أو حادث مميت" يعترف هدا الأخير للوديسك.
كارتل الموزعين وصيدليات لا تعد ولا تحصى
يتمحور السوق في هذا القطاع حول ثلاثة أو أربعة فاعلين رئيسيين متخصصين في منتجات معينة، وعدد لا يحصى من الصيدليات تستجيب لمختلف صفقات وزارة الصحة التي تنخفض أسعار مناقصاتها سنة بعد أخرى.
وقد لفتت الجمارك الانتباه مرارًا وتكرارًا إلى هذا التشظي الموجود في السوق، منبهة إلى أن نظام المراقبة ليس فعًالا. ويشرح بلعيش أن "اتجاه هوامش الربح نحو الانخفاض، يجعل الصيدليات الوسيطة تغير مموليها حسب تحول الأسواق"، متحسرا لكون هذا الأمر "يمنع أي تتبع للمنتجات، لأنه بدلا من اتخاد القرارات انطلاقا من العلامات التجارية، تتخذ انطلاقا من مرجع عام".
هذا الأمر يعود للقواعد التي تضمنها المنشور الوزاري مع فرض مراقبة مسبقة على هذه الأدوات الطبية، ولكن الدكتور عمر بوعزة ، الرئيس السابق لمديرية الأدوية والصيدلة (DMP)، والذي فضح لوديسك صفقاته المشبوهة التي تسببت في تنحيه عن منصبه، تمكن من إقناع الحسين الوردي وزير الصحة السابق باسم "الزيادة في تدفق السوق والحصول على أسعار منخفضة للمستشفيات العمومية"، أنه من الضروري أن يعتمد القانون 84-12 لسنة 2013 على المراقبة البعدية، لأجل عدم : "تحميل المسؤولية للإدارة في حالة حدوث خلل"، ويؤكد بلعيش على "خطورة الوضع"، معربا عن أمله في أن الأستاذ جمال توفيق، الذي عين مؤخرا على رأس مديرية الأدوية والصيدلية سيكون قادرا على فرض النظام في هذه الغابة ".
إن المراقبة البعدية هي بالتأكيد حل مطبًق في عدد من الدول، لا سيما في أوروبا، حيث تتخصص الدول في مراقبة نوع معين من الأدوات الطبية استنادا إلى الخبرة التي اكتسبوها في هذا المجال، مع التشديد على تنفيذ نظام دقيق للتتبع هذه المواد. وفي عام 2012، تخلت المفوضية الأوروبية عن فكرة وجود نظام ترخيص مسبق للأجهزة الطبية. ومرد هذا الأمر : أن مثل هذا التفويض المسبق سيتطلب إنشاء نظام مراقبة أوروبي جديد، ما يكلف المزيد من الأموال للاتحاد الأوروبي. وفقا لتقرير المفوضية حول الموضوع، فإن هذا العبء الإداري الإضافي، لن يؤثر على الميزانية فقط وإنما أيضا على القدرة التنافسية للأجهزة "المصنًعة في الاتحاد الأوروبي"، بتمديد الوقت اللازم لتسويقها (تفسيرات " تقييم الأثر 2012.09.26 ").
لكن الإنزلاقات التي تترتب عليها عواقب وخيمة ومؤلمة وكذا عدة فضائح تحدث عاجلا أو آجلا. النموذج الصارخ في هذا الصدد، هو فضيحة زرع الأثداء الشهيرة في فرنسا ذات العلامة التجارية PIP، ولكن الفضيحة لم تطل نفس العلامة في المغرب حيث ظلت تباع مع ذلك،" لأن لا أحد يعرف بالضبط أي من المرضى استعملوها، ولا ما هي حالات اقتناء هذه العلامة، وبالتالي جاءت تقارير الوزارة مطمئنة".
أظهر البحث الذي أجراه معهد ICIJ ووسائل الإعلام الشريكة، أن مشكلة الافتقار إلى ضوابط المراقبة أمر شائع في العديد من البلدان. بالنسبة للبعض، كما هو الحال في المغرب، فإن السلطات المسؤولة عن المراقبة الصحية عفا عليها الزمن ببساطة، بعد أن فشلت في إنشاء وحدات ومراقبة الضوابط اللازمة للتعامل مع تعقيد عالم الأجهزة الطبية.
