واشنطن تضغط على الرباط لاستبعاد هواوي الصينية من سباق الجيل الخامس للأنترنيت (5G)
"نعلم جيدا ما الذي يلزم لإطلاق ناجح لخدمة الجيل الخامس للأنترنيت في المغرب !"، هكذا صرح مؤخرا شكيب عاشور، مدير التسويق والاستراتيجية في شركة هواوي-المغرب. وتتطلع الشركة الصينية، التي حصدت مجموعة من العقود على المستوى الدولي لتقديم هذه الخدمة، إلى انتزاع عقد مع المغرب، بحكم هيمنتها منذ سنوات طويلة على مجال تقديم الخدمات والمعدات (اللواقط الهوائية الكبيرة وتجهيزات الشبكة الأساسية) لفاعلي الاتصالات الرئيسيين في المغرب (اتصالات المغرب، أورونج، إنيوي). ينضاف إلى ذلك الحلول المقاولاتية التي تقدمها والتجهيزات الهاتفية التي توفرها.
استقرت شركة هواوي الصينية في المغرب ابتداء من سنة 2002، من خلال فرعين افتتحتهما في كل من مدينتي الرباط والدار البيضاء، ويؤكد فرعها المغربي أنه خلق حوالي 800 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة مع تحقيق 40 مليون دولار من المشتريات على المستوى المحلي للمغرب.
الرقمنة، المدينة الآمنة، خدمة الجيل الخامس : هواوي حاضرة على جميع الجبهات.
ولتعزيز ريادتها في قطاع الاتصالات، تطمح المجموعة الصينية إلى جعل الربط وسحابة الأنترنيت والبيانات المفتوحة، دعائماً رئيسية لمساهمتها في التحول الرقمي للمغرب الذي وضع برنامجا أساسه الربط السريع بالأنترنيت. وفي هذا السياق نظم العملاق الصيني مطلع يوليوز في مدينة الدار البيضاء، "يوم-القمة لتكنولوجيا الإعلام والمعلومات، هواوي-المغرب" (Huawei Maroc ICT Day Summit)، وهو حدث تم تخصيصه للحلول ذات القيمة المضافة العالية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وجمع هذا الحدث أكثر من 200 مشاركة ومشارك، بمن فيهم خبراء حضروا من الشركة الأم لعرض أحدث ابتكاراتهم في مجال اتصالات الهاتف النقال.
تدخل هواوي أيضًا وبقوة سوق المدينة الآمنة. فبعد مدينة مراكش التي ركبت فيها نظاما متقدما للغاية متخصصا في التعرف على الوجوه، يبدو أن الكفة تميل لصالح العملاق الصيني لحصد مناقصة استراتيجية في العاصمة الرباط، وتتطلع هواوي أيضا إلى مدينة الدار البيضاء حيث ستتم توسعة شبكة المراقبة بالفيديو التابعة للشرطة والدرك الملكي (في المناطق المحيطة بالمدن)، أي ما لا يقل عن 500 موقع إضافي سيتم تجهيزها. منتوجات هواوي من الجيل الجديد، والتي تزود أكثر من 500 مدينة في مائة بلد بخدماتها، صارت متوفرة في المغرب منذ نهاية 2017 بواسطة شركة "ديسواي" (Disway).
التقدير في منح مثل هذه العقود، التي تعد مسطرتها غامضة وغير واضحة، يعود بشكل أساسي للمديرية العامة للأمن الوطني (DGSN)، المستخدمة النهائية لهذه التقنيات الإلكترونية.
إضافة إلى ذلك استعرضت شركة هواوي مؤخرا على الدرك الملك نظام اتصالات تكتيكي جد حديث يستند في اشتغاله على تقنية الجيل الخامس، والذي يمكنه أن يحل محل أجهزة الراديو الرقمية الأرضية. هذا الاستعراض، سمح للشركة الصينية بإبراز قدراتها ومدى تحكمها في تقنية الجيل الخامس التي تسعى كل من اتصالات المغربي وإينوي وأورونج إلى تعميمها على زبنائها.
