لماذا يجب على المغرب أن ينسحب فورا من حرب اليمن
منذ مارس من عام 2015، تورط المغرب بجانب مملكة آل سعود ودول عربية أخرى في حرب قاتلة في اليمن. ورغم أن مسرح العمليات يبدو بعيدا من الناحية الجغرافية، إلا أن صدى هذه الحرب الضروس الدائرة في اليمن، بات يشغل بشكل يومي (وكالات الأنباء) والمنظمات غير الحكومية، التي دأبت على إصدار تقارير دولية يومية عن الوضع محذرة من عواقب مأساوية، لا سيما على السكان المدنيين والعزل، الزج بهم في متاهات ومواجهات هذه الحرب الطاحنة.
ففي بلد فقير قبلي وطائفي كاليمن تدور فيه اللعبة السياسية على نطاق واسع وفق توازنات الصراعات الطائفية والقبلية متمثلة في الحوثيين من جهة، وهي جماعة شيعية زيدية مسلحة متحالفة مع أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح بدعم من طهران. في مواجهة قوة سنية مؤازرة للرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، الذي يحظى بدعم تحالف سياسي – عسكري مكون من عدد من ممالك الخليج إضافة إلى مملكتي الأردن والمغرب، فضلا عن النظامين المصري والسوداني. ويمكن اعتبار السعودية المحرك الأساسي لهذا التحالف الذي سمي بـ "عاصفة الحزم" مستعملة العنف والقوة في أقصى درجاتها.

أما وسائل الإعلام المحلية فنادرا ما أولت هذا الموضوع اهتماما إلى حد الآن رغم أن عدد الضحايا تجاوز سبعة آلاف قتيل، إضافة إلى عدد لا يحصى من الجرحى، وما لا يقل عن 3 ملايين نازح.
يعيش ما يقارب 85 % من السكان اليوم فقط اعتمادا على المساعدات الإنسانية التي تقل بشكل مستمر بسبب تزايد انعدام الأمن. وما يوضح أكثر قتامة هذا الوضع الفاقد للسيطرة هو استسلام وإجلاء منظمة أطباء بلا حدود طواقمها في غشت الماضي بعد قصف عدد من مراكزها الصحية.
جرائم الحرب التى ارتكبها كلا المعسكرين
أصبح الاقتتال يشمل كل البلاد على مدى أشهر قليلة، فاتسعت بذلك رقعة النزاع وتفاقمت، ليستغل تنظيم القاعدة هذا الوضع المضطرب متوغلا بين السكان المتخلى عنهم من قبل قادة الحرب، مؤسسا بذلك قاعدة خلفية متينة. إضافة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي يقترفها كلا المعسكرين، الأمر الذي ضاعف وفاقم معاناة السكان المدنيين إلى حد لا يمكن احتماله.
ومرارا لم تسلم من القصف الأعمى المستشفيات ولا المدارس ولا المصانع ولا مواكب الزفاف ولا المآثر التاريخية ولا أماكن العبادة، ولا البني التحتية بكافة أنواعها من طرق لمحطات الطاقة، ومئات المساكن الخاصة في القرى والمدن، بما في ذلك العاصمة صنعاء. كما جاء في تقارير الأمم المتحدة وعدد من المنظمات غير الحكومية من بينها منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
هذا التحالف العربي الذي يشارك فيه المغرب بخمس طائرات مقاتلة من طراز F16 اتهم باستخدام قنابل عنقودية محظورة من طرف اتفاقية سنة 2008 المتعلقة بالأسلحة ذات الذخائر الصغيرة التي وقعت عليها أكثر من 100 دولة. ورغم أن دول التحالف لم توقع على هذه المعاهدة إلا أنها ملزمة باحترام بنود القانون الدولي الإنساني العرفي، بالامتناع عن استخدام الأسلحة العشوائية، التي تمثل بالضروة خطرا على المدنيين.
لا يمكننا الحديث أبدا عن حرب نظيفة، وما سمي بالضربات الجراحية منذ حرب الخليج الأولى ليس سوى خداعا. في هذا السياق أصبحت الحرب في اليمن اليوم فاقدة للمعنى، بل أكثر من ذلك اعتبرت أغبى حرب في العالم، كما أكد ذلك مراقبون دوليون. وإضافة إلى كل كوارثها، فقد أدى تمزيق البلاد على أيدي مجموعة من الفصائل إلى تواجد أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون طفل خارج المدارس. يمكننا القول إذن إن مشاركة المغرب في هذه الحرب بطائرات مغربية ضد هدف عسكري سيؤدي حتما إلى ارتكاب مذابح في حق المدنيين، بمن فيهم الأطفال الذين هم أول الضحايا، والذين يستخدمون كدروع بشرية. دعم المغرب إذن لحليفه السعودي في هذه الظروف، يعتبر مجازفة بارتكاب جرائم حرب.
صمت النخبة السياسية المدان
لم توضح السلطات المغربية للرأي العام الأسباب الموضوعية التي دفعتها لتورط قواتنا المسلحة في هذه الحرب، ناهيك عن دعمها غير المشروط لحليفهتا الرياض، التي تربطها بها مصالح استراتيجة وسياسية دائمة. وهذا السبب غير مقنع لتفسير هذا الاختيار من طرف دولة تدعي التزاما لا رجعة فيه بقيم الديمقراطية والسلام .
