كازا بارك : ما يُنَاهِزُ أَلْفَ أُسْرَةٍ تُرِكَتْ على الرَّصِيف

على طول طريق مُتَعرِّجَة بالكاد يُمْكِن الوُلوج إليها بالسيارة، في ضواحي سيدي معروف، ترسو مجموعة سكنية جديدة للطبقة الوسطى البيضاوية، تتوسط أراض فلاحية، ثَلاثُ عِمَارات مُتَزَاحِمَة لشُقَقٍ سَكَنِية مَهْجُورة. وفي مدخل الزوار، يتواجَدُ مخدع فارغ مخصص للحراسة بجانب عارضة تَآكلها الصدأ.
و تَربُضُ أمام العمارات، قاعة للعرض مهجورة من قبل الموظفين المكلفين بالبيع، حيث نجد النموذج المصغر لمشروع "كازا بارك"، و هو مشروع عقاري انطلق منذ خمس سنوات مضت ورُوِّج له بامكانيات إشهارية ضخمة من قبل شركة " Treize Huit"، وهي فرع من مجموعة "Maprinvest".
" امنحوا مساحة أوسع لسعادتكم"، هكذا تقول الوصلة الاشهارية المكتوبة بأحرف عريضة على واجهة باهتة الملامح. و بعيدًا، على رأس هضبة تطل على المشروع، يتواجد جزء رابع لم يتم إتمام بناءه و لم يتجاوز مرحلة التشطيب. وغير بعيد نجد رافعة وحيدة، كأثر أخير على أعمال البناء غير المنتهية، وفي الجهة المقابلة نجد حفرة كبيرة مملوءة بماء أَجَّاجٍ تَشْهَدُ على عدم اتمام الأشغال، والذي كان من المفروض إتمامه منذ 2016 ، أي ثمانية مجموعات من 42 عمارة تحتوي على 150 شقة، كل واحدة تتراوح مساحتها من 77 الى 148 متر مربع، و مئات من متاجر القُرْبِ.
ومنذ أسابيع قليلة، كانت سعيدة لزرق، المكلفة بالمبيعات، ما زالت تَعِدُ مئات الزبناء بشُقَقِ النعيم، أشخاص وضعوا كل مُدَّخَراتهم لأجل الحصول على شقق تَأْوِيهم بأثمنة جد مغرية. فرغم أن ما يَقْرُبُ 300 عائلة، قد آوت الى مساكنها فكثيرة هي الأسر التي لم تحصل بعد على رخصة السكن. و يُصَرِّحُ الشاب (أ.ب) وهو من المشترين غير المحظوظين، "لقد بيعت كل الشقق" و هو يشير إلى شقته التي لم تكتمل أشغالها، " لَوْ أن المطبخ كان مكتملا، لكنت سكنت في الشقة رغم كل الظروف" أضاف (أ.ب) بِنَبْرَةٍ مُسْتسِلمة.
و صُحْبَةَ كمشة من المُشْتَرين يخوض الشاب حربا ضروسا ضد المُقَاوِلَيْنِ" المُرَاوغَيْن". ففي سنة 2013، شأنهم شأن عدد من سكان المنطقة، سمع هؤلاء بشقق للبيع في هذه المنطقة "الواعدة". و كانت الحملة الاشهارية التي تم إطلاقها في الشبكات الاجتماعية والصحافة والمواقع المتخصصة وفي المنشورات الإشهارية التي تم توزيعها وسط المدينة كفيلة بجذبهم الى الطعم. كما أن ما تداوله الناس حول تصميم المشروع، سكن يحطم كل الاثمنة انطلاقا من 600000 درهم، لشقة تحتوي على ثلاث غرف، أنتهى بإقناعهم.
و تجدر الإشارة أنه بالإضافة الى الأثمنة المغرية، فإن موقع المشروع بشكل خاص هو ما أعطى للمشروع صِيتَهُ وجاذبيته. إذ يتواجد على مقربة من كازانِيرْشُورْ- مركب ضخم لمكاتب و مركز لترحيل الخدمات للعاصمة الاقتصادية و الذي يتضمن عدة شركات متخصصة في نشاط ترحيل الخدمات. كما يتضمن هذا المركز الحضاري متاجر ومدارس ومرافق أخرى بجوار ملتقى الطريق السيار الذي يؤدي إلى بوسكورة ومدينتها الخضراء وملاعب الغولف وخاصة غابتها، المُتَنَفَّسَ الوحيد للمدينة والتي تمنح مناخا خاصا يتمناه الجميع.