وتعد هواوي ثاني أكبر مصنع للهواتف النقالة بعد شركة سامسونج، والرائدة على المستوى العالمي في مجال تصنيع تجهيزات ومعدات الاتصالات بحصة سوقية تبلغ 22٪، وفقًا لـIHS Markit، متقدمة على نوكيا الفنلندية (13٪)، وإريكسون السويدية (11٪)، وZTE الصينية (10٪)، لكنها طموحات هذا العملاق الصيني تواجه ضغوطا متزايدة في جميع أنحاء العالم. ولن تتحقق هذه الطموحات سوى بخطوة تحول العديد من مشغلي وفاعلي الاتصالات، بما في ذلك الفاعلون الثلاثة في المغرب، إلى استعمال تكنولوجيا الجيل الخامس باقتناء معدات هواوي الجديدة. لكن المواقف النهائية من هذه الخطوة لم تتبلور بعد، في خضم النزاع الأمريكي-الصيني-الأوروبي بشأن هذه الأسواق...
وفي هذا السياق المتوتر تبنت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية عدائية وأخذت على عاتقها منذ شهور، إزاحة العملاق الصيني من الأسواق، حتى أنها تبنت وطنيا قانونا يحظر شراء منتجات الشركة المصنعة لمعدات الاتصالات من قبل الإدارات، لكن أثر ذلك القانون ظل محدودا بالنظر إلى أن الحصة السوقية للصينيين منخفضة للغاية في الولايات المتحدة.
المغرب تحت الضغوط الأمريكية
بعد منعها من بناء وإنشاء شبكات الجيل الخامس في كل من الولايات المتحدة وأستراليا اللتين تخشيان من مخاطر في مجال الأمن السيبرياني تجاه الشركة الصينية، أصبحت هواوي مرة أخرى في مرمى واشنطن التي تسعى الآن إلى حشد الدول الحليفة لتحقيق هدفها.
وقد صرح مسؤول أمريكي لصحيفة وول ستريت جورنال بأن الأمر يتعلق بالأمن في المقام الأول، في وقت يتم فيه اتهام الصين بلعب دور متنام على الخريطة الدولية للهجمات الإلكترونية على الإنترنت، حيث قال "نشارك بعض الدول مخاوفنا بشأن تهديدات الإنترنت على مستوى البنية التحتية للاتصالات. فعندما يفكرون في المرور إلى تقنية الجيل الخامس نذكرهم بهذه المخاوف. إن شبكات الجيل الخامس تتضمن تعقيدات إضافية تجعلها أكثر هشاشة وعرضة للهجمات الإلكترونية".
وتستعمل الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحجة لإقناع حلفائها في كل من ألمانيا وإيطاليا واليابان حتى تتوقف عن العمل مع هواوي، كما أن فرنسا صارت مترددة بشأن الشركة الصينية، الموجودة على أراضيها منذ أكثر من خمسة عشر عامًا. وفي وقت سابق أطلقت بريطانيا إجراءات للتحقق من موثوقية وأمن معدات هذه الشركة المستقرة بشكل جيد في الصين.
ووفقًا لمصادرنا، فإن فرضية إزاحة هواواي من سباق الجيل الخامس في المغرب مطروحة على الطاولة. تؤكد مصادرنا أنه "قد تم إجراء اتصالات مع صانعي القرار السياسي والسلطات المسؤولة عن الأمن الوطني والجهات المنظمة لقطاع الاتصالات"، مؤكدة أنه "حتى فاعلو الاتصالات أنفسهم تم التواصل معهم من خلال مساهميهم الرئيسيين".
من ناحية أخرى أكدت مصادر قريبة من الشؤون الخارجية المغربية لموقعنا أن القنوات الدبلوماسية وشبكات الضغط بين الرباط وواشنطن، قد تم "تفعيلها" في هذا الشأن، حيث اتصلت الإدارة الأمريكية بالسفير المغربي لدى واشنطن بخصوص هذا الملف الذي يتابعه عن قرب المستشار الخاص للبيت الأبيض جون بولطون...