ومع ذلك، وفي حالات أخرى، حيث تكون المؤسسات أكثر قوة، فإن التحقيق يكشف أن اللوبيات تنزل بكل ثقلها، خاصة فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي. وبالفعل، فقد تمكنت جيوش اللوبيات مرتين من عرقلة خطط طموحة للإصلاحات التنظيمية للأجهزة الطبية، مما يشكل مشكلة صحية حقيقية، حتى خارج حدود الاتحاد، إذ أن العديد من البلدان تستخدم كضمان للجودة التراخيص الممنوحة للأجهزة في السوق الأوروبية، وبالتالي تسمح بتسويق الأجهزة على أراضيها.
يبين هذا التحقيق أن العديد من السياسيين الأوروبيين قد تم تضليلهم وتغليطهم من قبل بعض مصنعي الأجهزة الطبية بعد تقديم دراسات زائفة تقدمها ذات اللوبيات. إذ أن السباق المحموم للابتكار، يتطلب تسويقا يسابق الزمن. ويساهم المنظمون الأوروبيون في تعاظم أرباح الصناعيين على حساب صحة المرضى. ويؤكد هذا التحقيق أن العديد من الأجهزة الطبية يتم طرحها في السوق واستخدامها دون أي رقابة مسبقة وغالباً دون اختبارها على البشر.
وقد أظهرت أمثلة ملموسة أن بعض المنتجات التي لا تتوافق مع المعايير تخترق السوق المغربية بسهولة، مثل الحقن المعبئة ذات المغلفات النفوذة لأوكسيد الإيثلين، وبالتالي تكون غير معقمة. ولا تتطلب مواصفات وزارة الصحة إلا شهادة التسجيل، وهذا النوع من المنتجات موجود دون أية معيقات في جميع المستشفيات العامة في المغرب.
ميدترونيك، بطل منكوب لأجهزة مُعابة
على رأس قائمة الشركات المنكوبة التي كشف عنها التحقيق العالمي، نجد شركة ميدترونيك الأمريكية العملاقة، وهي شركة تصنيع تجاوزت مبيعاتها الآن 30 مليار دولار. بعدما واجهت صعوبات كبيرة سنة 2008، بعد التحقيق معها من قبل السلطات الأمريكية بسبب مزاعم لتقديم رشاوي لأطباء وكذا مخالفة برنامج صحي للحكومة الأمريكية، قبل أن تشهد قفزة جعلتها تضمن مكانها بين أكبر الأسماء في هذه الصناعة من خلال مضاعفة رقم معاملاتها. إذ حققت ميدترونيك ذلك من خلال تسويق المئات من المنتجات الجديدة وافتتاح فروع لها في أكثر من 160 دولة (بما في ذلك فرع في الدار البيضاء في أواخر عام 2016).
اتهمت ميدترونيك في عدد كبير من الدول، بالترويج لمنتجات غير مصرح بها، والتحايل على الحكومات لتحديد الأسعار، وحث أطباء لإجراء دراسات علمية إيجابية عن منتجاتهم وعرقلة المنافسة. جاء هذا الانتشار المذهل لهذه الشركة على حساب صحة المرضى الذين يستخدمون منتجات ميدترونيك. والأدهى من هذا، وكما يكشف تحقيق "أجهزة الزرع"، قد سجل 292.000 حادث يعزى إلى استخدام منتجات ميدترونيك أو إحدى شركاتها الفرعية بين عامي 2008 و 2017 ، بالإضافة إلى 9300 حالة وفاة.
من بين أكثر المنتجات مبيعاً في ميدترونيك، نجد مضخات للأنسولين، والتي تم ترويجها في المغرب سنة 2017 من قبل أفريقيا للسكري، وهي "شركة اجتماعية وعائلية" يديرها صحفي سابق، مع توجه بارز للترويج لنفسها في الصحافة، كما يتضح من العدد الكبير للمقالات الترويجية المنشورة في وسائل الإعلام في المملكة. ومع ذلك، فإن طرازات ميني ميد التي تم تقديمها والإعلان عنها مرفوقة بضجة إعلامية كبيرة، كانت بين سنتي 2014 و 2015، السبب وراء تسجيل أكثر من 75000 حالة تأثير جانبي سنويًا، لدى المرضى الحاملين لأداة الزرع من هذه النوعية، وسُجًل ما يزيد عن 300 حالة وفاة في السنة لهؤلاء المرضى خلال هاتين السنتين.
