من هم الخاسرون والرابحون من منطقة التبادل الحر الافريقية؟

افتتح المؤتمر الثاني عشر للاتحاد الافريقي، يومه الخميس 4 يوليوز، بعاصمة النيجر، نيامي، ليعطي انطلاقة رسمية لمنطقة التبادل الحر القارية الافريقية التي تشمل 54 دولة ، بخلق سوق وحيد للتجارة والخدمات.
لم تقصر حكومة النيجر جهدا لأجل استقبال المؤتمر 12 للاتحاد الافريقي الاستثنائي. مطارات وطرق جديدة، فنادق راقية حديثة التشييد، كلفت هذه التجهيزات ما لا يقل عن 687 مليون أورو، أي ما يعادل ربع ميزانية الدولة لسنة 2019، تم تخصيصها لاستقبال رؤساء الدول الافريقية بكل فخامة. وتؤكد السلطات أن نسبة80 % من هذه الاستثمارات تم توفيرها من لدن القطاع الخاص عبر شراكات (عمومية- خاصة) وما تبقى (20 %) تكفلت بها الدولة، وهي نسبة تشكل مبلغا مهما في بلد يعتبر الأفقر في العالم.
ولم يكن شيء سيمنع الرئيس محمد يوسفو، عن هذا الموعد، حيث يقول الرئيس في الشريط الترويجي للمؤتمر " يجب أن تكون نيامي في كامل تألقها". رئيس النيجر الذي يقضي ولايته الثانية والتي ستنتهي في غضون 2021، يجدها مناسبة لترك بصمته في التاريخ، إذ أن هذا المؤتمر سيعطي انطلاقة منطقة التبادل الحر القاري الافريقي، الذي قاد يوسفو، سيرورة تطبيقه في الشهور الأخيرة.
هذا المشروع الذي تم تقديمه عبر أنحاء القارة، كنتيجة لفكرة قديمة للقومية الإفريقية، هي فكرة تم إحياءها من قبل بول كاغام، السنة الماضية. وهو مخطط ليبرالي راديكالي على مستوى الأعمال، بقدر ما هو سلطوي فيما يخص الحكامة، ويقدم الرئيس الروندي نفسه كتلميذ للي خوان يو، الوزير الأول السابق لسنغافورة الذي جعل من دولته الآسيوية الصغيرة محطة كبرى للتبادل الحر.
ويتوقع من منطقة التبادل الحر خلق سوق وحيدة للسلع والخدمات تضم 54 دولة من القارة الافريقية، مما سيوفر ناتجا داخليا خاما يقارب 2220 مليار دولار، لساكنة يصل عددها الى1,3 مليار شخص، أي عددا وفيرا من المستهلكين المحتملين. وهو ما يسيل لُعَاب بعض الشركات المتعددة الجنسية.
ولهذا ينص هذا الاتفاق على حذف 90 % من التعريفات والرسوم الجمركية في غضون خمس إلى عشر سنوات. هذا هو مضمون الاتفاق المبدئي، أما ما تبقى منه فيجب اختراعه والتفاوض حوله. وإحدى أهم النقاط التي يجب الوقوف عليها خلال لقاء نيامي، ستكون التوافق حول القوانين الخاصة بالمنتوجات الموسومة بالعلامة "صنع في إفريقيا".
وقد أشاد كل من الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة الأمريكية والمنظمة العالمية للتجارة وعدة مختصين في اقتصاد الليبراليين والعديد من وسائل إعلامية من كل بقاع العالم بالاتفاق، باعتباره خطوة أساسية نحو القومية الإفريقية رغم أنه نسخة مما تم صياغته في أماكن أخرى، كما أنه يعتبر فرصة للقارة لتعويض تخلفها عن الركب الحضاري والولوج إلى النظام العالمي الاقتصادي الجديد.
وقد أثار هذا الاتفاق حماسة شديدة، ونادرة، لدى رؤساء الدول الإفريقية : فقد تم بلوغ سقف عدد المصادقات اللازمة لانطلاقته خلال زمن قياسي (22 دولة) ، وفي مدة لا تتعدى 15شهرا فقط، أسرع من المدة التي استلزمتها اتفاقيات شبيهة تَمَّ توقيعها في قارات أخرى. فبعد انضمام غينيا في أبريل الماضي، دخل اتفاق المنطقة الحرة قيد التنفيذ في 31 من ماي الماضي.
