مناطق الظل في قضية ترحيل القس البدوفيل نحو الولايات المتحدة

قال ممثل ادعاء امريكي يوم الجمعة إن القس الكاثوليكي ارثر ج. بيرولت الذي كان مطلوبا من المحاكم الامريكية منذ سنة 1992 بتهمة الاعتداء الجنسي على قاصر، تم ترحيله من المغرب لمحاكمته في الولايات المتحدة.
وبحسب ما صرح به جون أندرسون المدعي العام لولاية نيومكسيكو في مؤتمر صحفي، فقد اتهم آرثر بيرولت بأنه "اعتدى مرارا على طفل دون سن 12 عاما بين سنتي 1991 و 1992" بينما كان يعمل قسيسا عسكريا في قاعدة جوية عسكرية، قرب ألباكركي.
وكان القس في حالة فرار منذ عام 1992، إذ اختفى في البرية بعد اخطاره من أبناء أبرشيته بالاستقالة والمغادرة إلى كندا. بعد بضعة أيام، رفع محام من ألباكركي، أكبر مدن ولاية نيومكسيكو قضيتين ضد أبرشية سانتا في، نيابة عن سبعة أشخاص اتهموا الكاهن بالاعتداء عليهم جنسيا عندما كانوا أطفال.
ووفقاً للمحققين، فقد هرب أولاً إلى فانكوفر ثم إلى المغرب، حيث عثر على أثره محققو مكتب التحقيقات الفيدرالي في النهاية سنة 2016. وفي ذلك الوقت، كانت المقالات الصحفية في الولايات المتحدة قد تناولت قضيته لأول مرة.
وفقا لوسائل الإعلام الأمريكية المحلية، وعلى الأخص صحيفة ألباكركي، فإن الرجل البالغ من العمر 80 عاما أمضى أكثر من 20 عاما في مدينة ديترويت، محاطا بالأطفال الذين علمهم اللغة الإنجليزية. كما عمل في مركز لغوي بطنجة، طرده بعدما وجهت له الاتهامات بالبيدوفيليا.
وبشكل أكثر تحديدا، فإن قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال عادت إلى الظهور في الولايات المتحدة عندما أعلن كينيث وولتر البالغ من العمر 37 عاما كضحية، وقدم شكوى في دجنبر 2015 ضد الكاهن بسبب الاعتداء الجنسي عليه عندما كان صغيرا. وقال وولتر "ابعاد بيرولت عن الأطفال هو الأولوية القصوى بالنسبة لي، خاصة إذا كان لا يزال محاطًا بالأطفال دائمًا، لأنه لن يتغير أبدًا".
وبحسب محاميه، فإن المحققين في الولايات المتحدة نسقوا مع مخبر في المغرب، عثر على الكاهن الذي كان يعمل بالمركز اللغوي الأمريكي، وفي مدرسة اللغة الإنجليزية في طنجة، حيث كان يعيش بشكل متقطع لأكثر من ربع قرن. "البيدوفيل الأمريكي الذي منح حياة طبيعية في المدينة، يعمل مدرسا في مدرسة أمريكية غير مساره في نهاية الشهر بمجرد اكتشافه والتنديد به من طرف المخبر المغربي" و"لا يذكر موقع المدرسة على الإنترنت فئة عمرية لطلابها، إذ تظهر الصور على الموقع للأطفال والبالغين الشباب من مختلف الأعمار "، كما ورد عند الباكركي جورنال.
وقال مصدر يعمل في المركز اللغوي الأمريكي، في اتصال هاتفي يوم 5 ماي 2016 أن الكاهن السابق ليس موظفا في المدرسة، ووفقا لما ذكرته صحيفة الباكركي. ومع ذلك، فإن أحد موظفي المركز قد تلقى ووقع طردا من ارساليات فيديكس أرسل إلى آرثر بيرولت وفقًا لوثائق المحققين.
الطرد الذي يحتوي على نسخة من الشكوى الموجهة من طرف كينيث وولتر، وباستدعاء للحضور أمام المحكمة انتقلت عن طريق شركت "أنكياري ليغال كورب" وهي شركة دولية متخصصة في إرسال الاخطارات القضائية، توصل بها ووقعها مسؤول في 22 أبريل 2016. حسبما أوردت صحيفة محلية في المدينة الرئيسية لنيو مكسيكو، كما أشارت إلى أن تسليم طرد ارساليات فيديكس الثاني مع وثائق مماثلة إلى شقة الكاهن السابق في طنجة لم يتم.
إيقاف الكاهن قبل سنة بدعم من الرباط
وأوضح المدعي العام أندرسون أن الكاهن الذي تم اعفاؤه من طرف مركز اللغة الأمريكي، قد تم ايقافه من طرف السلطات المغربية في 2017 وتواجد رهن الإحتجاز في المغرب إلى أن تم ترحيله الخميس الماضي.