الشيء نفسه بالنسبة للأوراك الصناعية المصنعة من قبل شركة DePuy Orthopedics، وهي شركة تابعة للشركة الأمريكية Johnson & Johnson، والتي ثبُت وجود خلل بها وخطورة في منتوجها المسوق عبر العالم. وفي أعقاب هذه الفضيحة الصحية، التي وجدت صداها في الصحافة الوطنية، تم تنبيه المرضى وأجريت جراحات تعويضية للأطراف الاصطناعية في جميع أنحاء العالم. "في المغرب، في غياب التتبع، لم تكن هذه الأطراف الاصطناعية موضوع مناقشة أو جدل، حيث كان من المستحيل على الخدمات الصحية أن تعرف ما إذا كان المرضى قد خضعوا لزرع هده الأوراك"، يشرح مصدر مقرب من الملف.
وقد اكتفى رئيس الجمعية المغربية لجراحة العظام والمفاصل ب التصريح أن هذه الآلات "لم يتم تسويقها في المغرب لأنها مكلفة للغاية". ومع ذلك، من المستحيل معرفة ما إذا كانت قد استخدمت من قبل الجراحين المغاربة أم لا. لسبب وجيه، ألا وهو أن جميع الأجهزة الموجودة داخل التراب المغربي لا تخضع بالضرورة للمواصفات المعيارية الأوروبية المعمول بها والتي تضمن سلامتها.
غير أن ما أتبثه زملاؤنا الأوروبيون، فإن نظام المعيار الأوروبي ليس حريا بالثقة كما يروج له بعض أعضاء المجتمع الطبي والسلطات الجمركية. تتبع الأجهزة وغيرها من المنتجات الطبية الصيدلانية أمر أساسي في أوروبا، نظرا لعدم وجود نظام للترخيص المسبق. ولهذا السبب، ولأسباب تتعلق بالفعالية الاقتصادية، كما هو موضح أعلاه، فإن تقاسم مسؤوليات الحماية يتم تقاسمه بين البلدان، وليس مستوى الاتحاد الأوروبي. إن علامة المعيار الأوروبي هذه ليست ضمانًا للأمان بنسبة 100٪ ، لكن في المغرب يتم اعتبارها كأمر بديهي.
والأدهى من هذا، تم استفسار إطار في المختبر الوطني لمراقبة الادوية الذي كشف أن المستوردين يدًعون أن علامات تجارية صينية مشبوهة تحمل علامة المعيار الأوروبي، "هناك خلل في المعلومات حول السلع، والمصنعون يخدعون الجميع لأن علامة المعيار الصينية المطبوعة على الأجهزة تعني حسب الاوروبيين تم تصديره من الصين وهي توظف نفس الحروف الأبجدية التي تطبع في الأجهزة التي تحمل علامة المعيار الأوروبي" يضيف ذات المصدر.
وفقًا لممثل شركة جونسون آند جونسون الذي سأله موقع لوديسك، فالمغرب مثل الدول الأخرى التي لديها نظام مراقبة غير فعال، تعرف مشكلة حقيقية للاتجار غير المشروع في الأجهزة الطبية. "لا يتعلق الأمر بوجود سوق موازية فقط كما يقول ولكن أيضا لأن الأمر يشكل خطرا كبيرا على صحة المريض إذ لا يتم نقل هذه المواد وتخزينها وتسليمها بشكل مناسب من قبل الوكلاء المعتمدين"، حسب تصريحاته. في الواقع، رأى لوديسك أيضًا أن محلات للبيع بالتقسيط تكثر في محيط المستشفيات ولا تتردد في تغيير علاماتها التجارية حسب أهواء السوق، أو حتى إنزال الستارة و إغلاق محل البيع للفتح مجددا في مكان أبعد، كوسيلة للتضليل.
