هجهوج العنف والثقافة في مهرجان الصويرة
أصوات الموسيقى المنبعثة من مكبرات الصوت الضخمة في ساحة مولاي الحسن لم تغير شيئا من عادة النوارس. يحلق طائر الصويرة فوق رؤوس المئات من الواقفين أمام أكبر منصات مهرجان كناوة، في دورته الـ 22، قبل أن يحط على مدافع السقالة التي غادرها دخان الحروب، وتحولت الى مزار للسياح من مختلف أنحاء العالم. غير أن الحروب التي لم تضع أوزارها تماما والدعوة للمواجهة تعالت في أروقة الحكم في عدد من قصور الرئاسة التي استوطنتها تيارات سياسية شعبوية تدعوا الى الفصل وبناء الجدران. هنا أمام المنصة الكبرى تتمايل شابتان، إسبانية وبرتغالية، على إيقاعات فرقة "تيناروين" من شمال مالي حيث الطوارق يتدربون استعدادا لسهرة الجمعة. الشابتان كانتا في مثل عمر السائحة الدنماركية لويزا فيسترغر يسبرسن (24 عاما) والنرويجية، مارين أولاند (28 عاما) اللتان ذبحتا على صخر الأطلس الكبير خلال قضائهما لعطلة كان من المفترض أن تكون آمنة في المغرب.
التعايش عند بوعياش
خلف صخب مكبرات الصوت كانت بعض الأصوات الهادئة قد اجتمعت في قاعة فندق فخم مقابل لشاطئ الصويرة. داخل القاعة كراس سوداء عليها قبعات شمسية تحمل اشهار إحدى القنوات الدولية وقنينات ماء معدني تابع لإحدى الشركات المساندة لمهرجان كناوة. جلس الجمهور الغفير داخل القاعة في هدوء استعداد لمناقشة "أشكال العنف.. أصوله وتجلياته الحالية" الذي اختير كموضوع للندوة الأولى من ندوات منتدى الصويرة لحقوق الانسان الذي ينظم في نسخته الثامنة على هامش مهرجان كناوة – موسيقى العالم.
كانت نائلة التازي، مديرة شركة A3 ومنتجة المهرجان، صاحبة الكلمة الافتتاحية في الندوة. نائلة بدت سعيدة بما حققه المنتدى الذي بلغ عامه الثامن وقد شارك فيه 150 متدخل من 25 بلدا. سعادة مديرة المهرجان لم يعكر صفوها سوى فرقعات متتالية بسبب عطب تقني في مكبر الصوت غير أن هذه الفرقعات بدت لوهلة أشبه لخلفية صوتية تتماشى تماما والحديث عن العنف المتفشي في مناطق عدة من أنحاء المعمور. نائلة التازي اعتبرت أن الصويرة هي أكثر من مجرد مهرجان "إنها دعوة لاكتشاف الآخر بدون أحكام مسبقة".
أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان، الشريك الرسمي في هذا المنتدى، اختارت مداخل نظرية للحديث عن "قوة الثقافة في مواجهة ثقافة العنف" فاستدعت معادلة إبن رشد القائل بأن "الجهل يؤدي إلى الخوف، الخوف يؤدي إلى الحقد والحقد يؤدي إلى العنف". عندما كانت بوعياش تتلو على الحاضرين كلمتها باللغة الفرنسية كان أحد الصحافيين يقرأ بصوت خافت كلمتها المدونة في كتيب المنتدى المطبوع بأناقة. داخل هذه الكلمة تعتبر رئيسة المجلس أن التعايش ليس مجرد خصلة اجتماعية أو فضيلة أخلاقية بل عاملا يغدي سيادة القانون ويقوي المؤسسات الديمقراطية بوصفها سلاحا للحرية. تعليقا على الكلمة همس أحد الصحافيين في القاعة "تمنيت لو أن السيدة بوعياش تناولت عوائق التعايش في الترسانة القانونية المغربية وما أكثرها لكن يبدو أن المعالجة النظرية تعفي صاحبها من الحرج السياسي".
أبو حفص و Michael Collins
إختارت الصحافية لورادر، وهي المسؤولة السابقة عن إذاعة France Cultureالحديث عن الفيلسوفة حنة أرندت من خلال الإشارة الى كتابها "أصول الأنظمة التوتالرية" من خلال تلميح سريع الى العنف وعلاقته بنشأة الشمولية في تاريخ أوروبا ومنابعها الفكرية والسياسية والاجتماعية. الممثلة الجزائرية والحاملة للجنسية الفرنسية نادية قاسي قدمت شهادتها عن التحولات في الجزائر والتي وصفتها بالثورة. بطلة فيلم "الطريق الوطنية رقم 7" تحدثت بكثير من الرومانسية عن حركة التغيير في بلدها واعتبرت أن الضامن من الإنزلاق الى العنف في هذه الانتفاضة الشعبية هو الايمان العميق للجماهير المشاركة فيها بالسلمية كمنهج أمام العنف المحتمل من طرف السلطة.
على يسار الصحافي عبد الله الترابي، الذي تكلف بإدارة النقاش، جلس محمد رفيقي الملقب بأبي حفص والذي أضحى يتهم من طرف رفاقه القدامى بالنزوح، فكريا، نحو اليسار. رفيقي، الذي يرأس مركز "الميزان" والمتخصص في الدراسات الإسلامية، إختار طريقة مختلفة لمناقشة دور الثقافة في مواجهة العنف عبر تقديم شهادة عن طفولته التي كانت عبارة عن "تجنيد" في قرية نائية في الجنوب الشرقي قبل نقله الى فاس حيث تمت تعبئة عبد الوهاب بأفكار وهابية قبل أن ينتقل الى أفغانستان في "رحلة استجمام" تحت قصف القنابل وبين الأشلاء. رفيقي قال أن الكتب والروايات كانت منقذه في زنزانته الإنفرادية وكذلك دور والدته التي كانت تمده خفية بالمجلات وتحته على الذهاب الى دور السينما. رفيقي قال أنه راجع أفكاره بشكل جدري وأنه لا يجد حرجا في الجهر بأفكاره بعد مراجعاته العميقة حتى لو كلفه ذلك التخوين من طرف "إخوانه في الدعوة" تماما كما حدث لقائد المقاومة الايرلندي Michael Collins الذي قتل على يد رفاق السلاح والذي انجز حوله واحد من أهم أفلام البيوبيك التي تناولت تاريخ الصراع الإيرلندي مع التاج البريطاني.
كتيبة الخراب
تحرك عبد الكريم الجويطي في مداخلته أمام جمهور المنتدى كما تحرك بطل روايته "كتيبة الخراب" في فضاءات المكان وعاد الى موطنه مدينة بني ملال وشخوصها خاصة في مرحلة طفولته إذ اعتبر أن العنف متجدر في وجدان الانسان المغربي وقد حكى أن رياضتهم المفضلة كانت هي مطاردة القطط وتعنيفها في فضاء فارغ لا مؤسسات فيه سوى مؤسسة المسجد. النويضي تحدث عن العنف المتأصل في الانسان، في تماه مع أطروحة هوبز، خاصة مع ظهور مفهوم الملكية الخاصة وقد أنهى مداخلته على قهقهة الجمهور عندما أخبرهم أن الشعر وحده هو من أنقده تعنيف القطط ومن "كتيبة الخراب" في مدينة بني ملال.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.