الجيش المغربي يظل متكتما وخصوصا فيما يتعلق بهذه الأعمال الحربية، التي لم يصلنا عنها إلا القليل الذي كشفت عنه الصحافة الدولية، عدا تأكيده الاضطراري فقدان طائرة مقاتلة ومصرع ربانها دون أي توضيح لحيثيات الحادث لحد الآن.
لا أحد من السياسيين، بمن فيهم المنتخبين الذين يشكلون اللجنة البرلمانية المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع _رغم حمولة هذه التسمية الطويلة والرنانة تبقى هذه اللجنة أيضا مهمشة _ حتى هؤلاء لا يملكون أدنى فكرة عن القرارات المتخذة خارج النسق المؤسساتي ولا عن التحديات الراهنة.
لم تثر هذه الحرب في الواقع، أي نقاش عام حقيقي حول هذا الصراع الذي من المرجح أن يتحول إلى "مستنقع فيتنامي " حسب عدد من الخبراء العسكريين. فلا الحكومة ولا البرلمان مدعوان للمشاركة في القرارات التي يرى البعض على أنها غير دستورية بالمرة.
المجتمع المدني، هو الآخر رغم أنه كان دائما أول المسارعين لعقد المنتديات والتظاهرات ضد الحرب على العراق، في سوريا، في ليبيا، و كذلك القضية الفلسطينية، بلع لسانه هذه المرة بصورة غريبة إزاء ما يحدث في اليمن، والكثير من أطيافه أعاد الكليشيهات المعتادة والجاهزة نفسها مقحما التهديد الإيراني، مبررا ذلك بالضرورات الأمنية والدبلوماسية للتحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي الذي أصبح المغرب عضوا غير رسمي فيه، وكذا الحاجة الماسة إلى التضامن مع أنظمة مدعمة للمغرب.
ولا يقف الأمر عند المسألة الأخلاقية فقط، بل الذرائع التي استخدمت لتبرير انفجار هذا الصراع، فضلا عن التجاوزات التي بصمت صيرورته تنذر بفضيحة مستقبلية.

على الصعيد السياسي، تسعى السعودية إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية في اليمن : في المقام الأول، صنع حكومة تخدم مصالحها إيديولوجيا. ثانيا، التأكد من أن هذه الحكومة تخدم أيضا مصالح الحلفاء الغربيين في صراعهم ضد النفوذ الإيراني. ثالثا، لتثبت للعالم أنها قوة إقليمية قادرة على لعب دور الشرطي في شبه الجزيرة العربية.
لكن في ظل ظروف الصراع الراهنة، تظل هذه الأهداف غير قابلة للتحقق.
عسكريا، تهدف السعودية للقضاء على أي تهديد قد يأتيها من الجهة الجنوبية، وللقيام بذلك، تواصل قيادتها لهذه الحرب غير المتكافئة دون أن تستطيع النزول عسكريا إلى الأرض، محاولة الوصول إلى حل مقتصرة فقط على قصف جوي مكثف وغير فعال. فالضربات الجوية تظل غير كافية للتغلب نهائيا على مقاتلي المعسكر المقابل.
هروب عسكري عقيم إلى الأمام
العواقب الإنسانية الوخيمة الناتجة عن هذه الحرب، جعلت شبح الإبادة الجماعية يطفو على السطح في اليمن، ما يفند طرح التحالف العربي الذي يدعي التزامه بالعمل على إعادة النظام. الهدف لم يكن خلق جو آمن ودعم للسكان المكتوين بنار حرب أهلية، لكن الدافع الحقيقي كان هو إخضاع وتدمير عدو صعب المراس مهما كلف الثمن.
ليس هناك بوادر لحل هذه الأزمة في الأفق وفقا لمعطيات هذا الوضع المعقد وصعوبة تحدياته. الاعتراف بهذه الحقائق يجرنا للاعتراف أولا بأن سبب العودة إلى المواجهات في 9 غشت، هو تعثر المفاوضات التي دامت ثلاثة أشهر، ما أوصل الوضع إلى هذا المأزق. هذا كله دفع المغرب إلى هروب عسكري عقيم إلى الأمام. مدبرو هذه الفوضى لا يمكنهم تحقيق أي صلح أو سلام. واشنطن التي تساند الرياض قلبا وقالبا فهمت ذلك فبدأت منذ أواخر غشت سحب قواتها من هذه الحرب.
شاركنا إذن في هذه الحرب دون تقدير للعواقب، واستقبلت طنجة وفودا دبلوماسية أعادت إحياءها مقابل حسابات مصالح غامضة بين دول ذات أنظمة استبدادية لا تحترم حقوق الإنسان. إقحام قواتنا الجوية يضل محدودا مقارنة بالترسانات العسكرية المشاركة، لكنه ذو حمولة رمزية كبيرة.
هذا في حد ذاته مسيء بوضوح لصورة المغرب، لهذا يجب علينا بمسئولية كاملة وضع حد لمشاركتنا في هذا الصراع فورا ومن دون أي تأخير.
©️ Copyright Pulse Media. Tous droits réservés.
Reproduction et diffusions interdites (photocopies, intranet, web, messageries, newsletters, outils de veille) sans autorisation écrite.