التفرغ النقابي للتحضير لعيد الشغل، ذلك الريع المقنع

ما يحصل هذه الأيام في بعض الإدارات والمرافق العمومية المغربية يؤشر على أزمة أخلاقية حقيقية يعيشها العمل النقابي والسياسي في المغرب، حيث تم إفراغ الإدارات والمؤسسات العمومية من جزء كبير من موظفيها وأساتذتها وأطبائها ومهندسيها، بدعوى التحضير لمناسبة فاتح ماي. إذ استفادت كل نقابة من رخص لفائدة العديد من أعضائها (أو غير أعضائها) لمدة 10 أيام قبل يوم فاتح ماي، وكأن بقاء أعضاء النقابات في وظائفهم سيمنعهم من التواصل مع زملائهم وإخبارهم بموعد فاتح ماي؟ وكما لو أن هؤلاء النقابيين سينتظرون العشرة أيام الأخيرة من أبريل لكي ينجحوا فيما لم يتوفقوا فيه طيلة السنة؟
الغريب أن النقابات فرّغت العديد من أعضائها داخل كل القطاعات، وقد يصل أحيانا الأعضاء المتفرغون داخل كل القطاعات والمنتمون لنفس النقابة حوالي 50 موظف داخل كل إقليم. وإذا علمنا أن النقابات في المغرب داخل كل قطاع تتجاوز 4 أو 5 نقابات، فإننا نصبح أمام آلاف الموظفين في عطلة مدفوعة الأجر طيلة 10 أيام، بحجة التحضير لاحتفالية رمزية صباح يوم فاتح ماي، احتفالية من المفروض أن يشارك فيها العمال والموظفون بعفوية ودون إلحاح إذا كانت النقابات فعلا تقوم بعملها.
الأدهى من ذلك أن من الذين يستفيدون من رخصة 10 أيام لا يقومون في الواقع بالتحضير لأي شيء باستثناء النوم أو قضاء الحوائج الشخصية، كما أن منهم من لا ينتمي إلى النقابة التي استفاد من رخصة باسمها، ومنهم أيضا من يكره العمل النقابي ولا يعرف حتى زعيم النقابة أو قوانينها الأساسية، فقط هو مستعد للاستفادة من رخصة (رشوة) من أجل تكثير سواد النقابة المعينة.
والغريب أيضا أن الإدارات والمؤسسات التي تمنح هذه الرخص لموظفيها لا تطالبهم بأي تقارير ولا جرد الأدوار التي قاموا بها، كما أن بعض النقابات لا تطلب من الموظفين الذين منحتهم رخصا باسمها القيام بأي عمل، بل منهم من لا يحضر إلى مناسبة فاتح ماي، وما الأعداد القليلة للمشاركين في مسيرات فاتح ماي إلا دليل على ذلك.
قد يقول قائل : ولكن هذا ينص عليه قانون الوظيفة العمومية؟
أولا : إذا كان القانون ينص على ذلك فينبغي تعديله.
ثانيا : لا وجود لأي نص داخل القانون يمنح الموظفين 10 أيام كاملة من أجل التحضير لفاتح ماي، حيث تنص الفقرة الثانية من قانون الوظيفة العمومية على منح رخص استثنائية : "لممثلي نقابات الموظفين المنتدبين بصفة قانونية أو للأعضاء المنتخبين في المنظمات المُسيّرة، وذلك بمناسبة استدعاء المؤتمرات المهنية النقابية والاتحادية والتحالفية والدولية"، بمعنى أن الترخيص يمنح من أجل الحضور الفعلي للمناسبة أو للاحتفالية وليس من أجل التحضير لها.
الأغرب من هذا كله، أن الإدارات التي تمنح موظفيها رخصا بمناسبة التحضير لفاتح ماي بكل أريحية وعفوية، تكون متشددة مع باقي الموظفين إذا هم رغبوا في المشاركة في مناسبة علمية أو ثقافية لا تتجاوز مدتها يوم واحد أو يومين، وكثيرا ما تم منع رجال ونساء تعليم أو أطباء أو موظفين من حضور مؤتمر دولي أو مسابقة عالمية أو ندوة محلية بداعي الحرص على مصلحة التلاميذ أو المرضى أو غيرهم. أما أن يترك الأساتذة أقسامهم والأطباء مرضاهم طيلة 10 أيام من أجل التحضير لمسيرة لا تتجاوز مدتها الزمنية 3 ساعات فذلك يعتبر نضالا من أجل تطوير الدولة.
لا بد للنقابات أن تتوقف عن تزكية هذا الريع، وعلى المشرّع أن يدقق في نصوص القانون حتى لا يتم توظيفها بشكل سلبي، فكم فكرة جميلة تكسّرت على صخرة الجهل والانتهازية، وكم حرية تم تشويهها حتى أضحت موافقة للفوضى، وكم قضية عادلة تولى الدفاع عنها محام فاشل.