"وقد ألقت السلطات الأمنية المغربية القبض على بيرولت يوم 12 أكتوبر 2017 في المغرب على أساس مذكرة توقيف مؤقتة صدرت نتيجة للأفعال الواردة في لائحة الإتهام، والتي أودعت بالختم يوم 21 سبتمبر 2017. وسلمت السلطات المغربية المتهم بيرو إلى سلطات مكتب التحقيقات الفدرالي يوم 20 سبتمبر 2018. وقد رُفِع الختم في وقت سابق اليوم بعد أن أمر مكتب المدعي العام الفدرالي المحكمة بإيقاف المتهم من طرف مكتب التحقيقات الفدرالي ونقله من المغرب إلى الولايات المتحدة، وأن مكتب التحقيقات كان ينقل المتهم إلى نيو مكسيكو. ومن المتوقع أن يمثل بيرولت لأول مرة أمام قاضي التحقيق الفدرالي كارين ب. مولزن بعد ظهر اليوم"، حسب بيان صدر يوم 21 سبتمبر عن وزارة العدل الأمريكية.
"تسليم بيرولت هو نتيجة لتعاون وثيق (...) مع وزارة العدل المغربية، وسلطات الأمن المغربية، و مكتب الشؤون الدولية التابع لوزارة العدل الأمريكية و الملحق القانوني لدى السفارة الامريكية بالمغرب" يوضح نفس المصدر.
وشكر جيمس لانغنبرج، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي المسؤول عن التحقيق، المغرب على مساعدته في هذا الأمر، قائلا : "سيمثل بيرولت أخيرا أمام المحكمة للإجابة عن أفعاله".
ويواجه القس عقوبة بالسجن مدى الحياة، بسبب التهم الموجهة إليه والتي تم تقديمها إليه رسمياً من قبل قاضٍ يوم الجمعة 21 شتنبر. والتي تتضمن الإيذاء الجنسي مع ظروف مشددة.
وتذكر وسائل الإعلام المحلية في الولايات المتحدة أن أبرشية نيو مكسيكو قد دخلت في عدد كبير من الصفقات المالية السرية لضمان عدم ظهور اتهامات بالاعتداء الجنسي على الأطفال ضد رجال الدين. وواجهت الكنيسة الكاثوليكية منذ أشهر تناسل فضائح الإعتداءات الجنسية الواسعة النطاق حول العالم - والتي غالبًا ما غطت على الأبرشيات الصغرى- خاصة في أستراليا والشيلي والولايات المتحدة.
لا تعليق للسلطات المغربية على الواقعة
وإن ذكرت وزارة العدل الامريكية عبر قنواتها التواصلية بأنه "تم تذكير العموم بأن التهم الموجودة في لائحة الإتهامات ليست سوى ادعاءات وأن المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم قطعيا أمام المحكمة"، فإنها تشجع كل شخص يملك أي معلومات الممارسات التي من المحتمل أن يكون المتهم قد قام بها الإدلاء بذلك إلى السلطات الأمريكية.
"لم تنتهي القضية" يحذّر جيمس لانغنبيرغ. فالكاهن الذي عمل في نيو مكسيكو بين أعوام 1973 و 1992، قد يكون له ضحايا بالعشرات خصوصا في التجمعات الهندية و الاسبانية حيث كان يعمل. ولكن ماذا عن المغرب، هل كان آرثر بيرولت على اتصال بقاصرين خلال سنوات طويلة من المنفى؟
وتم التكتم على قضيته من طرف السلطات التي لم تحِط علما بتعاونها لما يفوق السنة مع مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل الأمريكية. ولا أحد يعرف إلى يومنا إذا ما تم فتح تحقيق مواز حول تواجد المتهم مع التلاميذ المغاربة لمركز اللغة الأمريكي في طنجة ومؤسسات لغوية أخرى بالمدينة، أو في بيئته المباشرة.. إلخ. ويبدو ان الجانب الأمريكي لم يتعمق بما يكفي في حياة الكاهن بالمغرب، واكتفى بالتركيز على المتابعات القديمة المتعلقة بنيو مكسيكو.
اتفاقية الشراكة مع الولايات المتحدة ذات التداعيات الدبلوماسية كونها تتعلق بمؤسسة تعتمد على السفارة الأمريكية، هل عمدت إلى إخلاء الجانب المغربي من القضية؟ لم يستطع لوديسك الحصول على جواب من وزير العدل محمد اوجار الذي تعذر التواصل معه، لكن مدير ديوانه محمد ناصر اجاب عبر اتصال هاتفي ببساطة بأنه "لا يملك أي معلومات عن الموضوع".
"تسليم بيرولت تسنى بفضل رد المغرب على مذكرة من الأنتربول تقدمت بها الحكومة الأمريكية. و تم اصدار هذه المذكرة على أساس اتهامات موجهة ضد السيد بيرو بالولايات المتحدة. و ننصحكم بالتوجه إلى الحكومة المغربية للحصول على معلومات حول تحقيقات الشرطة المحلية"، حسب ما صرح به للوديسك السيد جوش فاغنر المسؤول الصحفي و الناطق بإسم السفارة الأمريكية بالرباط.