وكان الامتياز مضاعفا بشروط جد مغرية لسكان البيضاء الشباب، الذين يفِرُّون من الغلاء والصخب وتلوث مركز مدينة الدار البيضاء. و لأجل حجز شققهم لم يكن من المطلوب منهم سوى الدفع مسبقا لنسبة 15 % الى 20 % من ثمن الشقة الاجمالي و توقيع وثيقة مُسَجَّلة لعقد حَجْزٍ بسيط للشقة. وهي وثيقة موقعة في إطار خاص لم تجديهم نفعا عندما لجأوا الى القضاء.
وبعد ثلاث سنوات، وعند حلول الموعد المحدد للتسليم من قبل المقاول توقف المشروع، وكان العقد الموقع بكل ثقة يتضمن في بنوده بندا يَخُصُّ حالة تأخر التسليم. هذا البند زاد من ثقة الزبناء في البداية. و نقرأ في البند الثالث للعقد :
" أن التسليم سيكون في الثلاث لأشهر الاولى من عام 2016، و يمكن تأجيل هذا التاريخ، على أن يُعَوَّض بالإعفاء من سنة من الاشتراك من المساهمة في اتحاد المُلَّاك المشتركين، على أساس أن يتم تحديد المبلغ من قبل الشركة المسؤولة عن اتحاد الملاك و قبوله من لدن المقاول".
وهكذا عَمَّ القلق صُفوفَ المشترين، إذ من بين 8 بنايات مُرْتَقَبة، لم يتم إنشاء سوى ثلاث و اثنتان منهن مؤهلة جزئيا. فهل يتعلق الأمر بمشكل بيع؟ " إطلاقا !" يقول المُشْتَرُون لقد تم بيع كل الشقق، مقابل مبلغ جزئي أو ثمن إجمالي للشقق.
مقاولان يتحَجَّجَان بنِزاعٍ مع الأمير مولاي اسماعيل
و تبدأ بذلك مراوغات المقاولان اللذان كانا غير معروفين لدى العامة، حسن بن عبد العالي وصدر الدين بنهيمة مؤسسا الشركة العقارية "Treize Huit "،في نونبر 2011، بسيدي معروف ( و هي تسمية اسْتُمِدَتْ من مساحة المشروع الذي بلغ 13.8هكتار)، هما قريبي الأمير مولاي هشام. ومن أجل كبح مطالب وشكاوي الزبنآء في هذا المشروع فانهما يتَحَجَّجان، حسب الزبناء، بنزاعهم مع أخيه مولاي اسماعيل، الذين يقدمانه كشريك سابق لهما في "ما برأنفست"، نزاع بدأ في 2014، الشيء الذي نتج عنه توقف الأشغال لما يقارب 14 شهرا.
و هو نِزَاع ذُكِرَ في تلك الفترة في الصحافة : إذ تم تقديم دعوة قضائية ضد حسن ين عبد الجليل صهر مولاي هشام وقريبه صدر الدين بنهيمة ابن وزير الخارجية السا بق أحمد الطيب بنهيمة، من قبل مولاي اسماعيل الذي طالبهم بتعويض ليس بأقل من 200 مليون درهم لأجل الانسحاب من المشروع، "متهما إياهم بسوء النية في تسيير رأس المال المشترك للمشروع". و ذكر خبر في جريدة أخبار اليوم ، تم نشره أيضا من قبل موقع "بلادي.نت" بأن مولاي اسماعيل طالب" بتعويض الخسائر التي تكبلها في مشروع عقاري استثمر فيه بالبيضاء "
إن مساهمة الأمير مولاي اسماعيل في مشروع "كازا بارك" أحد أهم المشاريع العقارية للسكن المتوسط بالمغرب، رغم أنها مؤكذة من طرف مصادر متطابقة فإنها لا تظهر في أي وثيقة قانونية للشركات المذكورة سواء"Treize Huit" أو الشركة الأم " مابرأنفست" من الوثائق التي توصل بها لوديسك. لكن المشترين المتضررين يؤكدون أن حسن بن عبد العالي كان غالبا ما يذكر شريكهم المرموق :" لقد قال لنا يوما أنه غالبا ما يكون بصحبته في المقهى حتى يخيفنا" كما صرح أحد المشترين.