وتبدي الإدارة الأمريكية استعدادها لفعل أي شيء تجاه العملاق الصيني، فبالإضافة إلى إمكانية فرض سلة من العقوبات، يمكنها أن تعد بتقديم مساعدات مالية إضافية لتطوير البنية التحتية في الأسواق التي ستتوقف عن اللجوء إلى خدمات ومعدات الشركة الصينية... وتتمسك الولايات المتحدة بحجتها في هذا السياق خاصة ما يتعلق بالجانب الأمني : إذا كانت هواوي تدعي استقلالها التام عن الدولية الصينية، فمن المحتمل جدا أن يتم استغلال معداتها، وفقًا لواشنطن، من قبل سلطات بكين لاعتراض الاتصالات لأغراض تجسسية...
بالإضافة إلى ذلك، تبدي الولايات المتحدة قلقا كبيرا وبشكل خاص بشأن الوضع في البلدان التي تستضيف قواعدها أو منشآتها العسكرية، فإذا كانت واشنطن تمتلك أقمارها الصناعية الخاصة وشبكة اتصالاتها الحساسة، إلا أن جزءًا مهما من حركة المنشآت والمعدات العسكرية تمر عبر الشبكات التجارية.
هواوي ترد، لكن سمعتها تُمرغ في التراب
لم تجلس هواوي مكتوف الأيدي أمام الاتهامات والهجمات الأمريكية. حيث قامت باستئجار خدمات شركة المحاماة Sidly Austin LLP لإسماع صوتها في مواجهة واشنطن. وسيركز ضغطها الذي بدأته في يوليوز على تشديد المراقبة عليها عند التصدير وعلى العقوبات التجارية "وغيرها من القضايا المرتبطة بالأمن القومي"، وفقًا لوثيقة نوايا قدمتها هواوي إلى مجلس الشيوخ الأمريكي.
جاء الرد سريعا : تسريبات كشفتها وسائل الإعلام الأمريكية تمس سمعتها وصورتها، وتتجاوز مجرد العلاقة الوثيقة التي تربطها بالسلطات الصينية. فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال حديثا أن موظفين في الشركة الصينية قد أمدوا حكومتي أوغندا وزامبيا بمعلومات حساسة عن المعارضين السياسيين.
تتعلق الحالة الأولى بـ"بوبي وين"، وهو مغني يبلغ من العمر 33 عامًا صار برلمانيا في أوغندا. ففي سنة سنة 2018، استعان يوويري موزيفيني (Yoweri Museveni) الذي يقود البلاد بخدمات تقنيين من شركة هواوي لاختراق محادثات واتساب وسكايب بالاستعانة ببرنامج تجسس إسرائيلي. أما الحالة الثانية فقد حدثت في زامبيا، حيث ساهم موظفو هواوي لقرصنة العديد من الهواتف وصفحات فيسبوك التي اعتبرت معادية ومنتقدة للرئيس الزامبي إدغار لونجي (Edgar Lungy). عقب ذلك اعترفت السلطات الأوغندية بالعمل مع شركة هواوي لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي، بينما ادعت سلطات زامبيا أن الشركة الصينية تساعد الحكومة على مكافحة "الأخبار الزائفة"...
لا شك في أنه قد تم التقاط وتسريب هذه المعلومات من طرف المخابرات الأمريكية واستعمالها ضد الأنظمة المعروفة بتعاونها وتقاربها مع الصين... هل سيدفع هذا المغرب إلى التفكير مليا قبل اختيار خدمات ومعدات هواوي الصينية، خاصة وأنه من بين البلدان المشهورة باستخدام برامج التجسس؟ هل ستخضع الرباط، مثل دول أخرى، لإملاءات الولايات المتحدة الهادفة إلى عزل الشركات الصينية، في سياق حرب تجارية وحرب للنفوذ بين واشنطن وبكين؟
إذا تقبلت الرباط، من الناحية السياسية، وتفهمت المشكلة في سياق الرهانات الاستراتيجية التي تربطها بواشنطن، فإنه من الناحية التجارية لا وجود في الوقت الراهن سوى لـ"مورد واحد حقيقي لمعدات الجيل الخامس وهو شركة هواوي"، حسبما صرح نيل ماكراي، المسؤول عن هندسة الشبكة لدى المشغل البريطاني BT، خلال حدث نظمته الشركة الصينية حديثا في لندن...
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.