وهنا يجب القول أن المشروع تم الترويج له بشكل جيد، وهكذا يتوقع تقرير صدر مؤخرا، لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الذي كان راعيا للاتفاق، أن منطقة التبادل الحر من شأنها أن ترفع نسبة التجارة البينية الإفريقية بنسبة 33 %، وسينتج عنها أرباح تقدر ب16,1 مليار دولار. كما أنها ستشكل قاطرة للتطور في افريقيا.
ويمتدح الأمين العام للأمم المتحدة، موشيكا كيتويي، "الإمكانيات الهائلة للتجارة البينية الافريقية". كما يؤكد المتخصص في الاقتصاد، كارلوس لوبيز، ذو التأثير الكبير على وسائل الاعلام الفرنسية، أن الاتفاق هو "فرصة تاريخية" للقارة. كما يضيف أن "صوت إفريقيا في منظمة التجارة العالمية سيكون على قدم المساواة مع الهند من حيث الأهمية والحجم" حسب ما يتصور.
وفي هذا السياق الذي توحدت فيه الأصوات الليبيرالية، تظل الانتقادات في القارة نادرة. صحيح أن الرأي العام لم يتم اشراكه في النقاش.إذ أن معظم المصادقات تم تَبَنِّيها دون نقاش حقيقي على مستوى البرلمانات الإفريقية.
تنوع صادرات المغرب تجعله من بين المستفيدين من الاتفاق
ولقد رفض الرئيس النيجيري محمدو بخاري، رئيس ثاني اقتصاد افريقي، التوقيع على هذا الاتفاق تخوفا من ورود منتوجات وافرة مستوردة من آسيا أو أوروبا مرورا بأحد الدول الافريقية. كما يتخوف من منافسة اقتصادات قارية كبرى أخرى. وتحت ضغط من كل الجهات، خاصة من قبل رجال الأعمال النيجيريين على غرار الملياردير أليكو دونغوت، الذي يعتبر من مناصري الاتفاق عبر المبادرة "أفرو للأبطال"، اضطر في نهاية المطاف الى الانصياع وقبول الاتفاق قبيل عقد المؤتمر.
ولم يعد يعارض الاتفاق سوى البينين وإريتريا. كما عبرت بعض النقابات عن قلقها ولو بشكل خجول من منطقة التبادل الحر. وقامت عدة منظمات مثل "شبكة العالم الثالث الافريقية" و"تنسيقية لأجل افريقيا الغد" و"لجنة إلغاء الديون غير القانونية"، بالتنديد بالاتفاق وتقديم حجج ضده.
وتتوقع هذه المنظمات أن تستفيد الشركات المتعددة الجنسية التي لها فروع في القارة من الاتفاق، كما أنها تتوقع توسيع هوة التفاوتات الاجتماعية بين الدول الافريقية. ويقول بيير جامكوا، وهو باحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية أن المغرب ومصر وكينيا أو افريقيا الجنوبية تتوفر على وضع مالي سيمكن من حمايتهم". ولكن ماذا سيحدث للدول التي لا تتوفر على موارد طبيعية أو أي واجهة بحرية؟ ماذا سيحدث لهذه الدول بدون آليات للتعويض؟
وهنا تبدو حجة الأرباح الطائلة للتبادل الحر غير مقنعة. إذ أن وضع المغرب الذي ينتج 75 % من صادراته من 80 خط إنتاجي، في نفس السوق مع التشاد، الذي يشكل البترول نسبة 82 % من صادراته، معادلة غير متكافئة.
ويدق الاقتصادي جاك بارتيلو، جرس الإنذار قائلا" إن منطقة التبادل الحر "جنون انتحاري"، لن يزيد فقط من التبعية الغذائية لبعض الدول ولكنه سيتسبب في إفلاس مربي المواشي ومنتجي الألبان وكذا المنتجين المحليين للحبوب الذين يخضعون لمنافسة المنتجين الأوروبيين الذين يستفيدون من اتفاقيات الشراكات اقتصادية.
وهكذا يمكن لبعض المنتوجات المصنعة انطلاقا من سلع مستوردة في إطار هذه الاتفاقيات أن تعفى من الرسوم الجمركية...
وفي دراسة نشرت سنة 2018، عين المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، قائمة الفائزين والخاسرين المحتملين من منطقة التبادل الحر القارية الافريقية : من جهة، القطاع الصناعي والشركات المتعددة الجنسيات وفروعهم المحلية وكذا المستثمرين الأجانب. ومن جهة أخرى، الشركات المتوسطة والصغرى والعمال الذين سيوظفون بثمن بخس وأيضا الفلاحين الصغار...
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.