ووفقا لمصدر معتمد من وزارة الصحة، إذا كانت هناك قاعدة معطيات لتقارير وبيانات جرد للأجهزة الطبية المعيبة، فإنه حسب مصدرنا "لا يمكن الاعتماد عليها، خاصة أنها ليست مٌحيًنة ولهذا السبب لا يتم الإعلان عنها" ويكشف مضيفا أن "الجراحين الذين يُنبهون لهذه الحالات يُحسبون على أصابع اليد الواحدة، نظرا للتواطؤ الواضح بين الشركات المصنعة والمهنيين (...)إن خدمة التنبيه الآلي الطبي فقاعة فارغة في الواقع. وقد تصل بعض الشكاوى إلى المختبر الوطني لمراقبة الادوية من حين لآخر، لكن عموما لا يتم إخطار المختبر من قبل الأطباء".
وأخيراً، لا تُستخدم التسمية الجمركية (الفصلين 28 و 30) كشبكة أمان للاستيراد العشوائي للأجهزة الطبية، ولا تطبق الجمارك ضرائبها إلا تبعاً لطبيعة المادة التي يتكون منها المنتوج : فلز أو معدن أو بلاستيك أو غيرها من المواد وليس حسب خصوصيتها ...
لوصف هذا النظام، فإن المصادر التي قابلها لوديسك في قلب إدارة الصحة العامة تستحضر "سيطرة الدولة" التي تسمح لكبار التجار بالتحكم في السوق. "في مستشفى الشيخ زايد بالرباط، نجد الموزع بروماميك في الطليعة، والذي كان يسمى في السابق كوماميك قبل أن يغير اسمه، تم اتهامه بإعلان بيان كاذب" يكشف مصدر داخلي. وتعد تيكوس واحدا من أفضل الموردين للأجهزة الطبية في مستشفى ابن سينا، الوحدة الرئيسية في العاصمة ... شركات أخرى مذكورة أيضا تتقاسم السوق : Steripharma، Sterifil، Cyclopharma، MI sante
القطاع الخاص يلعب نفس لعبة كارتل الموردين بمضاعفة بيانات عدم الامتثال للمعايير الضرورية للأجهزة الطبية من أجل إبعاد بعض العلامات التجارية عن المنافسة، كما يفسر مدير مصحة خاصة في الدار البيضاء. "بما أن خدمة التسجيل لا تلعب دورها في المراقبة، فإن قانون 2015 الأكثر تساهلاً لم يعد يحمي المرضى. ونتيجة لذلك، لم يعد المسؤولون التنفيذيون في المختبر الوطني لمراقبة الأدوية يؤشرون على شهادات التسجيل والتي لم يتم قبولها رغم ذلك". ولقد تمكن لوديسك من التأكد من هذه المعلومة من أحد المراقبين والذي طلب عدم ذكر إسمه خوفًا من الأعمال الانتقامية داخل إدارته.
ينص القانون على إنشاء لجنة استشارية وطنية للأجهزة الطبية (CNCDM). ومع ذلك، "لا تجتمع بشكل رسمي لتقييم كل ملف"، وفقا لإطار صحي. "في بعض الاجتماعات، تتم مراجعة 600 إلى 800 منتج بشكل سريع، وأحيانًا يتم ذلك فقط من أجل التأشير عليها. وهناك أيضا مشكلة خطيرة تتمثل في كفاءة أعضاء اللجنة"، يقول المصدر نفسه نقلا عن التحذير الذي صدر في نونبر 2017 من قبل فوزي ربيع، الصيدلي والمفتش بمديرية المستشفيات والعلاجات المتنقلة والذي حصل لوديسك على نسخة منه، حيث يحذر من الخلط بين المنتجات والعلامات التجارية من قبل أعضاء اللجنة والذين من المفترض أن يراقبوها.
ويخلص بلعيش إلا أنه "ينبغي للأجهزة الطبية، بالطريقة نفسها التي تتبع في الأدوية، أن تحتوي على تعريف دقيق للعلامة التجارية، ومراجع يمكن تتبعها، وبيانات عن مكونها، وعناصر تقنية يمكن التحقق منها، والأمر يعود لـمديرية الدواء والصيدلة لتفعيل هذه التدابير وجعلها إجبارية". وبالنظر إلى الفوضى التي تعم السوق المغربية بل و حتى على الصعيد الدولي، يظل هذا الهدف بعيد المنال، وتُخلف الرقابة موعدها لسوء حظ المرضى !