مشروع على شَفِير الإفلاس و مُثْقَلٌ بالديون
و منذ ذلك الحين تفاقم الوضع، إذ اجتمع المشترون للمطالبة بحقوقهم أمام القضاء بينما رَكَنَ المستثمران الى الصمت، وإلغاء المواعيد الواحد تلو الآخر. و تم إصدار 146 حكما مدنيا، جميعها تطالب الشركة "Treize Huit" بإعادة مبالغ التسبيق للأشخاص الذين اختاروا التراجع عن حجزهم. لكن الحالات تختلف، فالبعض اختار إتمام الدفع لكن يتعذر عنه ذلك. إذ أن الشركة مثقلة بالديون ولم تُنْجِزْ سوى 500 وحدة سكنية من بين 1365 شقة مفترضة وهي غير قادرة على تسليم الرسوم العقارية لشقق معظمها لا يتوفر على سَكٍ عقاري.
و لهذا السبب قام التجاري وفا بنك، بإعادة تمويل الأرض والبنايات بِحَجْزَين على السَّكِ العقاري الأصلي، الأول بقيمة 250 مليون درهم و الثاني بقيمة 100 مليون درهم . دون ذكر الرَّهْن التحَفُظِّي الخاص بالمُمَولين و المُوَرِّدين و بيع أصول الشركة بالمزاد الذي ما فتئ يتزايد سنة بعد سنة . ويحكي (ع.د) وهو مشتر ثان تُرِكَ على الرصيف" لقد طُلِبَ منا أن نُوقع على تنازل و وعدنا بأنه سيتم إعادة مالنا كاملا في أبريل الماضي".
و في يوليوز 2018، و بموجب عقد موقع في أطار خاص، ضم مساهمين جدد : فؤاد خطاط، الذي عبر الشركة المركزية للبناء والاشغال، كان المقاول المسؤول عن الشطر الأول بالإضافة إلى كل من محمد ناجد وعادل دردابي. وتتوفر هذه الشركة على حجز تحفظي بقيمة 100 مليون درهم استحوذت من خلاله على جزء من أراضي" كزابارك " لإنشاء وحدة للأشغال رغم سخط بعض المشترين الذين كانوا ينتظرون تشييد مساكنهم فيها. بينما دردابي الذي يشغل، لحد الآن، منصب المدير المالي ونُصِّبَ مسيرا لمابرأنفست، كان في هذه الفترة في الواجهة لتهدئة الزبناء مؤكدا أن التأخر المتراكم كان نتيجة تحفظات الوقاية المدنية حول شروط الأمن غير النظامية.
وهي مناورات غير مجدية دفعت مجموعة من المشترين المتضررين الى إخطار الصحافة وتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر شركة مابر آنفست وأخرى أمام فيلا صدر الدين بنهيمة، المتواجدة في حي أنفا العليا الراقي. ويحكي أحد المُحْتَجِّين" لقد تم تفريقنا كرعاع بأمر من الوالي الذي رُعِب من فكرة أن تصل أصداء هذه الواقعة الى آذان الملك الذي تقع إقامتة بجوار فيلا بنهيمة".
" لقد وقفنا عند باب منزله و لكن دون نتيجة، ورغم كل الأحْكَاِم المَدَنِيَّة التي في صالحنا، لم يحصل أي رد فعل لأن الشركة في حالة إفلاس" هكذا يتحسر (ع.ج) الذي كان يحلم بالعيش وسط الخضرة، بينما استقبلهم وكيل جلالة الملك بعين السبع "باستعلاء"، كما يحكي رب أسرة من المحتجين.
"وقبل أن يختفي، أخبرنا حسن بنعبد العالي أنه سيجلب رأسمال من الخارج(...)، لكنه يتلاعب بنا، لقد كشفنا اسمه في لائحة عدة مواقع للقمار، وهذه إشارة لا تُبَشِّرُ بخير...". وقامت مابرأنفست بإغلاق حسابها على فيسبوك لكثرة الانتقادات العنيفة الذي تعرضت له من قبل رواد الأنترنت، و مازالت الشركة تتوفر على مشاريع قيد الانجاز ببوزنيقة وتيط مليل و زنقة فاس.
و لما حاول لوديسك الاتصال بحسن بن عبد العالي أو إحدى الشركات المسؤولة عن المشروع لم يَرِدْنَا أيُّ رَدٍّ على اتصالاتنا الهاتفية، كما رفض التجاري وفا بنك التعليق على هذه القضية.